حول أطروحات د. كلاب.. من أجل تجديد الرؤية التاريخية للمغرب الموري

د. عبدالوهاب الصافي
أثير مؤخرا نقاش مهم جدا يتعلق بإعادة النظر في موضوع تاريخ المغرب ومسار التغيرات التي عرفها شعب هذه المنطقة والتطورات التي مر منها التنظيم السياسي والثقافي والاجتماعي للبنى التي رافقت وأثرثفي تحولاته.
من دون شك هذاا نقاش جدي ومهم لأنه يسلط الضوء على ماضينا ويرنو إلى تبيان المقومات الي سندت بناء هذا الوطن و يهدف خاصة إلى إذكاء روح المواطنة المستنيرة من أجل تقوية الاعتزاز بالانتماء إلى هذه الأرض وتأجيج الإحساس بضرورة الاستمرار في العمل من أجل غد أفضل باعتماد نتائج الأبحاث الاركيولوجية التي تتم في عدة نواحي من المغرب والتأكيد على خصوصية هذا الوطن.
إذ نُتمِن مجموعة من الخلاصات التي قدمها الدكتور عبدالخالق كلاب في هذا الموضوع بتأكيده على الأصول المورية للمغاربة، متبنيا هذا الاسم الذي عرف خاصة استعماله من طرف الرومان في وصفهم للسكان الأصليين في منطقة ما يعرف الآن بالمغرب الكبير، فإننا ندعم مجهودات هذا الباحث في إعادة الاعتبار للإمارات التي وجدت في القرن الثامن الميلادي في المغرب وعقود من الزمن تم طمس الحديث عنها في متن الكتابات التاريخية الرسمية ببلدنا وندعم محاولته إبداع تحقيب جديد لتاريخ المملكة المغربية.
لكن بالمقابل نلاحظ أن أعمال الدكتور كلاب في إطار سرديته حول الشعب الموري يستند في تحقيبه إلى التأكيد على كون السنة الأولى المورية تناسب سنة 132 هجرية الموافقة لسنة 741 ميلادية، لاعتبار هذا التاريخ يوافق انتفاضة سكان المغرب ضد العمال الأمويين في طنجة والأندلس. بحيث يؤكد الباحث على مفصلية هذا التاريخ وهذه الواقعة من حيث انها سنة طرد الامازيغ للعرب واستقلالهم عن المشرق والمشارقة
بتفضيله لهذا الحدث المفصلي يعتبر باحثنا أن سكان المغرب الأمازيغ حافظوا على نقاوة العرق الموري وبقوا على ذلك إلى أن عمل الموحدون على جلب بعض المجموعات العربية (من بني معقل) من أفريقية (تونس الحالية) لأسباب أمنية. قال عنهم ابن خلدون إنهم لم يتجاوزوا المئتين ولكنهم تكاثروا باختلاطهم مع قبائل زناتة ومصمودة ثم صنهاجة. إذن اختلط الأمازيغ بالعرب.
ولتأكيد ما يذهب إليه لجأ الدكتور كلاب من أجل تبيان نقاوة العرق الأمازيغي إلى اختبارات جينية لعيِنة من المغاربة مكونة من حوالي 37 شخصا، أكدت أن نسبة الجينات الأمازيغية تتجاوز لديهم 70 في المئة وأن العربية منها لا تتجاوز 10 في المئة.
ما يثير الدهشة حقا هو أن يعتمد مؤرخ على التحليلات الجينية لدراسة دينامية تطور الشعوب، وخاصة هويتها الثقافية والاجتماعية، ويصم الجماعات البشرية بعد آلاف السنين من تطورها بأصلها العرقي. وكأن العرق يحدد الهوية من دون أي اعتبار للمتغيرات الثقافية والاجتماعية. إن دراسة الجينوم (le genome) منذ سنة 2003 تؤكد أن الموروث الجيني للبشر والمتضمن في الحمض النووي يشكل تسلسل ثلاثة مليارات من القواعد المصنفة ضمن المجموعات التي يصطلح عليها بـ:T,A,G,C والموجودة في كروزومات، والتي تحمل حوالي 20 ألف من التسلسلات القاعدية التي تشكل جيناتنا.
