هل صارت الترجمة العربية هزلًا؟ أخطاء شائنة في ترجمة رواية لألكسندر دوما
![هل صارت الترجمة العربية هزلًا؟ أخطاء شائنة في ترجمة رواية لألكسندر دوما](https://assoual.com/wp-content/uploads/2025/02/La-traduction-arabe-est-elle-devenue-une-plaisanterie.jpg)
خليد كدري
سُررت قبل بضع سنوات لخبر صدور رواية «كونت مونتي-كريستو» لألكسندر دوما «في ترجمة كاملة إلى اللغة العربية»، كما ورد في ظهر الغلاف (دار التنوير، 2021)، لكنني ظللت أؤجل قراءتها لاعتبارات عديدة، وفي طليعتها أنني قرأتها بلغتها الأصلية قبل عقود من الزمن… إلى أن أعلنت جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي، في دورتها الأخيرة (2024)، عن فوز الترجمة المذكورة بالمركز الثاني مكرر من فئتها، فسُررت أكثر من ذي قبل − إي والله − وقلت في نفسي: أخيرًا، صارت لدينا ترجمة عربية وثيقة لرائعة ألكسندر دوما! وصمّمت عزيمتي هذه المرّة، فأقبلت على ترجمة محمد آيت حنا وشرعت في قراءتها راجيًا أن تكون بالفعل فاتحة عهدٍ جديد في تاريخ تعامل المترجمين العرب مع الرواية الفرنسية.
لكنني − بكلّ الأسف − لم أستطع إكمال قراءة الجزء الأول من هذه الترجمة إلّا بمشقة عظيمة! ومردّ ذلك، على وجه التحديد، إلى اشتماله على أخطاء شائنة لا تكاد تحصى، بل تُشتمّ من بعضها ريح الترجمة الآلية! وزادها شَيْنًا شحنُ الترجمة بعددٍ من الحواشي المضلِّلة. وأذكر من هذه الأخطاء الشائنة والحواشي المضلِّلة ما يأتي:
- 1. نقرأ في الأصل الفرنسي:
car c’est toujours une grande affaire à Marseille que l’arrivée d’un bâtiment, surtout quand ce bâtiment, comme le Pharaon, a été construit, gréé, arrimé sur les chantiers de la vieille Phocée, et appartient à un armateur de la ville.
أما في ترجمة آيت حنا، ص. 5، فنقرأ:
«ذاك أن قدوم باخرة يملكها أحد التجار أرباب السفن بالمدينة، يعدُّ دومًا في مارسيليا حدثًا عظيمًا، خاصّة إذا ما كان الأمر يتعلق بسفينةٍ، مثل الفرعون، شُيّدت وجُهّزت ورُصّت حمولتها داخل وُرَش فوسيا (حاليًا تركيا) العتيقة، ويملكها تاجر من أبناء المدينة.»
وهذه ترجمة فاسدة، أوّلًا لأنها تنطوي على تكرار معيب كان في الوسع تلافيه، وثانيًا لأن عبارة «(حاليًا تركيا)» مجرد تزيّد من المترجم ولا أصل لها في النص الفرنسي، بل من شأنها تضليل القارئ! ذلك لأن المراد بفوسيا هنا ليس المستعمرة الأيونية الأم في خليج إزمير، بل مرسيليا القديمة (مَسَاليا) التي أسّسها الوافدون من المستعمرة الأيونية بنحو ستة قرون قبل الميلاد.
ويكرّر المترجم هذا الخطأ في ص. 16، عند تعليقه على عبارة «الفوسيّون المحدثون» (les Phocéens modernes) التي يكتبها «فونسيّو هذا العصر»!، فيقول: «نسبة إلى فونسيا، وتقع حاليا بتركيا»!
والحال أن «فوسيا العتيقة» ((la vieille Phocée تقال على المستعمرة الأيونية الأم في خليج إزمير، كما تقال على مرسيليا القديمة (مَسَاليا)، وريثتها التاريخية. وقد ذكرها ألكسندر دوما نفسه بهذا المعنى الأخير في بعض أعماله الأخرى، ولا سيما روايته «مذابح الجنوب» (سلسلة «جرائم شهيرة») حيث يورد كلامًا لأحد شهود «المائة يوم» في مرسيليا التي يطلق عليها «فوسيا العتيقة»، وهو هذا:
Par une versatilité d’opinions assez incompréhensible, Marseille, dont le nom pendant la terreur avait été en quelque sorte le symbole des opinions les plus avancées, était en 1815 presque entièrement royaliste. Néanmoins, ses habitants virent sans le moindre murmure le drapeau tricolore, de retour après un an d’absence, flotter de nouveau sur leurs murailles: aucun acte arbitraire de la part de l’autorité, aucune menace, aucune rixe entre les habitants et les militaires ne troubla la paix de la vieille Phocée, et jamais révolution ne fut si douce ni si facile…
فهل «فوسيا العتيقة» التي يذكرها الشاهد كائنة في تركيا؟!
