هوامش في الأدب: محمد زفزاف روائي المغرب

صدوق نورالدين
يرتبط الحديث عن الرواية العربية بالروائي أولا، بحكم كونه المبدع المؤلف. وثانيا، بالبلد الذي ينتمي إليه. من ثم تعلقت بلدان بأسماء روائيين. قد يقال بأن في أي بلد عربي أكثر من روائي، وبالتالي، كيف يتأتى الحديث عمن يحوز رمزية التمثيلية دون البقية. وهنا تثار مسألة الخاصات التي يتفرد وفي ضوئها تنسب التمثيلية. من هذه الكفاءة والقدرة الإبداعية على خلق وتخليق الإحساس باللحظة الروائية، إلى نوعية المقروء في بعده العالمي والعربي. ثمة أيضا ما لا علاقة بغيره، أي مستوى تلقي إبداعه وإيقاع انتظاريته سواء أكان التلقي عاديا أو ممن يمارسون الاشتغال على النصوص الروائية تفسيرا وتأويلا.
أما والحديث يتعلق بالمغرب، فإن سيد الرواية يظل الراحل محمد زفزاف غير منازع (1945/ 2001).
بدأ الكاتب الكبير مساره الإبداعي شاعرا. نشر قصائد في مجلات أدبية عربية ومغربية ذائعة الصيت. ومما يذكر قصيدته الشهيرة “الرأس والقبعة” وكان ألقاها في مهرجان شفشاون الشعري (1968)، فأغضب البعض وتفاعل آخرون بارتياح كبير. والواقع أن هذه القصيدة ترسم مساره في الكتابة الأدبية. ومن ضمن ما جاء فيها:
” أيها الشعراء
يا أصحاب القصائد المقفاة
يا تماثيل من تبن
أتحداكم
جميعا، وأكتب قصائد
محترقات من البلاستيك
من الميكا ومن جذوع
الأشجار.”
كان تحدي الشعر، المفتاح لتحدي السرد. وإذا كان الراحل لم يصدر ديوانا شعريا _ على حد علمي _ فإنه ثبت قصة ورواية جدارته الإبداعية. وأشير بالتحديد إلى أن بنية جملته السردية شعرية أساسا، وهو ما لم ينتبه إليه المغرمون بالمادة دون الصيغة.
أمضى الكاتب الكبير حياته كاملة في الدار البيضاء. وجاءت الفضاءات والأمكنة في قصصه ورواياته مرتبطة بها. وحتى في نصوصه التي تنهل من الذاكرة يستحضر عوالم الدار البيضاء. فإذا ارتبط روائيون بفاس، طنجة، مكناس أو أزمور، فإن زفزاف أخلص للدارالبيضاء استقرارا حتى بات علامة من علامات حي المعاريف الذي مثل البداية والنهاية، دون أن يقصد الرباط، وهو حال غيره ومن بينهم الآفاقيون الذي ضاعوا في العاصمة فسكتت أقلامهم بعد أن هجرهم الحرف.
شكلت “أرصفة وجدران” نواة الكتابة الروائية، فكانت علامة على كون اللاحق من الآثار سيكون أقوى. وبالفعل جسدت الخالدة “المرأة والوردة”، التحفة التي ستظل تذكر، وتذكر بأن حظوة التمثيل تقترن بالكاتب الكبير دون الغفل طبعا عن رواياته التي أثارت جدلا نقديا كبيرا. أتحدث عن “الأفعى والبحر”، “محاولة عيش”، “الثعلب الذي يظهر ويختفي” والدرس البليغ في الكتابة الروائية “أفواه واسعة”.
بيد أن من يقرأ المتن الروائي للكاتب الكبير في كليته، يقف على الناظم الموحد، وأقصد معزوفة الذات. فإذا كان محمد زفزاف لم يدون سيرته الذاتية، فإن المتن الروائي الذي أقدم على إبداعه التجسيد القوي لهذه السيرة المنطبعة بالتجريب صيغة، والجرأة في/ وعلى بناء المعنى الذي يعري الواقع في تناقضاته، مثلما يفضح المسكوت عنه مما لم تستطع النصوص الروائية التقليدية الدخول في مغامرة الكشف عنه.
سيظل محمد زفزاف رحمه الله تعالى روائي المغرب، إذ وكلما أثير الحديث عن جنس الرواية في المغرب، فإن حظوة التمثيل هي من نصيبه.