كيف حنط الحسن الثاني كلمة “أوباش”؟
اسماعيل طاهري
يعتبر تاريخ 22 يناير يوما حزينا في ذاكرة الشعب المغربي، لكونه يؤرخ لقمع مظاهرات 1984 وخطاب الأوباش، الذي ألقاه الملك الراحل الحسن الثاني بالمناسبة.
“الأوباش” الكلمة المفتاح التي نطق بها لسان (حال) الملك الراحل الحسن الثاني غاضبا وأخرجها من القاموس العادي ليحصر معناها الجديد في زاوية ضيقة.
حسب تعريف معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي لكلمة “أوباش” هو: سفلة القوم. وفي مصادر أخرى: أجلاف، رعاع، دهماء…
وفي اللغة الفرنسية لفظة apaches* قريبة معنى ومبنى من كلمة الأوباش.
أما في قاموس خطاب الحسن الثاني فتعني “الأوباش، الناظور، الحسيمة، تطوان، القصر الكبير، الأوباش، العاطلين اللي عايشين بالتهريب وبالسرقة، واستعملوا في مراكش كما هو الشأن عند جميع المشاغبين، استعملوا الدراري الصغار هوما الاولين زيدوهوم في المظاهرات)، (خطاب 22 يناير سنة 1984).
ومنذ هذا التاريخ من الصعب العثور كلمة الأوباش في سرديات أخرى. وكلما صادف أحد المغاربة هذه الكلمة إلا وتذكر على الفور الخطاب التاريخي للحسن الثاني.
لقد حنط الخطاب كلمة الأوباش وجمد معناها في القاموس. ولم تعد تعني سوى “المشاركين في مظاهرات ضد الفقر والتهميش بمدن مراكش، الناظور، الحسيمة، والقصر الكبير سنة 1984”.
لذلك لم تعد هذه الكلمة مستعملة كثيرا في الصحافة المغربية أو في الكتب والمقررات الدراسية، وباتت نادرة الاستعمال في الأعمال الأدبية والفنية. وفي النهاية فقد صارت معتقلة في بارود وقاموس وحيثيات سرديات أحداث 1984 في خضم سنوات الرصاص. فأغلبية المثقفين تتفادى استعمالها ليتفادوا بطش السلطة. لكن المعارضين السياسيين يوظفونها نكاية في حكم الحسن الثاني وعهده.
ومن جهة أخرى تستعمل لفظة “الأوباش” في الكلام الدارج كسبة في وجه سكان شمال المغرب أساسا.
وهذه الكلمة ظلت على مدى عقود تمثل جرحا عميقا في نفوس المغاربة خصوصا في شمال المملكة.
لقد عشت أكثر من عقدين من عمري في مختلف مدن الشمال المغربي، وخالطت الأهالي من مختلف الطبقات، وعرفت عن قرب حجم الجرح الغائر التي تسببت فيه هذه الكلمة في نفوس أهالي المنطقة. لدرجة أضحى في بعض الاحيان ممارسة التهريب وزراعة الحشيش والمتاجرة في الممنوعات والمخدرات نوعا من التمرد والاحتجاج على السلطة (المخزن). بل صارت وسيلة للدفاع عن النفس أمام تهميش المنطقة الشمالية طيلة عهد الحسن الثاني. وبات كل خروج عن القانون، ولو بارتكاب جرائم الحق العام، مبررا ويحمل شحنة سياسية انتقاما من التهميش والإقصاء والجريرة دائما هي: “خطاب الأوباش”.
والمصالحة مع الشمال التي سوقها عهد الملك محمد السادس، والتي قطعت أشواطا مهمة، كانت تقتضي تقديم اعتذار رسمي على أحداث 1984 وغيرها من الانتهاكات، حتى تطمئن النفوس، وتهمد الأحقاد وتعود المياه الى مجاريها. وبالتالي تعود كلمة الأوباش إلى معناها التقريري المتداول في معاجم اللغة العربية.
ولكن، ويا للأسف الشديد، ففد تواطأت “هيئة الإنصاف والمصالحة” للالتفاف على توصية الاعتذار، (اعتذار الدولة للضحايا وعائلاتهم ومعهم الشعب المغربي)، واكتفت بالتعويضات المالية للضحايا، ولم يعد وريث الهيئة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يمتلك شجاعة حتى الحديث عن هذه التوصية ومصيرها المجهول.
ولازالت أرواح ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان تحت الثرى وفوقه في المغرب وخارجه تنتظر -غودو- الذي قد يأتي ولا يأتي. لتتحرر الذاكرة الجماعية من كوابيس الماضي الأليم وتتحرر معها كلمة الأوباش من وزر هذا الماضي المأساوي.
39 سنة، إذن، على “خطاب الأوباش”، ولم تزح الذاكرة الجماعية عن هذه الكامة – المفتاح. وتستمر المعاناة اليوم فنشطاء حراك الريف لازالوا في السجن، وكان ذنبهم أنهم رفعوا شعارات في 2017 يمكن اختزالها في “نحن لسنا أوباش”. نحن مواطنون، كاملي الأهلية، نحلم بمدرسة وملعب وجامعة ومستشفى ودار ثقافة ومعمل لإنتاج الثروة المادية واللامادية.
*Les Apaches forment un peuple amérindien vivant dans le sud-ouest des États-Unis. Ajourd’hui les Apaches sont des éleveurs de bétail.
(https://fr.vikidia.org/wiki/Apaches)