- 2. نقرأ في الأصل الفرنسي أيضًا:
− C’est bien, c’est bien, Edmond, il y a un Dieu au ciel pour les braves gens, que diable!…
أما في ترجمة آيت حنا، ص. 15، فنقرأ:
«− حسنًا يا إدمون، إن للشرفاء في السماء ربًّا، أكثر مما لهم شيطان!…»
وهذه ترجمة فاسدة أيضًا، لأن عبارة (que diable!) مجرد إقحام (interjection) يرتبط بانفعالات المتكلم، وقد يفيد التعجب أو السّخط أو الحث على الفعل، أو غير ذلك، بحسب السياق، ولكنه لا يحتمل معنى التفضيل، ولا يعني «أكثر مما لهم شيطان» كما توهّم المترجم! ولم تسلم عبارات الإقحام الفرنسية الأخرى من عبث المترجم، لكننا نحجم عن ذكرها هنا تجنّبًا للإطالة…
- 3. نقرأ في الأصل الفرنسي أيضًا:
− Patience, patience! ce ne sera rien.
أما في ترجمة آيت حنا، ص. 18، فنقرأ:
«− صبرًا، صبرًا! لن يكون الأمر هيّنًا.»
وهذه ترجمة فاسدة أيضًا، لأن المراد أن الأمر لن يكون سيّئًا، بخلاف ما توهّم المترجم!
- 4. نقرأ في الأصل الفرنسي أيضًا:
− Non pas, garçon, dit Caderousse, je n’ai besoin de rien, et, Dieu merci, l’état nourrit son homme.
أما في ترجمة آيت حنا، ص. 22، فنقرأ:
«قال كادروس: − أشكرك يا عزيزي، لست بحاجة إلى أيّ شيء. الدّولة تعول رجُلَها ولله الحمد.»
وهذه ترجمة فاسدة أيضًا، لأن المراد أن الحرفة (حرفة المتكلم، وهو خياط) تعول صاحبَها. ومعلوم أن من معاني كلمة (état) الفرنسية: الحرفة أو المهنة أو الصنعة… ولا تعني الدولة فقط!
- 5. نقرأ في الأصل الفرنسي أيضًا:
− Si nous allions du même côté, nous nous arrêterions à la Réserve, et, tout en buvant un verre de vin de La Malgue, nous attendrions des nouvelles.
أما في ترجمة آيت حنا، ص. 25، فنقرأ:
«− أحسب أننا إذا ما ذهبنا في الاتجاه نفسه الذي ذهب فيه دانتس، فإننا سوف نتوقف عند الحانة، ونتصيد الأخبار بينما نحتسي شيئًا من نبيد مالقة».
وهذه ترجمة فاسدة أيضًا، لأن اسم النبيذ المذكور، «لامالغ» (La Malgue)، لا علاقة له بمدينة «مالقة» (Malaga) الأندلسية! بل إنما سُمّي باسم إحدى قلاع مدينة تولون الفرنسية حيث كانت تُزرع الكروم التي أعطت أحد أشهر أنواع النبيذ في القرن التاسع عشر.
- 6. نقرأ في الأصل الفرنسي أيضًا:
Un des chefs, qui entendait le provençal, demanda à la commune de Marseille de leur donner ce promontoire nu et aride, sur lequel ils venaient, comme les matelots antiques, de tirer leurs bâtiments.
أما في ترجمة آيت حنا، ص. 27، فنقرأ:
«أحد قادة الجماعة، وكان يعرف اللغة البروفانسالية، سأل بلدية مارسيليا أن تمنحهم قطعة الخليج العارية الصلبة التي كان [المارسيليون]، على شاكلة البحّارة القدامى، يأتون إليها ليرسوا بسفنهم».
وهذه ترجمة فاسدة أيضًا، أوّلًا لأن كلمة (promontoire) لا تعني «الخليج»، بل تعني الرَّعْن أو الرأس أو شبه الجزيرة… وثانيًا لأن جماعة الوافدين هي التي رست بسفنها في الموضع المذكور من مرسيليا. وأستغرب أن يزيد المترجم من عنده عبارة «المارسيليون»، بين قوسين معقوفين، الأمر الذي يدل على سوء فهم كلام الراوي الفرنسي، ويضلِّل القارئ!
