عادل العربي وبلال فلاح بين هوليود ومولينبيك
باريس- المعطي قبال
بعد عرضه الناجح بمهرجان كان الأخير، تستقبل الصالات الفرنسية ابتداء من اليوم فيلم «متمرد» من إخراج الثنائي البلجيكي من أصول مغربية، عادل العربي (بسكون الراء) وبلال فلاح. وقد استقبلت الصحافة الفرنسية الفيلم خلال عروض خاصة بتحاليل وتعاليق التنويه والمديح مشددة على جمالية فيلم يعالج قضية الإرهاب والعنف ببعد شاعري. كانت رغبة المخرجين منذ عام 2013 كتابة وإخراج موضوع هذا الفيلم غداة اندلاع الحرب بسوريا وبداية التحاق الشباب البلجيكي من أصول مغربية بداعش. إلا أن ظروفا خاصة حالت دون ذلك الشيء الذي مكنهما بدل ذلك من إنجاز مشاريع هوليودية أكسبتهما شهرة عالمية. مسار الثنائي شبيه بمسار بعض نجوم السينما الذين بدأوا من لا شيء ثم اعتلوا الشهرة عن استحقاق. غير أن عادل وبلال وهي التسمية التي يفضلانها، هما أصحاب خبرة سينمائية مميزة جعلت العديد من المنتجين الكبار يتقربون منهما بمقترحات لإنجاز أفلام موجهة للجمهور العريض. هكذا وبعد عرض فيلم «بلاك» بمهرجان تورونتو بكندا عام 2015، والذي نال إعجاب المخرج والمنتج جيري بروكهايمر، اقترح عليهما إنجاز الحلقة الرابعة من فيلم «شرطي من بيفرلي هيلز» من بطولة إيدي ميرفي. لكن المشروع لم ير النور. لتعويض هذه العثرة، اقترح عليهما بروكهايمر عام 2020 إخراج الحلقة الثالثة من فيلم «باد بوي فور لايف» (سيئا السمعة من أجل الحياة) والذي لقي نجاحا باهرا حيث سجلت مداخيله 425 مليون دولار. كيفين فايج هو أحد المسؤولين النافذين في شركة مارفيل وقد عبر عن إعجابه بالعمل الذي أنجزاه الشيء الذي قاده إلى أن يعهد لهما بإنجاز سلسلة «سيدة مارفيل» التي تدور حول بطلة فوق العادة، باكستانية ومسلمة. كما اشتغلا على إنجاز فيلم عن بطلة أخرى، باطمان بصيغة المثنى . إلا أن هذا المشروع بالرغم من تصويره، وبالرغم من الميزانية التي أنفقت عليه، 90 مليون دولار، أوقفته شركة وارنر بعد تعيين مديرها الجديد وذلك لأسباب اقتصادية. تعتبر هذه العثرات جزءا من المغامرة السينمائية. ما هو مؤكد هو أن عادل وبلال مخرجان بموهبة فائقة وأن هوليوود أصبحت في متناولهما حيث يشتغلان على مشاريع جديدة برعاية شركات إنتاج لها قدم بهوليود.
فيلم «متمرد» الذي يعرض ابتداء من اليوم وبمشاركة طاقم من الممثلين كلهم عرب وأغلبهم مغاربة: أبو بكر بن السايحي، لبنى أزابال، أمير العربي، طارة عبود، يونس بواب، هو تراجيديا عاشت حلقاتها الدامية وعلى المباشر كل من بلجيكا وفرنسا التي كانت مؤخرا مسرحا لـ «محاكمة القرن» والتي دامت 9 أشهر. تدور أحداث فيلم متمرد بين بلجيكا وسوريا. وقد تم تصوير الفيلم بين بلجيكا، اللوكسمبورغ والأردن، ما بين أبريل وغشت من عام 2021.
ويعرض علينا الفيلم طريقة سلب واستلاب لا تزال منتعشة في بعض الأوساط الاسلاموية وهي الدعاية وبالأخص دعاية تنظيم داعش ودعوتها للجهاد. إن كان الفيلم ساخرا بل قادحا في حق داعش فإنه لا يسقط في التنديد والمناهضة الرخيصة والمجانية، بل يوظف المخرجان موهبتهما لتفكيك فراغ وبؤس هذه الدعاية القائمة على إكراه المجندين بالقوة. يستعرض الفيلم قصة كمال، مغني راب شاب ينحدر من مولينبيك ببلجيكا التي «صدرت» العديد من الجهاديين والانتحاريين سواء إلى سوريا أو إلى فرنسا بغاية القتل والتفجيرات. يلتحق كمال بسوريا لمساعدة المدنيين في أحد ميادين المعركة. غير أن داعش تجنده بالقوة لتكلفه بالإشراف على الدعاية لصالحها! قبل بالمهمة لإنقاذ حياته. ويصبح بذلك حاملا لكاميرا يصور بها عمليات داعش. في هذه الأثناء بمولنبيك تحاول داعش تجنيد الأخ الأصغر لكمال، والبالغ من العمر 13 سنة. من عالم موسيقى الراب إلى عالم الدعاية لداعش ثمة هوة يعيشها كمال وسط أشخاص يكرهون الموسيقى ويحرمونها باسم الدين. يقربنا الفيلم من هذا المهوى الساحق الذي سقط فيه كمال. كما تطرح أيضا إشكالية الصورة واستعمالاتها من طرف الإرهابيين. في أشرطة الفيديو التي أنجزتها داعش اكتشفنا أن التنظيم يحظى بخبرة واحترافية في مجال التصوير. وهذا يذكرنا بما قام به النازيون على مستوى الدعاية افتخارا بالنظام الهتلري. في الفيلم ثمة عائلة تتداخل من حولها عدة حكايات. كما أن الفيلم شهادة عن جيل ينتمي له المخرجان. جيل بلجيكي من أصل مغربي ولد ببلجيكا ثم قرر في أحد الأيام أن يرحل إلى ميدان المعركة بسوريا للمشاركة في حرب لا تمت له بصلة. تحت نفوذ داعش تحولوا إلى إرهابيين وانتحاريين وهي ظاهرة غير مسبوقة. اشتغل المخرجان على هذه الحكاية أزيد من 8 سنوات باستجوابهم لأشخاص عملوا ضمن تنظيم داعش، مع أمهات فقدن أبناءهن، مع جنود حاربوا داعش.
بتقريبه للمتفرج من عالم الإرهاب العنيف والمميت، يمرر الفيلم في ذات الوقت تزاوجا بين الخوف، التراجيديا، والسخرية. لذا يبقى فيلم “ثائر” من أهم الوثائق التاريخية عن تنظيم داعش.