اليسار بين سؤال الأزمة وتخلخل الممارسة

اليسار بين سؤال الأزمة وتخلخل الممارسة

عبد الغني القباج

               في سياق يوم انتفاض 20 فبراير 2011.. كثير من اليساريين واليساريات، ديمقراطيين أو ماركسيين، يعبرون عن أفكار نقدية ديمقراطية أو ثورية نسبيا، ويبلورون مبادرات سياسية ينشرون بعضها على صفحات الفيسبوك وفي المواقع الإلكترونية.. ويسيرون في مسيرات احتجاجية..

        وكيساريين ويساريات مقاومين نطرح أفكارًا تنتقد النظام والوضع السياسي السائد ونعبر عن آراء حول واقع أزمة اليسار المناضل ونطرح تصورات تجاوزها.. نعبر عن هذه الأفكار في ندوات وفي المجالات المتاحة للمساهمة في الصراع السياسي والاجتماعي وخلال وقفات ومسيرات حركات احتجاجية.

          لكن لا زالت هذه الأفكار معزولة، جالسة، هادئة أو متحركة أو متصارعة في وعي كل واحد منا.. لا تنفذ إلى وعي وممارسة القوى الاجتماعية المنتجة عمال وعاملات صناعيين وزراعيين.. وإلى وعي وممارسة عموم جماهير الشعب الكادح.

         نطرح هذه الأفكار والمواقف والمبادرات ونتصارع حولها.. ولا نستفيد من دروس ممارستنا وإخفاقاتنا.. وما ننجزه من تقدم.. لأننا لا نمارس نقدا ذاتيا صارما لممارستنا.

        نطرح هذه الأفكار والمواقف والمبادرات ولا نتساءل علميا  لماذا لم نستطع بلورة بديل نظري وسياسي وتنظيمي يوحدنا كيساريين ويساريين جذريين مناضلين حول بديل سياسي ديمقراطي ثوري نلتزم بممارسته.. ونوجه ممارستنا الفكرية والعملية لهذه القوى الاجتماعية المنتجة لتكتسب وعي وممارسة تُحَرِّرُ نفسها وواقعها من السلطوية السائدة والاستغلال والهدر والقهر..

         وكأننا نخاف من طرح التناقض الأساسي.. نخاف عن فقدان مصالحنا.. والواقع أنها مصالح وهميةونتوجس من بناء تصورنا ومواقفنا وممارستنا على أساس التناقض الأساسي مع النظام السياسي السائد.. ونتشبث بفتات المبادرات والأحداث العابرة. نتناسى أن لا تغيير ديمقراطي حقيقي خارج هذا التناقض الأساسي.. ولا تغيير ديمقراطي حقيقي خارج قوة اجتماعية نواتها الصلبة عمال وعاملات وفئات اجتماعية كادحة واعين بضرورة تنظيم نضالهم الاجتماعي وتحوله إلى حركة سياسية ديمقراطية شعبية منظمة وفارزة لقيادتها الثورية. ولا يمكن إنهاز هذه المهمة إلا بتحمل اليساريين واليساريات الثوريين، ديمقراطيين وماركسيين، مسئولية الالتحام بهذه الطبقات المستغلة والمحرومة نظريا وسياسي وتنظيميا لتمكينها من تحرير نفسها بنفسها.. ومنذ أن  غَيَّبَ اليسار التناقض الأساسي أصبحنا ندور في مكاننا لا نتقدم.. ومن لا يتقدم في صراع التغيير الديمقراطي والثوري يسير نحو نهايته..

في حياتنا الجارية نتناسى انتفاضات جماهير الشعب التي لها جرأة عفوية لطرح صراع التغيير الديمقراطي كتناقض أساسي.. لكننا نتناسى وندفن الانتفاضات في مقبرة الذكريات .. نتناسى شهداء “حركة 20 فبراير”:

فدوى العروي.. كمال الحساني.. محمد بودروة.. كمال العماري.. كريم الشايب.. وشباب اكتشفوا محروقين في وكالة بنكية في الحسيمة لم يمسسها لهيب نار أحرقتهم!؟!!؟  سمير البوعزاوي.. عماد القاضي.. جواد بنقدور.. نبيل جعفر.. جمال السالمي.. متفحمة أجسادهم  يوم 20 فبراير 2011.. !؟!؟!؟ ولم يفتح تحقيق عن ظروف موتهم احتراقا .. رغم مطالبة أسرهم بذلك.. و يتم تغييب الحقيقة .. وآخرون لا خبر عنهم..

***

والدرس الأساسي السديد الذي علمني ويعلمني التناقض والصراع الطبقي في هذا الواقع.. هو:

 إذا لم تتحول الفكرة إلى قوة اجتماعية تتحول إلى دخان و تذهب أفكارنا مهما كانت يساريتها وثوريتها مع رياح الزمن ..

في واقعنا السياسي أصبح أغلب يساريينا لا يؤمنون ولا يمارسون خطا سياسيا وبرنامجا ديمقراطيا ثوريا تحتاجه المرحلة.. مؤسس نظريا وسياسيا وتنظيميا على قاعدة التناقض الأساسي..

أصبح أغلب يساريينا  يتوجسون ويتبرمون من فكرة الثورة الديمقراطية وحتى من ذكر كلمة الثورة، ومن مشروع الثورة حتى في الكلام العابر.. ولا يعتبرون المشروع الديمقراطي الثوري بديلا لأزمة الوضع السياسي والاجتماعي وبديلا لأزمتنا النظرية والسياسية والتنظيمية…

Visited 16 times, 13 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد الغني القبّاج

كاتب وناشط سياسي وحقوقي