الدراسات التي تطورت منذ تلك السنة إلى يومنا وبانتقالها من الاهتمام بالجينات الفردية إلى التركيبات الجينية الجماعية، تثبت أن الفرق في الاختلافات بين البشر لا تتجاوز صفر فاصلة واحد في المئة (0,1%) من القواعد، أي 3 ملايين على 3 مليارات. وبهذا عمدت الدراسات إلى أنه لا وجود للتمييز العنصري بين البشرعلى أساس العرق، بحيث أن الحمض النووي لشخصين مماثل بنسبة 99 % . بالفعل 3 ملايين من الاختلافات ليست بالشيء الهين، ولكن يمكن التأكيد أن غالبيتها لا تكتسي أية أهمية من حيث انعكاسها على النمط الظاهر للإنسان (Le phénotype)، أي الشكل الخارجي (الفزيولوجي والسلوك…) للشخص.
يقول جوردان بيرتران “يعتمد الانتماء إلى “عرق” محدد اجتماعيا إلى حد كبير على الخصائص المرئية (لون الجلد والعينين والشعر وشكل الوجه)، والتي يتم تحديدها وراثيا حتى لو لم نعرف بعد كيفية استنتاجها كلية من تحليل الحمض النووي. لكن هذا الانتماء يتأثر بشدة أيضا بتاريخ المجتمع الذي ينتمي إليه الفرد، فبموجب قاعدة القطرة الواحدة، يعتبر باراك أوباما أول رئيس اسود للولايات المتحدة، في حين أنه أبيض بنفس القدر (من خلال والدته) وباللون الأسود (من خلال والده). كما أنها تعتمد على “السرد” الذي تتمناه مجموعة اجتماعية تعرف نفسها على أنها مجموعة عرقية، في حين أن هذه الفئة التي تدعي أنها بيولوجية، كما هو الحال بالنسبة لما يسمى بالآخرين في الرايخ الثالث، لا تتوافق إلا مع أسطورة حول أصلها“.
بين العنصر (السلالة) و الهوية
عندما نتكلم عن هوية شعب ما لا يجيب التوقف عند أصله العرقي فقط، ولو أن لهذا الجانب أهميته، بل نعتمد أساسا على إبراز جوانب ثقافته وسلوكه ومختلف تعابيره عن كيفية خوض حياته اليومية، في علاقته مع الآخرين ومع محيطه الطبيعي. فتشكل الهوية الوطنية لشعب ما تتحكم فيها عدة عوامل منها: اللغة والعرق والدين والتقليد والتاريخ والرموز التي تأصلت في المجتمع: نجمة، هلال، نشيد، اختراع، علم، عملة… الخ. فالهوية تبنى على عوامل مفتوحة على آفاق التطور، ليست ثابتة أبدا، ولو أنها بطيئة التغير نسبيا. فالشعب الموري تكوًن تاريخيا في علاقاته مع محيطه العام منذ العصر الحجري الحديث أي ما يفوق 20000 سنة، وعرف عدة هجرات أتت من آفاق مختلفة أبانت عليها التحليلات الجينية العلمية للمكون الكروموزومي للرفاة التي تم العثور عليها إثر الحفريات الأركيولوجية، والتي أثبتت سيطرة النمط الجمعي (Haplogroupe) [1]E1b1b1b1a (المعروف سابقا بـ E1b1b1b1 للكروموزوم Y والهالة الفرعية E-M81 التي ظهرت في منطقتنا قبل 5600 سنة إثر التحول الذي عرفه هذا النمط.
التطورات التي أصابت المكون الجيني صاحبتها من دون أدنى شك تغيرات على مستوى السلوك واللغة والتدين…الخ. أي أن الهوية تطورت مع النمو الفكري والعملي للإنسان في منطقتنا. فالحفريات والأبحاث الأركيولوجية لم تتبث إلى حد الآن وجود تعبير لغوي متفرد بل نقوش ورسومات وبعض آثار الكتابة التي لا تُمكن من الاعتراف النهائي بسيطرة لغة عالمة وسط شعب المنطقة. فلازال لزاما على الباحثين الأوكيولوجيين العمل والبحث لتحديد ما هي اللغة أو اللغات التي سادت في المنطقة منذ ما يفوق 5000 سنة. فلا شك لدينا أن سكان “موريتانيا” القديمة تكلموا الأمازيغية منذ مدة ولكن لا يمكن إلى حد الآن تحديد بدايتها ولا الأشكال التي تم التداول بها, فالمنقوشات المعروفة والتي يمكن اعتبارها أصل الأمازيغية قليلة جدا وغير واضحة.
- باختصار لا بد من التأكيد على اللغات المنطوقة عمومًا لا تترك وقائع أثرية مباشرة إلا إذا كانت مكتوبة. وهذا ما نفتقد إليه إلى حد الآن.
- النقوش القديمة نادرة وغالباً ما يصعب فك شفرتها.
