رصاصة طائشة.. إصدار جديد للدكتور حسين جداونه

رصاصة طائشة.. إصدار جديد للدكتور حسين جداونه

إصدارات:

        صدرت حديثّا المجموعة القصصية رصاصة طائشة ـ قصص قصيرة جدا للكاتب الأردني الدكتور حسين جداونه في كتاب إلكتروني، وهي المجموعة القصصية السادسة عشرة ضمن مشروعه الإبداعي في السرد الوجيز: القصة القصيرة جدا. يضم الكتاب مئة نص، ويقع في مئة واثنتي عشرة صفحة من القطع المتوسط، الطبعة الإلكترونية الأولى 2025م.

تمثل مجموعة “رصاصة طائشة” تجربة سردية تنتمي إلى القصة القصيرة جدًا، بوصفها شكلًا نصيًا يعيد تشكيل العلاقة بين الحدث والمغزى، وبين الحكاية والدلالة، عبر الجمع بين الشحنة الدلالية المكثفة والانزياح القائم على المفارقة والاختزال والرمزية العميقة. تتأسس نصوص المجموعة على بنية اقتصادية في اللغة، مشحونة بطاقة إيحائية مكثفة دلاليًّا، لتخلق أثرًا جماليًا وفكريًا عميقًا، ممّا يجعلها أكثر انفتاحًا على التأويل، وأكثر قدرة على استبطان تعقيدات الواقع ضمن حيّز سردي بالغ القصر.

تستثمر المجموعة تقنيات السرد القصير جدًا، حيث تبتعد عن الامتداد الزمني وعن البناء التقليدي للحبكة لصالح المفاجأة والانقطاع الدرامي، والاتجاه السريع من المشهدية إلى التأويل، الأمر الذي يمنح النصوص طابعًا صادمًا يدفع القارئ للتفكير العميق. وتستثمر نصوص المجموعة تقنيات الإيحاء والانزياح اللغوي لتوليد دلالات متعددة، متجاوزة حدود المباشرة إلى فضاء التأويل والانفتاح الدلالي، ممّا يجعل المتلقي شريكًا في إنتاج المعنى وتوليده. ويؤدي العنوان دورًا أساسيًا في تعزيز عنصر السخرية وصناعة المفارقة، إذ يعمل مع بنية النص لكشف ما لم يقله النصّ، ولإعادة مساءلة البديهيات.

وقد يجمع النص بين السرد والشعرية، لكنه يصنف ضمن القصة القصيرة جدا؛ لأنه يحمل حدثًا، وتحولا مفصليًّا، وقفلة مفاجئة. وقد تقوم بعض نصوصها على المفارقة الصادمة والدهشة والتكثيف والإيحاء، بلا حاجة إلى حبكة تقليدية، أو بنية قصصية تقليدية أو شخصيات واضحة. فتكون بنيتها التجريدية عبارة عن مشهد أو جملة تحمل دلالات عميقة، تركز على لحظة مفصلية، تتحرك بسرعة من التمهيد إلى القفلة الصادمة.

وفي جميع الأحوال ينبغي أن يكون واضحًا، أنه لا بدّ من وجود نواة سردية خفيّة أو واضحة حتى يحافظ النص على هويته القصصية.

وتشتبك نصوص المجموعة مع الواقع بحدّة، تنفذ إلى جوهر الأشياء، وتخترق الوعي، في مساحات متداخلة من قضايا سياسة، واجتماعية، وفكرية وثقافية، فهذه النصوص لا تعزل نفسها داخل حدود صارمة، بل تتقاطع فيما بينها، فقد يبدو النص اجتماعيًا في ظاهره، لكنّه يخفي في طيّاته بعدًا سياسيًا صارخًا أو تأمّلًا وجوديًّا عميقًا. ونصوص هذه المجموعة شظايا من الحياة، تنعكس عبرها علاقات الإنسان مع السلطة والمجتمع والقدر وحتى مع نفسه، فتبدو علاقات مهشمة ومتوترة.

