الدويلة تنتفض بوجه الجميع بظل تشدد غربي

أحمد مطر
أتت زيارة براك في توقيت بالغ الأهمية، تزامناً مع انعقاد القمة الأميركية الإسرائيلية في واشنطن، في حين تنتظر المنطقة ما يمكن أن يحصل على صعيد استئناف المفاوضات الإيرانية الأميركية بشأن الملف النووي. ومع اشتداد الضغوطات الخارجية بشأن سلاح حزب الله، فإن الأجواء السائدة لا تدعو إلى الارتياح كثيراً، في ظل خشية من جانب إيران وحزب الله من أن يكون الرئيس الأميركي، قد أعطى حليفه رئيس الوزراء الإسرائيلي الضوء الأخضر لمعاودة ضرباته، تزامناً مع تناغم مواقف الدول الغربية مع الحملة التصعيدية التي أطلقها الرئيس دونالد ترامب ضد حزب الله وإيران. وفيما يتوقع عودة الموفد الأميركي بعد أسبوعين أو أكثر بقليل، ومعه الملاحظات الأميركية على الرد اللبناني، فإن الأوساط السياسية تترقب المواقف التي سيطلقها الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم بشأن الموقف من المطالب الأميركية، وما إذا كان موقف لبنان الرسمي، قد تضمن وجهة نظر حزب الله من هذه المطالب، في حين أشارت المعلومات، إلى أن براك أبلغ رئيس الجمهورية جوزيف عون، أن بلاده لن تدخر جهداً لمساعدة لبنان وحكومته من أجل تفعيل عمل المؤسسات، وبما يمكن الجيش اللبناني من فرض سيطرته على كامل الأراضي اللبنانية، وتحديداً في الجنوب، وما يتصل بنزع سلاح “الحزب”، انطلاقاً من الحرص على تثبيت اتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل، لأن هناك مصلحة للطرفين باستمراره، وتجنب سقوطه وانهياره.
لا يعني الارتياح الذي أبداه الموفد الأميركي توم براك، إزاء الرد اللبناني على الورقة التي سبق وقدمها للمسؤولين، أن هناك رضى أميركياً عن الخطوات التي تقوم بها الحكومة لمعالجة سلاح حزب الله. لا بل أن ما تسرب عن أجواء المحادثات التي أجراها براك في بيروت، يشير إلى أن الموفد الأميركي تحدث بلهجة مختلفة، من حيث الإشارة إلى أن المجتمع الدولي لا يقبل بأن يبقى الوضع في لبنان على ما هو عليه. وبالتالي فإن لبنان أمام فرصة تاريخية قد لا تتكرر، لمعالجة سلاح حزب الله. وهذا ما أبلغه إلى كبار المسؤولين، كما نقل عنه. وإذ أكد المسؤولون اللبنانيون أن مصير السلاح مرتبط بشكل أساسي، بانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي اللبنانية، فإن الموفد الأميركي لم يحمل معه ضمانات من جانب إدارته، بممارسة ضغوطات على الاحتلال لدفعه إلى الانسحاب من النقاط الخمس التي لازال يحتلها. وإنما مجرد وعود بالعمل على إنجاز الانسحاب الإسرائيلي في مرحلة لاحقة.