- إن تفسير الأدلة الأثرية من الناحية اللغوية أمر معقد ويتطلب بحثًا متعدد التخصصات.
- أما فيما يخص المظاهر الثقافية والاجتماعية الأخرى، فلا زالت الحفريات الأركيولوجية لم توافينا بجميع المميزات الي تسمح بالتحديد الهوياتي لهذه الشعوب سوى انها اصيلة في تواجدها في المنطقة منذ اكثر من 20000 سنة.
- مع ذلك لا بد من التسطير على المظاهر الثقافية والاجتماعية المتوفرة لدينا الى حد الآن:
- في الجانب السياسي تشكلت دولة مورية في المغرب منذ 5 قرون قبل الميلاد باستقلال عن الدول المجاورة حتى سنة 40 ميلادية، حين تمكن الرومان من احتلالها. إثر هذا الاحتلال انقسم المغرب إلى شمال روماني وجنوب موري مقاوم لمدة تتجاوز أكثر من قرنين وأربعين سنة إلى أن استقل نهائيا (سوى ثغور طنجة وسبتة) سنة 534 ميلادية.
- في الجانب الثقافي والفني أوضحت الحفريات الأركيولوجية على أن الإنسان الموري استعمل الزينة والحلي والقلائد وصنع أسلحته المختلفة ووسائل الحرث والزرع واحتفلوا بالحياة بممارسة الموسيقى والرقص واخترعوا لذلك الآلات كالطبل، والناي، والصنج….
- أما على المستوى الديني فالأبحاث لازالت شحيحة في وصفها لمعتقدات الموريين، والشك يفيد بكونهم مارسوا طقوسا لعبادة بعض مظاهر الطبيعة والإنسان والحيوان مثل الكبش.
أطلنا في هذا الموضوع حتى يتبين أنه و لو رجعنا إلى الأصل الموري في المغرب، فإن ذلك لا يمكنه أن يغير من واقع ما وصل إليه الشعب المغربي اليوم. فلا فرق بين من ولد وشب وترعرع في هذا المجال الجغرافي والآخر الذي أتى من الشرق أو الجنوب أو الشمال. فافريقيا بكاملها حسب التحليل الجيني للشعوب، أثرت في كل المكونات البشرية بكل واحدة من القارات الخمس. وهالة المجموعة E-M81 الأكثر انتشارا في افريقيا منذ 21000 سنة وجدت ضمن الموروث الجيني لسكان جزيرة العرب وفي مناطق من أوروبا وافريقيا الغربية.
ضمن الموروث الجيني لسكان الجزيرة العربية وفي مناطق من أوروبا وأفريقيا الغربية. بمعنى إن انتشار سكان هذه المنطقة اختلطوا مع سكان مناطق أخرى، وربما العكس صحيح أيضا. فالتحاليل التي أجريت على 15 هيكل عظمي قديم تقدر اعمارهم بـ 15000 سنة في كهف الحمامة بتافوغالت (بالجهة الشرقية للمغرب) تُبيِن أن سكان هذه المنطقة لهم علاقة وراثية بساكنة افريقيا جنوب الصحراء والشرق الأوسط وتؤكد تحاليل الحمض النووي الميتوكوندريا (أي الجين الوراثي للمرأة نظير الجين الوراثي للرجل: الذي يرمز إليه بـ حرف (Y) مقابل الرمز (X) للرجل) لسبعة هياكل عظمية تؤكد وجود اختلاط بين محموعتبن قديمتين تنتمي إلى الشرق الأوسط، ومجموعة غير محددة شبيهة بسكان إفريقيا جنوب الصحراء.
نظن أن هذا كاف لدحض أطروحة النقاء العرقي الأمازيغي، فالمجال لا يسعف في الإطناب، والخروج من نموذج الموري الخالص والاعتراف بوجود مغربي ذو أصول مختلفة وبأن السكان الأصليين اختلطوا بأجناس أخرى وتكلموا اللغة الأمازغية التي بها تعاملوا مع الآخرين سواء كانوا فينيقيين أو قرطاجيين أو رومان, إلا أنه بعد القرن السابع الميلادي واختلاطهم بالعرب اعتنقوا مقومات ثقافية جديدة لعبت لغة القرآن الدور الرئيسي في يناءها ولحمها ونشرها عبر النخب المثقفة آنذاك.
فمهما اعتبرنا أن “الشعب الموري” استقل بذاته بعد دحر الأمويين واستقل بمجاله الجغرافي، ليس كاف لتفسير لماذا وكيف انتشرت العربية ولقحت الثقافة الأصلية وصارت لغة التواصل الأساسية بين بنيات وهياكل وتنظيمات الدولة المغربية.
