صقور الصّهيونية
سعيد بوخليط
أفرزت الآلة الصّهيونية التّوتاليتارية الهمجية على امتداد تاريخها، زمرة سياسيين وعسكريين متطرِّفين للغاية،بل إنَّ منظومتها الإيديولوجية بصدد تقليص دائم ومستمِرٍّ لمجال أنصار العلمانية والدولة الحديثة وقيم التمدّن والتّعايش، مقابل توسُّع وتوطُّد قاعدة التطرُّف العقائدي؛ لاسيما اللاّهوتي المؤمن بالعنف، فقد استلهم أغلبهم النّصوص التوراتية، الدَّاعية إلى ترسيخ دولة إسرائيلية ”نقيَّة” تماما من شوائب باقي الأجناس والعقائد الأخرى غير اليهودية، يسكنها فقط شعب مختار ومميّز دون العالمين بوعد إلهي حتميّ.
يضمر أصحاب هذه النّظرة الأصولية جملة وتفصيلا، استعدادا منقطع النّظير بغية إحراق العالم بأكمله والإتيان على نهاية الجميع، في سبيل تحقيق وتجسيد المشروع ”الإلهي”، كما الحال طبعا بالنسبة لجلِّ متطرِّفي الديانات الأخرى.
دافيد بن غوريون، غولدا مائير، موشي ديان، مناحيم بيغن، إسحاق شامير، إسحاق رابين، شيمون بيريز، أرييل شارون.. مرورا بليفي أشكول، إيغال آلون، عُتاة الجيل العقائدي الأوّل للحركة الصّهيونية، الذين استماتوا بكل الوسائل من أجل إقامة وطن لشعب اليهود حربا و سِلما، قوّة وحيلة، جبرا واختيارا..، استندوا فقط في سبيل هدفهم الكبير على مرجعية قومية عتيدة، وحسّ وطني حقيقي حسب تصوُّرهم طبعا، وإرادة فولاذية، وذكاء استراتجي بعيد المدى، قياسا لمحيط عربي، غنيّ على جميع المستويات المادية والبشرية، لكنه ظلّ مفتقرا رسميا لمرجعية شاملة، أو إرادة بخصوص الحاضر، أو استراتجية تؤسّس لمرتكزات المستقبل.
عموما، حين التطرُّق إلى إشكالية هذا الموضوع، والانتقال آليا نحو إعادة الحديث عن اللّحظات المفصلية لتشكُّل متواليات الدولة العبرية منذ النّكبة، يبرز التّمييز الأساسي بين جيل الآباء المؤسِّسِين، فريق الصقور الذي أرست عناصره فعليا اللّبنات واختبر رموزه بكيفية شخصية وعلى أرض الواقع عسكريا، سياسيا، مخابراتيا، إيديولوجيا، حيثيات الصّراع التاريخي مع الفلسطينيين والعرب. بينما، تمثِّل حقبة وصول بنيامين نتنياهو إلى سدَّة الحكم يوم 18 يونيو 1996، نهاية سياق تلك الحقبة وبداية تبلور توجُّهات جيل جديد لا يختلف حقيقة عن سابقه تعصُّبا ودموية وحقدا، بل فقط خاصية الانتماء إلى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، واختبار هول المعارك على أرض الواقع؛ مثلما جرى الأمر مع الجيل المؤسّس:
*بن غوريون (1886-1973):
‘‘لو كنت زعيمًا عربيًا لن أوقّع اتّفاقًا مع إسرائيل أبدا. إنّه أمر طبيعي: لقد أخذنا بلدهم. صحيح أنّ الله وعدنا به ولكن في ماذا يمكن أن يهمّهم ذلك؟ ربُّنا ليس ربُّهم. كانت هناك معاداة للسامية، والنازيون، وهتلر، وأوشفيتز، ولكن في ماذا يمكن أن يعنيهم ذلك؟ هم لا يرون إلا شيئًا واحدًا فقط: هو أنّنا جئنا وأخذنا بلدهم. فلماذا يقبلون هذا الأمر؟”.
ولد في مدينة بلونسك البولندية. اعتُبر لدى الإسرائيليين، بمثابة الرّجل المناسب في الوقت المناسب، لأنّه زعيمهم التّاريخي الأول، الذي تمكّن من تثبيت أولى لبنات كيانهم.
هاجر عام 1906، نحو فلسطين. شارك في العمل المسلّح، عندما تعاونت عصابته المسلّحة المعروفة بتسمية الهاغاناه مع الإرغون التي تزعّم مناحيم بيغن عملياتها الإرهابية.
حين الإعلان عن قيام دولة إسرائيل، يوم 14 مايو 1948، وصار بن غوريون رئيسا للوزراء وكذا وزيرا للدفاع، أصدر قرارا دعا إلى حلِّ جميع التّنظيمات المسلّحة، في أفق تأسيس جيش وطني.
خلال حقبة رئاسته، تضاعفت أعداد سكّان الدولة، نتيجة تشجيعه على الهجرة صوب إسرائيل، وتحفيزه أبناء جلدته على التّوالد والتّناسل، بل خصّص جائزة للمرأة التي تنجب عشرة أطفال.