ضاق هامش المناورة كثيراً، بين خيار تسليم سلاح حزب االله للدولة اللبنانية، وبين المماطلة المتعمدة بحجة ابقائه ورقة قوة لمواجهة إسرائيل، بعد ان فشل الحزب في الحرب التي شنّها ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي لدعم وإسناد حركة حماس في قطاع غزّة، بعد عملية طوفان الاقصى، واضطراره للموافقة على وقف اطلاق النار والالتزام بتنفيذ القرار 1701، الذي ينص على تسليم سلاحه ومواقعه للدولة على كل اللأراضي اللبنانية البديل لرفض الحزب تسليم سلاحه، تنفيذا لقرار حصر السلاح بيد الدولة وحدها، واستنادا للبيان الوزاري واستجابة للضغوط الداخلية الشعبية وللخارجية معاً، مع استمرار تذرع الحزب بوجود الاحتلال الإسرائيلي في بعض المواقع جنوباً، يترتب عنه استمرار حرب الاستنزاف التي تشنّها إسرائيل يومياً ضد مواقع الحزب وكوادره جنوباً وفي اي منطقة لبنانية اخرى، دون اي رادع او قدرة له، للتصدي لها ومواجهتها، كما حصل خلال الساعات الماضية، ما يؤدي إلى اهتزازات سياسية وامنية وابقاء لبنان رهينة هذا الواقع المترجرج، وانطلاقة مشروع الدولة متعثرًا.
اكثر من ذلك، امور كثيرة مرتبطة بنزع سلاح الحزب، لا يمكن اغفالها، واهمها مساعدة لبنان على حل الازمة المالية التي يتخبط فيها منذ سنوات ودعم النهوض الاقتصادي، والحصول على المساعدات المالية من الدول الشقيقة والصديقة، للمباشرة بعملية اعادة الاعمار وتمكين العائلات المتضررة من العودة إلى قراها ومناطقها.
هذا الواقع يضغط على الجميع، يضعف موقف الحزب، ويحتم عليه التعاون الطوعي مع الدولة اللبنانية لتسليم ما تبقَّى من سلاحه، خلافا لكل مواقف وتصريحات قادته ونوابه، التي باتت فارغة من مضمونها، مادام الحزب غير قادر للرد على استهداف إسرائيل لمواقعه وكوادره، وبعدما اصبح وجود السلاح لديه، لا يقدم او يؤخر في مجرى المواجهة مع إسرائيل، وباعتبار الدولة تبذل جهودها الحثيثة، لإيلاء مطالب الحزب، لسحب قوات الاحتلال الإسرائيلي من التلال الاستراتيجية جنوبا، اهتمامها الاقصى، وتسعى لاطلاق سراح اسرى الحزب لدى إسرائيل، والاهتمام بعملية اعادة اعمار ما هدمته الاعتدات الإسرائيلية على لبنان .
الوقت بات ضيقاً جداً، امام الدولة اللبنانية لتحزم امرها، لانهاء حال المراوحة واضاعة مزيد من الوقت سدى، واتخاذ القرار الصائب بنزع سلاح الحزب، لوقف حرب الاستنزاف الإسرائيلية ضد الحزب اولا، ولوقف تداعيات استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على مسار مشروع الدولة، واعادة النهوض العام، ولاثبات قدرتها وهيبتها على بسط سلطتها على كل الاراضي اللبنانية، وتنفيذ وعودها بحصر السلاح بيدها وحدها واظهار صدقيتها امام الشعب اللبناني والخارج، بعدم التهاون مع كل محاولات، ابقاء الحزب سلطة فوق الدولة، كما كان سائدا في السنوات الماضية.
ختامًا المعلومات تشير إلى أن المسؤولين أبلغوا الموفد الأميركي، أن الجيش اللبناني يقوم بتنفيذ مهماته في منطقة جنوب الليطاني على أكمل وجه، وأنه أحكم سيطرته على جميع مواقع حزب الله، إضافة إلى مصادرته كميات كبيرة من الأسلحة العائدة للحزب، في ظل تنسيق مستمر وعلى أعلى المستويات مع قوات يونيفيل، في وقت تواصل إسرائيل خرقها لاتفاق وقف إطلاق النار، باستهداف شبه يومي لمواطنين لبنانيين، بذريعة تهديد أمنها، دون أن تحرك واشنطن ساكناً لوقف الممارسات العدوانية الإسرائيلية. وطالبوا بموقف أميركي أكثر تشدداً حيال هذا الأمر . كما طالبوا بدور أفعل للجنة الخماسية الأمنية.