الفتى قلبه والشموس

المصطفى مفتاح
رحل عنا الصديق الأحرش
هذا الفتى يمتشق قلبه وشموسه ويمضي
إلى بلاد أخرى مجهولة ليأتينا بأسرار
يأخذ مني الكبد نتفا ثكلى يزرعها في السر وأرضي
أوتاد مجاهيل من الأوتار الكاسرة
وصحائفِ الاصطبار
هذا الفتى يرحل حين يقرر أن يفاجئنا ويفْجِعنا
يسكن ريحا من الصبار والخزّ وذِ كريات الشابل
ينفث حول الحصى وقبلَ النسيم أسماء الزبد
ويمشي تحت عنفواننا دوائرا دوائرا
والقيظُ وعدُ الليل والنهار
هذا الفتى يسكن فراشات غرائبية الشكل والألوان
يرتق أسمال السماء بما تيَسّرَ من الضباب والأسى
والغيم هائم زرافاتٍ أربعًا ومثنى في الأصيل الذابل
ينبض حين يخْمِشه العقاب ساخرا
ينبض في منفضة التمارين والرؤى
وألوان النهوض والانكسار
ايناس ايناس *
والصخر يُكَشِّرُ الأمواج بلّوراً يثير الجزع
وحبيبات العرق تفجر الأفق
ندى بعيد قريب غامض
والصدى بلا صدى
ولا اصفرار في الزهور المزهوة البليدة
ولا غسق ولا قمر، أين الفتى؟
هذا المتعدد المحبات يضع قلبه الشفاف والحنين
في يدِه
طائر يرحل إلى الأسرار
يطارد عصافيرَ من خزفٍ لامع
“تسعى إلى النور وفيه الفناء”
يتنقل من نجمٍ الى ثُقبٍ إلى أول انفجار
أول عناوين السدى
دع عنك مخادعة السنين والسماء
ايناس ايناس *
مرت علينا دقائق كالأيام
قوّسَها وقوّضَها قِرط الليالي
قُزَحٌ على قزح الجرس
وثمانية أيام وزنها عام من الأتراح والجَلَد
وشقائق النعمان ترقص أو تركض وجنتينِ والشفة
مرت علينا شمسُكَ الناصعة
ومن عينيك دفقُ الندى
سحرتَ الآلامَ دفئا
مفاعِلاتُ القصيدِ وزنُها وبُحورُها
إن استطاعت وأرادت سبيلا
حبيبي في منتصف الممر
لا تشتعل حتى لا تتماثل للضحى
لا تنجلي في الزوال رمشا
لِطَيْفك والسفر نزلا
بلا مسافرين ولا خزامى
حبيبي رفيقي والقضبانُ رائحة الزيارة
أين السنابل والحنطة؟
طيفك شقيق روحي الأولى والأعمق
ايناس ايناس*
سلالم بيضاء وأكثرُ من مسبار
جيراً وعِنباً يتسلق القلب قلبا
قفةً دون طاولة ولا ملاعق أو كراسي
فؤادا ينير ملء شراييني بحيراتِ شجنْ
أسرارا من حبيبات اللهب
أدراجي تعود أدراجها وأستطيل
في هامش غيابك الطاغي
آه من جبيني
رمانة هزيع ما من الاشتياق الزاجل والشفقْ
لا قبلةٌ تجتاحني
لا ظبيةٌ تنتاب الضلوع
ايناس ايناس*
لا جبلْ غير شعاب من شجيرات الشوك الطفولي
والتين والبلح والافتتان
نم حبيبي نم رفيقي ولا تتقلب
ثم استفق لأن شوقي جذعٌ تسامى للعلا
في الغسق القريب من عين ماء تنضح الزلال واللظى
أنا لا أحب البين لينا أو جارحا أو باكيا أو بين بين
أو مستديرا كالحمامة تشدو على غصن الجفن المعدني
والصدأ
هلا استيقظت يا رفيقي
هلا دنوت
نعيد ترتيب الموسيقى بما يلائم “ما العمل؟”
فالحياة مشرقة حتى في المنتهى
والربيع فصلنا رغم منحدر الخريف
غيابُ غيابٍ ما حضورٌ
ثابت ناصع كشمس مرتابة
كشهوة مثلوجة حارقة للشجن
حضورُ غيابٍ ما غيابٌ
كالسيف صارم
ايناس ايناس*
أذكر مئذنة بلون وطعم الاسمنت المسلح
تشير بسبابة إسمنتية نحو الحياة ودروب طفولتي
يا أيها الغائب الحاضر في اللقيا والمحاضر
يا رفيقي نم وقم للحياة ما استطعنا إليها سبيلا.
لك حبي ووفائي ونصيبي من الأرباح دون الخسائر
أكتوبر 2022
* لازمة أغنية رويشة ” قل له”
_________________________________________________________________________________
من مجموعة “مجرات وحرائق وكتابات سابقة ولاحقة” – منشورات الموجة (2023)