دأب بن غوريون على وضع مشاريع مستعجلة قصد بناء تجمّعات سكّانية، وتوفير الموارد المادّية، من أجل استيعاب القادمين الجدد. كما أجبر ألمانيا على توقيع اتفاقية، تعوّض بموجبها اليهود، عن مالحق بهم من أضرار خلال الفترة النازية. وحَّدَ المنظومة التعليمية تحت سقف قانون تعليمي قومي، كما أرسى أولى لبنات البرنامج النووي الإسرائيلي، حينما شَكّل سنة 1952 لجنة الطاقة الذريّة، التي بادرت إلى تشييد مجمّع البحث النووي في صحراء النّقب.
*غولدا مائير (1898-1978):
”أتمنّى أن أصحو كل صباح، ولا أجد طفلا فلسطينيا واحدا على قيد الحياة”.
ولدت في روسيا، وتوفّيت بعد بلوغها سنِّ الثّمانين. هاجرت إلى أمريكا عام 1906، انضمّت هناك إلى صفوف إحدى الجماعات الصهيونية، وتزوّجت من موريس ميرسون، أحد أبرز أعضاء التنظيم، الذي أقنعته بفضل شخصيتها الصلبة، كي يغادر أمريكا إلى فلسطين.
وصفها بن غوريون، بكونها الرّجل الوحيد، ضمن أعضاء الحكومة. مثلما، حازت على لقبي “أمّ إسرائيل الحديثة” و”المرأة الرّجل”.
تولّت مسؤولية وزارة الخارجية بعد حرب 1948، ثم رئاسة الوزراء خلال الحقبة الممتدّة بين سنوات (1969– 1974).
كادت غولدا مائير، أن تقدم على الانتحار بسبب هزيمة حرب أكتوبر 1973 العجوز، التي تعاني آنذاك من تداعيات مرض سرطان الدّم، لم يمنعها وضعها الصحّي، إبّان تدبيرها حيثيات سياق المواجهة مع الجيش المصري كي تدخّن تسعين سيجارة يوميا وارتشافها عشرات أكواب القهوة السوداء، مع النّوم لساعات قليلة فقط.
*مناحيم بيغن (1913-1992):
”الفلسطينيون، وحوش تمشي على قدمين”.
ولد في روسيا البيضاء. اكتشف أدبيات العمل الصهيوني، من خلال منظمّة بيتار اليهودية البولندية التي ترأسّها عام 1939. قُتل، جميع أفراد أسرته في المحرقة النازية.
كان من مؤسّسي عصابة الإرغون الإرهابية التي جعلت يوميات حياة الفلسطينيين جحيما أرضيا، بحيث اقترفت عناصرها أبشع المذابح، لعلّ أشهرها مذبحة قرية دير ياسين.
بعد إعلان إسرائيل دولة، توجه بيغن إلى العمل السياسي، فانتُخب عضوا في الكنيست سنة 1949 وزعيما لحزب الليكود سنة 1973، ثم رئيسا للوزراء خلال الحقبة الممتدّة بين سنوات (1977– 1983)، فكان عرّاب اتّفاقية كامب ديفيد مع المصريين.
سنة 1981، أعطى أوامره بضرب المفاعل النووي العراقي ”تموز”، سنة 1982، غزو لبنان.
آمن بيغن صميما، بأنّ عبرة المحرقة النازية، تلزم الشعب اليهودي بالدّفاع عن نفسه، كي يحصن وجوده ضد أيّ تهديد جديد.
* موشي ديان (1915-1981):
”العرب لايقرأون،وإذا قرؤوا لايفهمون،وإذا فهموا لايفعلون”.
ولد في مستوطنة ديجانيا بفلسطين، لأبوين يهودين قدما من أوكرانيا.
بدأ حياته عضوا في منظمة هاغانا الإجرامية، وسرعان ما أصبح نائبا لقائد “فصائل الميدان”، التي تخصَّصت في الهجوم المفاجئ على الفلسطينيين. ابتدع ديان آنذاك طريقة سماها بـ(البرج والسور)، بحيث تستولي مجموعته على قطعة من الأرض ليلا، وينشئ فوقها برجا للمراقبة ثم تنصّب بعض الخيام وتحفر حولها الخنادق.
شارك في معظم الحروب العربية الإسرائلية، لكنه ذاع صيته أكثر لحظة حرب 1967، وقد كان وقتها وزيرا للدفاع.
اشتهر لدى العموم، بالعَصَابة السّوداء الموضوعة على عينه اليسرى التي فقدها في خضمّ إحدى عملياته العسكرية داخل لبنان سنة 1941، صورة تحيل من الوهلة الأولى على زعيم من القراصنة. لم يفوّت أيّ فرصة، كي يدلي بتصريحات ساخرة من العرب، جازما بأنّهم يعيشون في كنف عالم زاخر بالأوهام :”يميل العرب إلى خداع أنفسهم وغيرهم،وهم يقومون بذلك عن غير عمد.إنّهم يعيشون في عالم من الأوهام كالذي يتعاطى الحشيش ليوهم نفسه بأنّه يعيش في الفردوس. يميل العرب إلى التحدّث عن أمجاد الأجداد مثل صلاح الدين ومعارك حطين واليرموك.. وحينما يفعلون ذلك فإنّنا نبتسم لأنهم يرون أنفسهم في مرآة الماضي، أما نحن فإنّنا نراهم في مرآة الحاضر”.
استقال موشي ديان من الحكومة إلى جانب مائير، رئيسة الوزراء، بعد هزيمة حرب رمضان. لكنه، ارتقى ثانية صوب هرم الدولة، حينما اختاره مناحيم بيغن عام1977، كي يشرف على الدبلوماسية، فحقّق لبلده انتصارا ثانيا، من نفس حجم حرب الستّة أيام، بحيث أشرف على مفاوضات كامب ديفيد انطلاقا من موقعه الجديد كوزير للخارجية.
أصيب ديان بسرطان القولون، وتوفيّ عن عمر قارب الرّابعة والسّبعين.
*إسحاق رابين (1922 -1995):
”كسّروا عظام المتظاهرين الفلسطينيين”.
ولد في القدس من أبوين غادرا روسيا صوب الولايات المتحدة الأمريكية.
اغتيل يوم 4 نوفمبر 1995، برصاصة إسرائيلي آخر أكثر تطرّفا منه، يدعى إيجال أمير، أثناء مهرجان خطابي مؤيّد للسّلام وسط مدينة تل أبيب. تقول، أحاديث في هذا الإطار، بأنّ أجهزة الموساد كانت على دراية بمخطّط الاغتيال؟
انضمّ رابين سنة 1941، إلى صفوف عصابة الهاغانا، وصار بعد ذلك من كبار قادتها.
تقلّد خلال حرب 1967، منصب رئيس الأركان، ثم تقاعد في السنة الموالية من الخدمة العسكرية، كي يتحوّل نحو الوجهة الدبلوماسية؛ تحديدا منصب سفير إسرائيل في واشنطن. بعدها، تولّى مسؤولية رئيس للوزراء ما بين (1974–1977)، ثم مرّة ثانية سنة .1992
صدح بيريز بفكرته الداعية، إلى جدار عازل يفضي حتما نحو: ” إخراج غزة من تل أبيب”.
*شيمون بيريز (1923- 2016):
”دولة إسرائيل الديمقراطية القائمة وسط كيانات تحكمها نظم ديكتاتورية،الغنيّة وسط جيران من الجهلة،المتقدّمة تقنيا وسط مجموعة من أهل الكهف”.
ينحدر من بولندا، ثم رحل إلى فلسطين في سنّ الحادية عشر، صحبة عائلته.
يعتبر، آخر ممثّلي جيل الآباء المؤسّسين وقيدوم السّياسيين الإسرائيليين، فقد أجمع الرّأي العام على كونه بقي متمتّعا بالحيويّة والنّشاط غاية رحيله يوم 28 سبتمبر 2016.
يحكى، بأنّ إعجاب بن غوريون، انصبّ أساسا على شخصيتي شيمون بيريز وأرييل شارون. الأوّل، بسبب نظرته السياسية الثّاقبة. أما الثّاني، فنظرا لما يملكه من مواهب أمنية وقوّة شخصيته.
انتُخب عام 1943، سكرتيرا لحركة الشّبيبة التّابعة لتيار الصهيونية العمالية. التحق أواخر الأربعينات بعصابة الهاغانا، وإشرافه على تطوير الطاقات البشرية والأسلحة، ثم قائدا للقوات البحرية خلال حرب 1948.
عمل شيمون بيريس دبلوماسيا في وزارة الدفاع سنوات الخمسينات والستينات، فاتّجهت مهمّته نحو جمع السّلاح الضّروري لدولة إسرائيل الحديثة. هكذا، نجح في الحصول على المقاتلة ”ميراج3” من الحكومة الفرنسية، وبناء مفاعل ديمومة النووي. تعاونه العسكري مع باريس، شكّل تمهيدا للهجوم على مصر في إطار ماعرف تاريخيا بالعدوان الثّلاثي.
عقب هزيمة حرب 1973، لعب بيريس دورا حاسما بخصوص إعادة تفعيل قواعد الأمن الإسرائيلي، ثم وزارة الدّفاع، سعى كذلك إلى إحياء الجيش وتعزيز منظومته. تولّى تدبير شؤون وزارات الخارجية والإعلام والمواصلات والاندماج وكذا رئاسة الوزراء ما بين سنتي (1984–1986)، التي عاد إليها ثانية عقب اغتيال رابين. انتخبه الكنيست، يوم 13 يونيو 2007 كي يصبح الرّئيس التاسع في تاريخ إسرائيل.
أيضا، خَبِر بيريز تفاصيل عمل المخابرات، فقد كان ضابطا في الموساد، مكلّفا بتدريب الجاسوس المصري أحمد الهوان المشهور بـ”جمعة الشوان” سنة (1976–1977). أما من النّاحية العلمية، فله اهتمام خاص بمجال الاليكترونيات الدقيقة.
*أرييل شارون (1928 -2014):
“لاأعرف شيئا اسمه مبادئ دولية.أتعهّد بأن أحرق كلّ طفل فلسطيني، يولد في المنطقة، المرأة الفلسطينية والطفل، أخطر من وجود الرجل، لأنّ وجود الطفل الفلسطيني، يعني أنّ أجيالا منهم ستستمرّ”.
جسّد اسم أرييل شارون رمزا تاريخيا للدّولة العبرية، فقد كرّس حياته منذ سنّ الرابعة عشر بانخراطه في صفوف عصابات الهاغانا، من أجل ترسيخ هياكل مشروع المنظومة الصهيونية.
شارون رجل عسكري بامتياز، ينحدر من أب بولوني وأمّ روسية وما يعكسه ذلك ربّما من جينات الصلابة، لم يعرف خلال مساره سوى خيار الحرب ورفضه تماما جلّ مقتضيات السّلام أو مجرّد الإحالة عليها؛ يكفي استعادة مشاهد شارون، وهو يقود جيشه على الجبهة المصرية خلال حرب 1973، كي يتّضح بجلاء النّزوع العسكري الخالص عند هذا الجنرال. يقول بهذا الخصوص: ”لا يمكن لأحد أن يلقي عليّ محاضرة بشأن الحاجة للسّلام، أنا الشخص الذي خاض كل المعارك، لذلك فأنا الشخص الذي بإمكانه أن يمنع اندلاع الحرب”. حجّة إقراره، ما ثبت أن التقى حاكما عربيا، أو أصدر إشارة تضمر إمكانية التلميح إلى رغبة من هذا القبيل.
خاطبه بن غوريون وقد تشكّلت بالكاد خطوات مساره السياسي، بالعبارة التالية: ”لاتقرأ يا أرييل، فأنت لا تصلح إلاّ للقتل، ونحن نريد قتلة أكثر من مثقَّفين”. وفعلا حقّق النُّبوءة: مجزرة بلدة قبية (1953)، قتل وتعذيب الأسرى المصريين (1967)، اجتياح بيروت (1982)، مجزرة صبرا وشاتيلا (1982)، مذبحة جنين (2002)، عملية السور الواقي، اغتياله لكثير من القادة الفلسطينيين…
شارون صاحب ألقاب ”البلدوزر” (الجرّافة)، الدبّابة، دراكولا، السفّاح، قاتل الأطفال، شارك في مجمل الحروب الإسرائيلية، مرسِّخا حضوره العسكري مع كل مواجهة. سنّ مبدأ عنصر الرّدع ضدّ الفلسطينيين، الذي يحكمه وازع واحد نعته شارون بـ”بدون عواطف”.
في هذا السياق، يعتبر في طليعة سياسيي الدولة العبرية ولعا باستفزاز الشعب الفلسطيني، بحيث أسرع سنة 1994، إلى استئجار منزل يتواجد في البلدة القديمة من القدس الشرقية والسكن فيه، فقط عنادا.
تحكي شهادة الصحفي “أوري دان” صديق شارون الشخصي ومستشاره، بأّنّه كان يبدي تقزُّزا وامتعاضا حين رؤيته الزعماء العرب على شاشة التّلفاز، لكنّه سرعان ما يتراجع مبتسما، نتيجة اقتناعه في نهاية المطاف بأنّ استمرار تلك الديكتاتوريات والأنظمة الشمولية على امتداد الجغرافية المحيطة بإسرائيل يعتبر معطى جوهريا لاستمرارها.
*تسيفي ليفني (1958- ):
” نعم قَتلتُ ومارست الجنس من أجل إسرائيل”.
حسناء الموساد، أو غولدا مائير بصيغة أخرى، الشقراء التي تتباهى بأنّها قدّمت جسدها غير ما مرّة، ليس بهدف تحقيقها متعة عابرة، لكن من أجل غايات قومية تخدم وجود إسرائيل، بعد أن زكّت الوسيلة، فتوى أصدرها أحد أكبر الحاخامات: ”نعم، ممارسة الجنس مع الأعداء، مقابل الظفر بمعلومات ثمينة”.
تنحدر من أسرة تمتهن القتل، والدها “إيتيان ليفني” أحد رموز مذبحة دير ياسين، والقائد السابق لشعبة العمليات في المنظمة الإرهابية “أتسل”، التي كان يقودها مناحيم بيغن. أما والدتها “سارة”، فقد عملت مع عصابة للسّطو المسلّح، أشرفت على خليّة لمنظمة الإرغون المتطرّفة بزعامة بيغن دائما.
التحقت تسيفي ليفني بالخدمة العسكرية الإلزامية في معهد تأهيل الضّابطات، وحصلت على رتبة ملازم أول. اشتغلت، لصالح الموساد في أوروبا، لاسيما فرنسا، سنوات (1980–1984)، وتركَّزت مهمّتها الأولى على السّعي إلى اغتيال مجموعة من القادة الفلسطينيين. وظيفة، طبعتها السرّية المطلقة. تقول: ”لقد نجحت في إخفاء الأمر حتى عن أفراد أسرتي، إذ لم أستطع إخبار والدي بالأمر عندما جاء لزيارتي في باريس، وتساءل حينها عن سبب تبذيري للوقت دون عمل في أوروبا”.
تمكّنت فعلا من إنجاز مهمّتها، في إطار وحدة النخبة، وفق أساليب أقرب إلى أدوار سينمائية. إضافة إلى الإغراء الجسدي، تقمّصت شخصية خادمة في البيوت تحت أسماء مستعارة. أكملت دراساتها القانونية وامتهنت المحاماة. ارتقت بسرعة مدارج الحياة السياسية والحزبية، رغم تأخّرها في الولوج إلى الميدان. وضع، فسّره المراقبون بالثّقة التي حظيت بها من طرف شارون.
انتخبت أوّل مرة عضوا في الكنيست عام 1999، ثم وزيرة التعاون الإقليمي والزراعة سنة 2001، وتسلّمت وزارة الخارجية في عهد رئيس الوزراء شارون عام 2005.
*يهود باراك (1942- ):
”القدس هي العاصمة الأبدية لإسرائيل، ستبقى موحّدة تحت السيادة الإسرائيلية ولن تقسّم أبدا”.
باراك عسكريّ متخصِّص في الكوماندوز الخارجي. أصدر أوامره شهر مايو 2000، كي ينسحب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان. قرار، فسّره الجميع بمثابة إعلان عن الهزيمة أمام ضربات المقاومة. المفارقة، أن صاحب التوقيع باعتباره المسؤول، وقتها عن وزارة الدّفاع، لم يكن سوى يهود باراك المتوّج بأكبر عدد من أوسمة الجيش تثمينا لشجاعته وتفوّقه الميداني.
انضمّ إلى جهاز الجيش سنة 1959، شارك في حروب 1956،1967،1973،ثم توّج سيرته العسكرية بالحصول على درجة عميد، وهي أعلى مرتبة، داخل المؤسّسة العسكرية الإسرائيلية. اشتهر بمشاركته في قتل المناضلة الفلسطينية دلال المغربي والتنكيل بجثتها، لكن ذاع صيته أكثر، بداية سنوات السّبعينات، نتيجة قيادته لمجموعات عمليات كوماندوز خارج إسرائيل، في طليعتها تصفيته الجسدية للرجل الثاني في حركة فتح، أبو جهاد، على الأراضي التونسية.
* أفيغادور ليبرمان (1958- ): ”في حالة نشوب حرب بين مصر وإسرائيل، على إسرائيل أن تفجر السدّ العالي وتغرق بالمياه، بحيرة ناصر”.
ولد أفيغادور ليبرمان، في مولدافيا إحدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقا. هاجر إلى إسرائيل سنة 1978، تعلّم العبرية وخدم في الجيش لعدّة أشهر.
سنة 1988، بدأت أولى علاقاته السياسية مع بنيامين نتنياهو، حينما صار عضوا في الكنيست ضمن قائمة الليكود.ثم عيّنه مديرا عاما لديوانه بعد فوز نتنياهو برئاسة الحكومة سنة 1996 .
يوم 3يناير1999، دعا إلى مؤتمر صحفي معلنا عن تأسيسه حزب “إسرائيل بيتنا”.
أنهى ليبرمان وزير الخارجية، تحالفه مع نتنياهو، شهر مايو 2015، بسبب عدم صرامة الأخير، حسب تقديره في ردع حماس وفصائل المقاومة المتمركِزة داخل غزة. جاء الإعلان بعد أيّام من الخلافات الحادّة بين الطرفين.
تطلّع ليبرمان حينها صوب عملية عسكرية واسعة النّطاق تدمّر تماما البنية التّحتية، بل وإعادة احتلال القطاع. بينما، تمثّل هدف نتنياهو في توجيه ضربات محدودة. تبادلا الشّتائم، بحيث طالب نتنياهو من ليبرمان، التزام الصّمت نهائيا لأنّ قضية غزة ليست من شأن ليبرمان، فأجابه الثاني، بأنّه شخص جبان وصاحب كلمات وخطب لا أفعال.
إذن، حيثيات استراتجية غزة، دفعت خلال تلك الحقبة ليبرمان زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” كي يعلن إنهاء تحالفه مع الليكود بزعامة نتنياهو.
* بنيامين نتنياهو (1949- ):
”العرب لا يفهمون سوى لغة القوّة”.
يستعيد بنيامين نتنياهو، نفس مرجعيتي شارون وغولدا مائير، شخص متعصّب للغاية، يعرف بتعجرفه وتعاليه، مهووس بشوفينية عنصرية، تجعل إسرائيل واليهود المطلق الأسمى، وغيرهما لا يرتقي حتى لمرتبة العدم.
وُلد في تل أبيب من أب بولندي وأمّ أمريكية. اتّجه تفكيره بداية إلى عالم رجال الأعمال، عندما حصل على شهادة في المعمار وأخرى في إدارة الأعمال، من معهد ماساتشوستس، لكن رغبته في الانتقام من موت أخيه الأكبر أثناء عملية تحرير ركّاب طائرة من أيدي فدائيين فلسطينيين، دفعته كي يسرع بالعودة إلى إسرائيل، بالضبط صوب وحدات الكوماندوز العسكرية تحت إمرة يهود باراك.
بعد توليه رئاسة حزب الليكود عام 1993، انتخب لمنصب رئيس الوزراء خلال الفترة ما بين (1996–1999). قبل ذلك، كان مندوبا لاسرائيل في الأمم المتحدة (1984–1988)، وعضوا ضمن وفد مفاوضات مؤتمر مدريد سنة (1991).
فاوض ياسر عرفات خلال لقاءات”واي ريفير”، انطلاقا من قناعة واحدة ووحيدة تحيل على الرُّؤية الصهيونية الجازمة بأحقّية اليهود المطلقة في “أرض إسرائيل التاريخية”، دون توقّفه عن ترديد شعار انتصار إسرائيل خلال كل حروبها ضد العرب.
من جهتهم، يستمر أعضاء اليسار الإسرائيلي، والجماعة الليبرالية، في تحويل نتنياهو إلى موضوع لنكتهم وسخرياتهم: المراوغ المحتال، الذي يتّجه بإسرائيل غاية الكارثة، إنّه ليس برئيس وزراء حقيقي، بل يشبهه أو يكاد يقترب..
اعتُبر حين نجاحه في الانتخابات أصغر رئيس حكومة في تاريخ إسرائيل، لكنّه بعد عقود أضحى راهنا أكبر مجرم حرب أنجبه سياق التاريخ السياسي المعاصر وبشهادة وتوثيق أنظار الإنسانية قاطبة، يقتل مثلما يأكل، يتنفّس القتل، صنم من الشرّ، بحيث أزال جغرافية غزة عن بكرة أبيها من الخريطة الأرضية، واختبر فوق رؤوس أطفالها وشيوخها ونسائها ومرضاها وضعفائها وكادحيها، مختلف أنواع وأصناف أسلحة الشرّ البشري الخالص، دون هوادة، كأنّه فقط يستمتع ويتسلّى صحبة أطفاله بألعاب إلكترونية صبيحة يوم مشمس بجانب الشاطئ.
غزة اليوم، مجرّد أطلال وأكوام هائلة من التّراب تحتاج إزالتها إلى فترة زمنية تقارب خمسة عشر سنة، فما بالك بإعادة البناء والتّأهيل العمراني والإنساني.
تقول بعض أرقام آخر تقارير احتفال نتنياهو وفريقه بالموت، بعد إلقاء 200 ألف طن من المتفجِّرات على القطاع طيلة 730 يوما من الإبادة الشاملة. أرقام فلكية حقيقة يستحيل على عقل بشري سليم ومتوازن استيعابها:
*كابد أكثر من مليوني نسمة الإبادة والتّجويع والتّطهير العرقي.
*بلغت نسبة الدمار 90%، ما يقارب 70مليار دولار.
*قارب عدد الضحايا والمفقودين 76 ألفا؛ بينهم 9500 مفقود لايزال مصيرهم مجهولًا؛ ويبلغ عدد المصابين 169 ألفا و583 شخصا من بينهم 4800 حالة بتر؛ و1200 حالة شلل.
* ناهزت نسبة ضحايا الأطفال والنساء والشيوخ رقم 55% ؛ أكثر من 20 ألف طفل؛ و 12.500 امرأة.
*بلغ مجموع أيتام الحرب 56348، و2,142 مليون حالة أصيبت بأمراض معدية مختلفة نتيجة النّزوح، فيما أصيب أكثر من 71.338 فلسطينياً بمرض الكبد الوبائي.
*إبادة كاملة ل 2700 أسرة ومُسِحَت أسماؤها تماما.
*أكثر من 12 ألف حالة إجهاض بسبب نقص الغذاء والرعاية الصحية.
*وفاة 460 شخصًا جوعا وسوء التغذية في ظلّ استمرار الحصار ونقص الإمدادات الإنسانية.
*إغلاق تامّ لجميع معابر غزة طيلة 220 يوم.
*تدمير 94% من الأراضي الصالحة للزراعة.
*تدمير 95% من المدارس…
*إيتمار بن غفير (1976- ):
”على رئيس الحكومة إعطاء أوامر بسحق حماس حتى النهاية فلا نملك فائضا من الجنود لنخسرهم في صفقات متساهلة ”.
يعدُّ إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي الحالي، أحد الأسماء المنتمية لمنظومة الجيل الثاني بجانب نتنياهو وآخرين. هذا الشخص، الزّاخر كراهية وعدوانية وحقدا بكيفية لا توصف على غير اليهود، ليس متطّرِفا صدفة أو ادِّعاء أو فقط لمجرد الاستهلاك السياسي، بل يعكس حالة وجودية مكتملة وقائمة الذات منذ أولى سنوات طفولته وشبابه.
ولد بن غفير يوم 6 مايو 1976 في القدس من أبوين يهوديين شرقيين المعروفين بتسمية السيفارديم، عراقيَيْن من أصول كردية، انتمت أمُّه إلى حركة صهيونية تسمى ”إيتسيل”، تأسَّست عام 1931 قصد استهداف الفلسطينيين بالقوة. حينما بلغ سن الثانية عشر، صار متديِّنا بشكل كامل أو ”تائِبٍ” وفق التقاليد اليهودية، ملتزما كليا بالطقوس الدينية، بحيث شكَّلت التوراة منذئذ مرجعيته الفكرية الوحيدة.
خلال تلك الحقبة، دأب على زيارة مدرسة الفكر اليهودية، بزعامة الحاخام الشهير مائير كاهانا رائد حركة ”كاخ” الإرهابية، قصد دراسة التعاليم الدينية التي صاغها كاهانا وتأمُّل مضامين التوراة، ثم انضمّ بكيفية رسمية عند بلوغه السادسة عشر إلى تلك الجماعة الدينية العدمية بالمطلق، وممارسته بكل أريحية أنشطته المتطرّفة غاية أن أدرك مرتبة مسؤول أول عن شبيبتها. هكذا، ترسَّخت مقتضيات الصهيونية الدينية لدى بن غفير، مستلهما نموذج الحاخام، وفق حدَّي: النصّ التوراتي، وسلاح البندقية.
دعا كاهانا (1932-1990)، أستاذه المباشر، إلى التخلُّص من كلِّ العرب المتواجدين على الأراضي الإسرائيلية، بأسلوبي السياسة أو العنف، معتبرا غير اليهود أعداء حقيقيين يلزم طردهم. في المقابل، ينبغي على جلِّ يهود العالم الرحيل صوب فلسطين. رفض مفهوم الديمقراطية، رغم أنَّ بدايته السياسية تحقَّقت بفضل فوزه بمقعد في الكنيست عام 1984، واختزلها إلى مجرد آلية تناسب أفق من جهلوا كنه نصوص التوراة التي انطوت على أوامر إلهية تدعو إلى سيادة اليهود.
صنَّفت تعاليم كاهانا بنية العالم حسب تراتبية عنصرية، تتسامى بالعرق اليهودي غاية درجة مقدَّسة، يمنحه إحساسا نفسيا بالتفوق؛ من ثمَّة حقّه كي يرفض العيش مع غير اليهودي.
إذن، منذ الصغر، أظهر بن غفير عداء جذريا نحو الفلسطينيين والعرب، بحيث انخرط في تظاهرات يمينية بين صفوف حزب ”موليدت” الصهيوني المتطرّف بزعامة الجنرال رحيعام رئيفي، ولم يتجاوز سنّ الرابعة عشر ثم اكتسب أولى معالم الشّهرة عندما سرق إشارة سيارة إسحاق رابين، ملوِّحا بها عاليا أمام كاميرات الصحفيين ومردِّدا العبارة التالية: ”لقد وصلنا إلى سيارته مثلما نستطيع أيضا الوصول إليه”. فقد أعلن بن غفير رفضه المبدئي لتوقيع رابين اتفاقية أسلو عام 1993، مع ياسر عرفات قصد إنهاء سنوات النّزاع. لم تذهب صرخة بن غفير سدى، بحيث اغتيل رابين يوم 4 نوفمبر 1995، على يد يهودي متطرّف، ثم قاد حملة قصد إخلاء سبيله وإخراجه من السجن.
أيضا، ضمن نفس المنحى، أقام بن غفير احتفالات ووزَّع الهدايا، حينما انهزم شارون أمام غيبوبة مَرَضية طويلة، انتزعته انتزاعا من مضمار السياسية، واتّخذ قبل ذلك قرار الانسحاب من غزة أو ماعُرف آنذاك بخطَّة فكِّ الارتباط. صرَّح بن غفير مؤوِّلا مصير شارون بقوله: ”نأمل أن تكون هناك رسالة لكل من يريد المسّ بأرض إسرائيل، لأنها أقوى منّا جميعا”.
عندما أنهى دراساته في الطّور الثانوي، وبلوغه السنِّ القانوني، سعى بن غفير الانتماء إلى صفوف الجيش، لكنه أُعفي جراء مواقفه وسلوكاته المتشبِّعة بقيم اليمين الديني، الموغلة في التشدُّد والعنف.
رغم تكوينه القانوني ونيله شهادة جامعية عليا سنة 2008، فتحت له السّبيل كي يمتهن المحاماة، استمرَّ فكره بعيدا غاية البعد عن روح الشَّرائع الوضعية وحقيقة الجوهر الإنساني، موصولا دون تردُّد إلى نواة نزوعه العدواني الفطري، فكان سجلّه الجنائي زاخرا بخمسين تهمة أساسها اقتراف الشَّغب، دعم منظمة إرهابية، والتّحريض على العنصرية مثلما فعل سنة 2007، لمَّا خرج إلى الشارع رافعا لافتة تضمَّنت عبارة مستفِّزة ومثيرة للضّغائن والأحقاد: ”اطردوا العدوَّ العربيّ”. يقصد في المقام الأول، فلسطينيي الداخل، معتبرا إيَّاهم كتلة تبعث على الرِّيبة والشكِّ تفوق خطورتها التَّهديد الإيراني وكذا ساكنة الضفّة الغربية وغزة. يتجلَّى نشاطه واضحا داخل المستوطنات، وقاد المستوطنين خلال مناسبات عديدة وجهة اقتحام المسجد الأقصى قصد استفزاز الطّرف الفلسطيني، مما يؤدِّي إلى مزيد من تأجيج أسباب الصراع وإشعال فتيل الحروب الهمجيّة كما الوضع حاليا في غزة.
تبعا لمؤشِّرات المعطيات نفسها، الدالَّة رمزيتها على هذا الجانب العدواني في شخصيته، ويفسّر جانبا من آلياته النّفسية والذّهنية، تمسُّكه بتأثيث جدار منزله المتواجد في مستوطنة ”كريات أربع” في مدينة الخليل، ببورتريه كبير لباروخ جولدشتاين، أحد أتباع حركة كاخ، الذي ارتكب يوم 25 فبراير 1994 مجزرة المسجد الإبراهيمي، فقتل تسعة وعشرين فلسطينيا.
حُظِرت كاخ وصنِّفت جماعة إرهابية، غير أنَّ ذلك لم يوقف بن غفير عن مواصلة سعيه، بالتالي تحوَّل إلى زعامة صفوف حزب القوة اليهودية أو العظمة اليهودية الذي تأسَّس عام 2013، من طرف نفس أنصار الحاخام، مستندين على المنطلقات ذاتها، لكن بتمويه أكثر، قياسا للسابق، فقد استندت برامجه الانتخابية على المحاور التالية: رفض حلِّ الدولتين، الدفاع عن الدولة اليهودية على جميع المستويات تمثِّل العبرية لغتها، أرض إسرائيل وجميع مناطقها التي حدَّدتها التوراة في ملكية مختلف أجيال اليهود، ترسيخ التربية اليهودية، سيادة القانون العبري، تشجيع هجرة اليهود إلى إسرائيل وطرد الغرباء، تشجيع الاستيطان…
انتُخِب عضوا في الكنيست شهر مارس 2021، حدث وصفته صحيفة هاآرتس بـ:” اليوم الأسود في تاريخ إسرائيل”، أما بن غفير فلا يكترث لأيِّ رأي سوى ما يؤمن به، لذلك أفصح ثانية بكل وضوح عن طبيعة تصوره للتعايش: ”ينبغي إزالة أعداء إسرائيل من أرضنا”.
أخيرا، صار بن غفير مسؤولا سياسيا ذا نفوذ كبير في حكومة تل أبيب، بعد إبرام تحالف بين حزبي القوة اليهودية والليكود، لمَّا عيَّنه بنيامين نتنياهو وزيرا على حقيبة الأمن الداخلي وكذا امتلاكه صلاحيات تسوية وضعية المستوطنات العشوائية في الضفة الغربية.
*بتسلئيل سموتريتش (1980- ):
”أرض إسرائيل الكبرى تمتدّ من نهر الفرات شرقا إلى نهر النيل جنوبا ”.
تعتبر خلطة سموتريش وبن غفير، محض امتداد إيديولوجي لحركة كاخ المتطفرِّة والإرهابية التي أسّسها الحاخام مائير كاهانا سنة 1971، وتبنّت مرجعياتها العنصرية ضرورة طرد الفلسطينيين والإيمان بأفضلية العنصر اليهودي وإقامة إسرائيل الكبرى، بحيث لايمكن البتّة التراجع عن هذه الثوابت الكبرى.
ولد سموتريتش في مستوطنة خاسبين جنوب الجولان السوري بداية الثَّمانينات. ينحدر من عائلة أوكرانية متزمِّتة مذهبيا وعقائديا، فقد كان والده حاييم يروحام حاخاما أرثوذوكسيا ومدرّسا للدين في مدرسة ”كريات أربع”، التي تعدّ مرتعا خصبا ومجالا حيويا لحركة كاخ.
تدرَّب سموتريش- لقب يعود حسب بعض التقديرات إلى منطقة سموتريش الأوكرانية التي عاش فيها أجداده قبل الهجرة إلى فلسطين خلال فترة الانتداب البريطاني- داخل فصول مدرسة دينية أسسها الحاخام أبراهام كوك عام 1924، لتلقين الديانة اليهودية ومعها الفكر الصهيوني وتكوّن داخل حجراتها رموز اليمين الإسرائيلي.
تجلّت سنة 2005 أولى ملامح النّشاط الصهيوني الدّيني والمتطرّف، حينما أدرج اسم سموتريتش ضمن قائمة أبرز قادة التمرّد الرّافضين لقرار أرييل شارون الدّاعي آنذاك إلى خطة فكّ الارتباط وإخلاء المستوطنين من قطاع غزة، اعتُقل سموتريتش بعد العثور على سبعمائة ليتر من الوقود داخل منزله قصد التّخطيط لتنفيذ عمليات تخريبية.
ولج الكنيست بعد فوزه في انتخابات 2015، عن حزب الاتّحاد الوطني (تكوما) التّنظيم الديني المتطرّف قوميا، وانتُخب عضوا ممثِّلا لقائمة تكتُل البيت اليهودي، كتلة ضمّت عتاة المتطرّفين، دعاة مشروع ”أرض إسرائيل الكاملة”، الذين لا يتردّدون في توسيع الاستيطان غاية أبعد الحدود، ورفضهم مبدئيا المفاوضات مع الفلسطينيين، أو تمكينهم من دولة، وأقصى ما يقترحونه كحلّ للصّراع حكما ذاتيا لأقاليم فلسطينية منفصلة عن بعضها البعض أقرب إلى نموذج ”كانتونات” تحت إشراف الحكم المركزي الإسرائيلي.
توطّد اسم سموتريتش سياسيا أكثر، عندما صار زعيما لحزب ”المفدال الجديد” الذي ظهر إلى الوجود شهر غشت 2023 بعد تآلف بين الحزب الصهيوني الديني والبيت اليهودي، ثم وزيرا للمالية.
عنوان تطرّفه من النّاحية الشكلية والمظهرية، ارتداؤه الدّائم القلنسوة اليهودية أو الكيباه، قدر تكراره اللّغوي يوميا تقريبا عبر مختلف المنابر وخلال كل مناسبة أو دونها على قناعاته المتأصلة والراسخة:
*بناء مزيد من المستوطنات في الضفّة الغربية وتوسيعها، بل وضمّ الأخيرة بعد الانتهاء من حرب غزة، لذلك يقطن رفقة زوجته وأطفاله السبعة مستوطنة ”كدوميم” التي تقع شمال الضفّة الغربية بكيفية غير قانونية.
*التّطهير العرقي.
*الدّعوة إلى دولة دينية.
*معارضة جذرية لقيام دولة فلسطينية: ”لايوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني”.
