عبد الرحيم برادة: الإصرار على انتصار الحق قبل القانون
توفي ليلة البارحة الأحد 20 فبراير 2022، الأستاذ عبد الرحيم برادة، المحامي البارز والناشط السياسي والمؤلف، وذلك عن عمر ناهز الرابعة والثمانين.
عاش عبد الرحيم برادة معارضا لنظام الملك الحسن الثاني، ودافع بشراسة من أجل حرية المعتقلين السياسيين في “سنوات الرصاص”، وكان محاميا لعدد من المعارضين المشهورين مثل سعيدة المنبهي وأبراهام السرفاتي وعائلة المنوزي، ورفاق هؤلاء في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية و”إلى الأمام” و”23 مارس”. وعرف الفقيد بكفاحه عن أجل حقوق الإنسان والديمقراطية والعلماني، معلنا بشجاعة عن رأيه في إقرار نظام جمهوري بالمغرب، وعبر عن ذلك في عدد من الحوارات التي أجرتها مع صحف مغربية، وفي كتاب نشره في الأعوام الأخيرة باللغة الفرنسية بعنوان:
Plaidoyer pour un Maroc laic (مرافعة من أجل مغرب علماني).
ولد عبد الرحيم برادة سنة 1938 بمدينة الدار البيضاء، وبعد نيله شهادة البكالوريا عام 1956 سافر إلى باريس لدراسة القانون، وهناك التقى مع عمر بنجلون والمهدي بنبركة وانتمى لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، لكنه انسحب منه بعد سنوات ليختار أن يظل مناضلا ديمقراطيا يساريا مستقلا.
وفي عام 1966، عاد برادة إلى المغرب، حيث مارس مهنة المحاماة ليدافع عن المعارضين السياسيين أمام المحاكم. ومن أبرز تلك المحاكمات، محاكمة مراكش عام 1971، والتي توبع فيها 193 متهما بمحاولة قلب النظام.
***
في سنة 2003 نشرت مجلة “السؤال – الملف” بورتريه مختصر عن السيرة النضالية للأستاذ عبد الرحيم برادة، نعيد نشره ب”السؤال الآن”:
الأستاذ المحامي عبد الرحيم برادة..
الإصرار على انتصار الحق قبل القانون
الأستاذ عبد الرحيم برادة، المحامي المعروف والبارز في المغر، يتميز عن غيره من المحامين بارتبأطه بأكثر الملفات السياسية التي عرضت على القضاء المغربي، إثارة للجدل، وبجرأته في تناول هذه الملفات التي كثيرا ما تصل إلى حد إغضاب السلطات الحكومية، ووتعريضه لأصناف من المضايقات والتهديدات والحصار.
ومن الملفات الشائكة التي تبناها وحولها إلى قضيته الخاصة ملف الاختفاء القسري، كملف عائلة المنوزي الذين اعتقلوا في قضية محاكمة مراكش الشهيرة (1971)، وبعدها ملف الحسين المنوزي.
لقد أصبحت قضايا الحرية والديمقراطية ومجابهة الاستبداد في المغرب لصيقة بشخصية الأستاذ عبد الرحيم برادة، لا يمكن إثارتها بدون أن يكون حضوره طاغيا ومركزيا فيها، ولا يمكن الحديث عنخ دون استحضار مسار النضال الديمقراطي ومعركة حقوق الإنسان في المغرب.
لذلك ليس هناك ما هو أصعب من رسم لوحة شخصية مثل شخصية المحامي عبد الرحيم برادة، شخصية إنسانية غنية، متعددة الأبعاد ينصهر فيها اقتدار المحامي، ومرونة الدبلوماسي، وعناد المكافح، واختمال المتصوف.
وحينما سقطت العديد من الأقنعة، وانقشعت ظلال الوهم عن فرسان النضال الزائفين، ظل الأستاذ صامدا، ثابثا في مواقفه، منصفا للمثاليات التي آمن بها والتي نذر حياته لها، متحملا من أجل ذلك المشاق المادية والنفسية . فخلال سنوات طويلة، مر فيها المغرب بامتحانات عسيرة، في خضم مواجهات الاستبداد، ومواجهات معركة الديمقراطية، ظل الأستاذ حاضرا بكل عنفوان في ساحة العدالة إلى جانب الضحايا وذويهم، مناصرا للحق، يجادل ويدافع، ويصر على انتصار الحق قبل القانون، لأن القانون ليس دائما عادلا، لا سيما إذا كان أداة في يد المستبد.
ولم ين ينزحزح عن موقفه حتى في أحلك الفترات التي كان يتهافت فيها ناهزو الفرص، وأصحاب المطامع على مائدة الحكم، أو يهربون من ميدان المواجهة في آخر لحظة، تاركين الضحايا لمصيرهم المحزن بين الجلاد ليفتك بهم.
وكان طبيعيا في مثل هذه الحالات أن يثر سلوكه المشاكس والمعاند الكثير من الجدل والنقاش والخلاف والاعتراض، سواء في الأوساط الحكومية أو أوساط الحكم. وكلما رجحت كفة المحافظين أو الرجعيين إلا وزاد التضييق عليه.
أما حينما يعلن رأيه في قضية من قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، يطلع علينا المرجفون والمشككون ناكرين عليه إقحام نفسه في السياسة. وكادوا مرة أن يدفعوا به إلى السجن بدعوى “الخيانة الوطنية”، وكأن الدفاع عن الكرامة الإنسانية والمطالبة بهدم الحصانة من العقاب، وتقديم مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان إلى القضاء، جريمة وخيانة للوطن!
هكذا، لا يمكن أن نفصل مسار الأستاذ عبد الرحيم برادة عن مسارات النضال الديمقراطي في المغرب، الذي خاضه رفاق الحسين المنوزي وغيرهم.
فعندما كان السياسيون يسكتون جبنا وممالأة او نفاقا، كان الأستاذ يدخل إلى حلبة الصراع وحيدا ومع شلة صغيرة من المناضلين الشجعان والمحامين النزهاء لمنازلة الطغيانن مؤديا ثمنا باهضا عن ذلك من حريته وأمنه واطمئنان أسرته، فقد تم الحجز عليه في منزله، وصودر جواز سفره، ومنع من التصال بموكليه وذويهم، لكن ذلك لم يمنعه من مواصلة نضاله من أجل حقوق الإنسان والديمقراطية في المغرب.
“السؤال – الملف”،
عدد خاص عن قضية اختطاف
المناضل السياسي والنقابي الحسين المنوزي،
-نوفمبر 2003