يتوقّف الكاتب في مجموعته الجديدة (رصاصة طائشة) في محطات متعدّدة من الحياة تتعلق بالفرد، وبالجماعة. إذ يقدم أفكاره النقديّة لبنية النسق المهيمن على مكوّنات المجتمع الحيويّة، وثقافته وسياسته، عبر جنس القصة القصيرة جدا بتجلياتها البنيويّة المتعدّدة، حيث تنبت الفكرة وتنمو وتنضج بشكلها القصصيّ الذي لا ينبتّ عنها.

تتغلغل الرصاصة الطائشة في جميع مفاصل حياتنا، الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والدينة والسياسية. وهي أحيانًا تعمل في العلن وأحيانًا تعمل في الخفاء لكنّها في كلتا الحالتين تترك خلفها آثارًا واضحة، تشير إليها.

فالرصاصة الطائشة ذات تجليات متعددة؛ فقد تكون رصاصة أو كلمة أو سياسة أو إدارة أو علاقة أو موقف أو نسق أو نظام أو قضاء أو ثقافة أو نمط حياة أو غيرها من التجليات التي تشكل بمجموعها بنية المجتمع بمختلف مكوناته، إذ تؤسس “الرصاصة الطائشة” نسقها الخاص ليصبح النسق المهيمن على سائر أنساق المجتمع. لذا فإنّ قصص المجموعة تعرّي هذا الوجه القبيح والزائف للمجتمع وتكشف تناقضاته بمختلف مكوّناته وأنساقه، خاصة في لحظات تحوّلاته المفصليّة، ما بين المبادئ والثوابت من جهة وبين الطارئ والآني من جهة ثانية.

وقصص هذه المجموعة رصاصات رمزية، ليست طائشة بالمعنى العشوائي، بل هي مقصودة تستهدف الوعي، وتعيد مساءلة البديهيات، وتفكك المستقرّ من المعاني. فهي تتبنى مقاربة نقديّة لأنماط السلطة، سواء السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية، حيث تعمل على تفكيك بنيتها الداخلية، والكشف عن تناقضاتها، وإعادة مساءلتها على مستوى المضمون والشكل السردي. وبهذا، تتقاطع مع توجهات الأدب النقديّ الذي لا يكتفي بالتشريح، بل يسعى إلى تحفيز القارئ على إعادة التفكير في الواقع، مما يجعلها تجربة سرديّة لا تقدم أجوبة جاهزة، بل تفتح بوّابة الأسئلة على مصراعيها.

***

نقرأ من أجواء المجموعة:

رؤية

استعرض المتنبي خريطة الوطن العربي المعلّقة أمامه على الجدار، أخذ نفسًا عميقًا، ثمّ زفر:

وسوى الروم خلف ظهرك رووو

اخترقت الخريطة رصاصة طائشة.. استقرّت في قلبه..

ظلّ ينزف دمًا طازجًا

مصاهرة

استدعاني الحنش إلى ورشته..

ظننت أنّه سيعزّيني بوفاة والدي، ذهبت إليه مهرولا. أخبرني بأنّني المثقف الوحيد في الحيّ، وأنّه اختارني للزواج من شقيقته. قلت له: ولكنّني متزوّج، وشقيقته أكبر منّي! أجابني: بأنّه متزوج أيضًا، وسيتزوج أمّي وهي أكبر منه! ثرت بوجهه حانقًا..

قبيل منتصف الليل، وفي أثناء عودتي إلى منزلي نجوت بأعجوبة من رصاصة، يبدو أنّها طائشة

رصاصة رحمة

أخبروا العجوز بوفاة ابنها..

طفرت الدموع من عينيها..

لقد ظننته مات منذ زمن بعيد

ردّة

رفع ظهره، غسّل يديه، نفض الغبار عن ثيابه.

ثمّ قال بلهجة حاسمة:

كلّا، يا مولانا، لا أريد عشر قوارير بعد أن أموت، أريد قارورة واحدة، الآن..

رصاصة موالية أعادت الأمور إلى نصابها

Visited 16 times, 4 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة