السيد والعبيد

أحمد العلوي
جمع السيد عبيده وأوصى أحدهم بالاشتغال بشؤونهم العامة، وأوصاه أن يتولى أمرهم برضاهم، وأن يتركه أن اختاروا غيره. علمه وجعل له قوة على ذلك. لم يكن السيد عاجزا، ولكنه أحب أن ينظر إلى كيفية تصرف عبده المكلف وعبيده الآخرين. كان يعلم ما يكون منه وكان يقول له:
– إن تركت لك عبيدى تحت رئاستك فستنكرنى وتدعى الملك عليهم وستنازعنى ما أملك وستدعوهم إلى الاستقلال عن سلطانى إلى سلطانك. لكن سآمرهم أن يختاروك وسأجربك.
كان العبد يجيبه:
– كلا. سأحفظ عهدك ولن يكون مني إلا ما يسرك ولن انقلب عليك أبدا. أنت السيد الملك المطاع. كلنا عبيدك. جربنى واجعل فى نفوس عبيدك الآخرين أن يختارونى للحكم وسترى.
قال له السيد:
– إننى أرى منذ الآن وقبل هذا الوقت، واعلم أنك لن تصبر على الالتزام بالحق، وأن خيالك سيدفعك إلى الكوارث وإلى أن تحب أن تأخذ مكاني وستهلك بذلك.
كان السيد يريد من اختيار رئيس لعبيده أن يعلمهم أنهم ناقصون، وأن الخيانة تجرى فى دمائهم. كان هذا العبد الذى ترشح للرئاسة أشدهم إظهارا للإخلاص وإبطانا له، وكان يظن أن إخلاصه لا يصيبه المرض ولا التغير والفساد، وكان أصحابه من العبيد الآخرين مجمعين على الاعتراف له بالتقدم فى الإخلاص والوفاء لسيده، حتى إنهم سألوه أن يجعله عليهم رئيسا.
كان السيد قد صنع لعبيده دارا فسيحة طولها وعرضها سنوات وأشهر ضوئية، وكان قد جمعهم فى جانب منها، وجعل على جبهة كل فرد منهم علامة تشير إلى اسم المالك، أي إلى اسم السيد، وجعل تلك العلامة أيضا فى أيديهم وأرجلهم، وكل جهة بينة من أجسامهم. لم يكن من شك فى وضعهم القانوني لكل من نظر إليهم، وكانوا جميعا ينظر بعضهم لبعض ويتذ كرون بالنظر إلى أطراف أجسامهم حقيقة مالكهم.
كان سيد العبيد عالما فاضلا. علم عبيده فنونا من الصناعات. وكان من جملة ذلك فن الحكم، وقد علمه هذا العبد الذى جعله رئيسا لهم جزاء له على إخلاصه واستجابة لرغبة أقرانه وتحقيقا لهدفه من تعليمهم ما لم يكونوا يعلمون من طبيعتهم، التى كان عالما بها. كان التراسل بين السيد وعبيده يتم بشكل ضوئى. كان يرسل إليهم أضواء فيفهمون عنه، وبتلك الأضواء علمهم فنونهم، وعلم الحاكم منهم فن القانون. وكانت تلك الأضواء تمر إليهم من خلال أسمائه المسجلة على أجسامهم.
تولى العبد الحاكم الحكم. اختاره أترابه بعد أن علمه سيده وأوصاه. أول شيء فعله بمجرد توليه السلطة إعلان سيادته وأنه السيد المطاع بالرضى أو بالسيف، ومطالبته العبيد الآخرين بأن يتخذوه سيدا نائبا عن السيد الأول فى إقليمهم. رد عليه بعضهم بأن سيدهم جعله حاكما بقانونه الذى يعرفونه جميعا، لا سيدا متصرفا بهواه، ولكنه ليس إلا وكيلا لهم، وأن السيد عينه بعد أن اختاروه، لا قبل ذلك. فأخذهم أخذا وبيلا، وأمر برؤوسهم فقطعت ثم علقت على أسوار مدن البلد. استعبد العبد الحاكم إخوانه ونشر صوره فى المدن، وأمر عماله تعليم الناس الوقوف عند تماثيله فى الميادين، وإظهار الطاعة لها بتقبيل يد التمثال والانحناء إلى الارض.
اشتد على الناس الغم وأحاط بهم شبح الجوع، وكان قد مر عليهم سنون من القحط ونقص فى الأموال والثمرات. انتظر الناس جوابا من سيدهم. رأوا أن العبد الآبق لا تصيبه مخمصة ولا جوع ولا مرض ولا نائبة من نوائب الدهر ولا عقاب. نشر الحاكم قوالين يبثون فى الناس عقيدة موجزها أن سيد العبيد لا اعتراض له على أفعال الحاكم. قال كثير من الناس:
– لو كان سيدنا معترضا على ما يامر به عبده الحاكم لأظهر ذلك.
ثم قالوا:
– إنه ليس معترضا
ثم قالوا:
– إنه موافق وراض على أعمال الحاكم.
انتشر هذا القول، وعبد الناس العبد الحاكم ونسوا سيدهم وقالوا:
– لنا الآن سيدان.
وقال آخرون:
– لقد رفع سيدنا أخانا الحاكم إلى رتبة السيد وجعله معه سيدا. إنه لم يعد عبدا مثلنا، وإن كنا لم نجد إلا الخير فى الذى نحن عبيد له. لكن لاشك أن رتبة السيد المتحرر خير.
انطلق الناس بعد هذا إلى الوشامين فرسموا فوق جلودهم اسم العبد الآبق ولم يسموه بذلك، بل سموه باسمه الجديد، ألا وهو السيد الثانى. ثم مضى زمن فسموه السيد الأول وأنكروا سيدهم الذى كان الأول من قبل. حينئد بدأ الضوء الذى كان يأتيهم منه يتضاءل إلى أن اختفى. اختفى ضوء السيد عن العبد الآبق وعن الناس الذين اتبعوه وجعلوه بدلا عن سيدهم. كان بعض الناس قد نكلوا عن القول بسيادة الآبق وقالوا:
– لا نقول إلا بسيد واحد هو الذى عين علينا هذا الحاكم بعد اختيارنا له، والآن إن كنا لا نرضاه فالثورة عليه واجبة أن لم يعتزل.
لم يستوشم هؤلاء احدا ،وسخروا من الوشامين والموشومين، وعلموا ما أصاب الجاهرين من قتل وصلب، فاكتفوا بالكتمان وانتظروا وقوع الكارثة بالعبد الآبق وأتباعه، ورأوا فى اختفاء الضوء عنهم مقدمة للكوارث العظمى المقبلة.