التلاقح الأمازيغي العربي
من المؤكد أن الشعب المغربي طور أشكالا وتعبيرات ثقافية خاصة به، تظهر جليا في مظاهر الحياة العامة من مأكل وملبس وعمران… إلا أنه في المقابل أدمج في سلوكه وحياته اليومية عدة ظواهر عربية المنشأ، كاللغة وأنماط التعبير عن الفرح والحزن والعيش المشترك… الخ، أثرت في تشكيل هويته الجديدة. فنظام العيش المشترك بين مكونات الشعب المغاربي يعد نموذجا خاصا ومهما لأنه تمكن من صهر المكونين العربي والأمازيغي في “ذات” واحدة لا تميز بين أغلبية وأقلية، ولا تفرق في الحقوق على أساس اللغة أو العنصر كما في تجارب أخرى، حيث كل مجموعة اثنية أو لغوية تقابل الأخرى (وضعية الأتراك والأكراد أو هؤلاء والعرب)، ففي كل جهات المملكة المغربية تتعايش مكونات المجتمع في اندماج كلي وفق الواقع الطبقي الذي لا يميز بينهم من حيث العرق واللغة والثقافة وإنما من حيث حالاتهم الاقتصادية والاجتماعية. فالتمييز والإقصاء يتم بصيغة عمودية تراتبية، بناءً على الوضع الاقتصادي والطبقي، وليس بالصيغة الأفقية التي تفرق بين المجموعات المنظمة وفق العرق والعنصر.
فإن كنا نؤكد على أن الهوية الجماعية للمغاربة تشكلت وتطورت عبر التاريخ في تفاعل بين مكونات الشعب عبر الانصهار الاجتماعي والثقافي لمجموعاته البشرية المتحدة لمواجهة الأحداث والوقائع الإيجابية والسلبية، التي اعترضت طريق تطوره ولعبت دورا، بالتالي، في تنظيم تمثلاته الجماعية التي أثرت وتؤثر جليا في تأطير حسه المشترك وأنماط تفكيره ومعتقداته وطرق التعبير عن إحساساته اتجاه واقعه اليومي وعلاقته بمحيطه، فإننا نلمس بكل موضوعية وحدته واندماج عناصره وعمله المشترك من أجل الرقي بنمط حاته وعيشه.
عود على ما قدمناه بداية هذا المقال، يمكن ان نسطر على ما يلي:
- جميل أن نعمل على تحصين ودعم تمثل اجماعي وثقافي، يرسخ قناعاتنا عمن نحن وكيف وجدنا وتطورنا إلى أن وصلنا إلى ما نحن عليه الآن، والأهداف التي نتطلع لتحقيقها.
- مهم أن نبني تصورا إيجابيا عن “تفردنا” و”خصوصياتنا” كمجتمع عبر إبراز صورة نيرة لماضينا تنير الطريق نحو مستقبل مشرق، وشحذ همم أبنائنا وتقوية اعتزازهم بذواتهم، عن طريق التأكيد على الدور المهم الذي لعبه أجدادهم في صالح البشرية، إلا أن هذا النداء لا يجب أن يكون بخلق استلاب جديد مبني على أسس الانتماء العرقي والتمييز بين مكونات المجتمع وخلق شرخ في نظامه الثقافي والهوياتي.
- لا نشك في أنه بإمكان فرضية الإرث “الموري” أن تؤسس لنظرية في تاريخ المغرب بتحقيب جديد يوضح أحسن مسارات تطور هذا الوطن، ولكن نعتبر أن مستنتجات هذه الفرضية، التي لا توضح لماذا مالت البلاد إلى استعمال اللغة العربية وتملكتها كوسيلة للتعبير الكتابي والشفوي بموازاة اللغة الأمازيغية، التي مع الزمن فقدت موقعها: يوسف بن تاشفين كان يتكلم الأمازيغية ويستقدم مترجما للعربية كلما اضطر إلى مخاطبة قادة الأندلس والمشرق؛ ابن تومرت كتب بالعربية ولكنه بالمقابل ترجم إلى الأمازيغية، وكان يتحدث بها إلى المغاربة؛ مع المرينيين بدأت العربية تتبوأ الصدارة، وأصبحت هي اللغة الرائدة، ليس بين المثقفين فقط، بل بدأت تمتد إلى المجموعات الأخرى، وتقوى هذا النهج مع وصول السعديين إلى سدة الحكم..
- تعايشت اللغتين لمدة قرون، على الرغم من أن اللغة العربية لأسباب دينية وفقهية وسياسية وثقافية أصبحت هي السائدة. وذلك راجع لا محالة لانتشار الكتابة والعلم في هذه الفترة، وعلى ما يُرجّح فإن الهوية المغربية آنذاك انعطفت نحو تملُكالقيم الدينية التي احتلت مقام الصدارة في تمظهر الشخصية المغربية، وأصبح الدين (و لغة القرآن بالتتابع) هو المحدد الأساسي للهوية قبل الانتماء القبلي أو الاثني.
- دفاعا عن أطروحته حول نقاء العرق الأمازيغي يذهب د. كلاب إلى التقليل من عدد العرب النازحين إلى المغرب، ويضعف الاندماج بين البربر والعرب ضدا على كل ما كتب في هذا الشأن، سواء من طرف ابن خلدون في مقدمته أو ابن كثير في كامله. يقلص عدد العرب النازحين الذين أتى بهم الموحدون إلى ثلاثة مائة (ابن خلدون) لدواعي أمنية ويتناسى الهجرات التي أتت مع جيوش الفتح الأولى، والتي أسس أحد قوادها المسمى سعيد بن ادريس بن صالح بن منصور “الحميري” أمارة نكور سنة 710 ميلادية ولجوء الخوارج الصفرية، إلى المغرب وتأسيسهم لإمارات مدرار بسجلماسة تحت نفوذ عيسى أبي يزيد الأسود وإمارة برغواطة تحت إمرة طريف أبو صالح وهو من أتباع ميسرة المدغري الصفري.
ختاما، إن كنا نثمن مجهود إعادة الاعتبار لمفهوم المورية والتأكيد على الاستقلال السياسي للمغرب عن المشرق والاتفاق على المحاولة الجديدة للتحقيب التاريخي الموري المقترح[2]، فإننا نعترض على كل الأطروحة التي باسم استقلال المغرب عن المشرق بدعوى نقاء العرق الأمازيغي (الذي بينا خطأه بالدلائل العلمية الجينية) وخصوصية الانتفاضة المورية في القرن الثامن بحيث إنها لم تكن تخص المغرب فقط بل عمًت كل المغرب العربي، وكانت تجمع في آن واحد العرب والبربر، وفي هذا يقول الدكتور حسين مؤنس (تاريخ المغرب. ج1. ص155): “ولكن ما همنا ملاحظته الآن هو أن مراكز العمران الرئيسية في افريقية (…) ثم السهل الشمالي للمغرب الأقصى في حوض نهر سبو، ثبتت على مذهب السنة ولكنها أصبحت جميعا تحت سلطان العرب البلديين، لأن العصر الذهبي لبتي أمية وجند الشام انتهى بوفاة هشام بن عبد الملك آخر فحولها في 125 ه /743م، ولم يبق من عصر الدولة كلها بعد ذلك إلا 7 سنوات كلها فتن وتفكك ومصاعب. وفي هذه الظروف خلا المغرب الإسلامي كله للعرب البلديين والبربر، وقد تقاسموه على النحو الذي ذكرناه”.
إن أكبر خطإ يمكن أن نقوم به خلال نقاش تاريخ المغرب في فترة ما بعد ولاة بني أمية هو أن نتناول العلاقات بين القبائل في تلك الفترة بمنأى عن ظروف الصراع الديني الذي كان موجودا بين السنة والشيعة، وبين الخوارج بشقيهم الإباضية والصفرية. إن تغييب هذا المعطى الثقافي يشوش على تصور الباحث الذي يعتمد الجنس أو العنصر أساسا لتحليله، ويغفل عنصرا أساسيا في تكون الهوية البربرية/العربية الغنية للمغاربة.
__________________________________________________________________________________
[1] ou E-M81, Prcdemment E1b1b1b1) du chromosome Y, le plus répandu au Maghreb est dominé par son sous-groupe E1b1b1b1a2 (E-M183)
[2] مع العلم اننا نثير الانتباه الى كون هذا التحقيب المقترح يجعل المغاربة امام أربعة أنماط من التحقيب : الميلادي و الهجري و الفلاحي (أذ لا وجود لما يسميه البعض التاريخ الأمازيعي الذي هو نسخة من هذا الأخير ليس إل) ثم النحقيب الموري, يبدو لنا من الأفضل نقاش ايهم يجب ان نتبناه و نحافظ عليه حتى لا نتوه في استعمال ما سيزود انكماشنا على ذاتنا؟