- 7. نقرأ في الأصل الفرنسي أيضًا:
− Ah! s’écria la jeune fille en rugissant de joie…
أما في ترجمة آيت حنا، ص. 32، فنقرأ:
«فصاحت الفتاة وقد تضرج وجهها حمرة من الفرح…»
وهذه ترجمة فاسدة أيضًا، لأن المراد أن الفتاة صاحت صياح الفرح. والفعل الفرنسي (rugir) يعني حرفيًّا: جأر أو زأر أو زمجر… ولكن قد يوصف به صوت الإنسان أيضًا على سبيل المجاز. والظاهر أن المترجم قد التبس لديه الفعل (rugir) بالفعل (rougir) الذي أعطاه ترجمة «تضرج وجهها حمرة»!
- 8. نقرأ في الأصل الفرنسي أيضًا:
Mais ce n’est pas l’égoïsme seul qui me fait agir.
أما في ترجمة آيت حنا، ص. 38، فنقرأ:
«لكن ليس هذا بالسبب الوحيد الذي يجعلني أستعجل.»
وهذه ترجمة فاسدة أيضًا، لأن المراد أن الأنانية ليست وحدها ما يحملني (المتكلم) على التصرف!
- 9. نقرأ في الأصل الفرنسي أيضًا:
les clovisses, qui ont la prétention de remplacer avec supériorité, pour les gourmets du Midi, les huîtres du Nord.
أما في ترجمة آيت حنا، ص. 52، فنقرأ:
«المحارات الرخوية التي يدّعي ذوّاقة المتوسّط أنها تستطيع أن تعوّضَ، بكفاءةٍ، محار الشمال.»
وهذه ترجمة فاسدة أيضًا، لأن كلمة (Midi) تعني هنا الجنوب الفرنسي وليس «المتوسط». ومعلوم أن منطقة «الميدي» الفرنسية تطل على المحيط الأطلسي أيضًا!
- 10. نقرأ في الأصل الفرنسي أيضًا:
− Oui, mes amis, répondit Dantès, grâce au crédit de M. Morrel, l’homme après mon père auquel je dois le plus au monde, toutes les difficultés sont aplanies.
أما في ترجمة آيت حنا، ص. 54، فنقرأ:
«أجاب دانتيس: − أجل يا أصدقائي، لقد تذلّلت كلّ الصعاب بفضل قرض منحنيه السيد موريل، أكثر رجلٍ أدين له بالفضل بعد أبي.»
وهذه ترجمة فاسدة أيضًا، لأن بطل الرواية يتحدث عن نفوذ رئيسه، السيد موريل، وليس عن «القرض» الذي منحه إيّاه كما توهّم المترجم. ومعلوم أن من معاني كلمة (crédit) الفرنسية: النفوذ أو التأثير، ولا تعني القرض فقط!
- 11. نقرأ في الأصل الفرنسي أيضًا:
Rue du Grand-Cours, en face de la fontaine des Méduses…
أما في ترجمة آيت حنا، ص. 65، فنقرأ:
«في شارع غران كور، مقابل نافورة قناديل البحر…»
وهذه ترجمة فاسدة أيضًا، والصواب: نافورة الميدوسات؛ جمع ميدوسا، وهي إحدى الغرغونات (Gorgones) الثلاث المذكورة في الميثولوجيا الإغريقية، والتي لا علاقة لها بقناديل البحر!
- 12. نقرأ في الأصل الفرنسي أيضًا:
Dantès était à moitié soldat; questionner des subordonnés auxquels il était défendu de répondre lui parut une chose absurde, et il se tut.
أما في ترجمة آيت حنا، ص. 97، فنقرأ:
«كان دانتيس نصف عسكري؛ وقد أدرك أنه من العبث أن يسأل من هم أعلى منه رتبةً، خاصة وأنه قد مُنع عليهم الإدلاء بأي شيء، فسكت.»
وهذه ترجمة فاسدة أيضًا، لأن مراد الراوي أنه من العبث أن يسأل دانتيس مرؤوسين يمنع عليهم التصريح بشيء. أما ترجمة «من هم أعلى منه رتبةً»، فلا أصل لها ولا مسوّغ!
- 13. نقرأ في الأصل الفرنسي أيضًا:
− Sans autre information, sans autre formalité ? demanda le jeune homme.
− Les formalités sont remplies, l’information est faite.
أما في ترجمة آيت حنا، ص. 100، فنقرأ:
«سأله الشاب: − تفعلون ذلك، بدون إشعارٍ أو حتّى أوراق رسمية؟
− الأوراق الرّسمية قد ملئت، والإشعار قد تمَّ.»
وهذه ترجمة فاسدة أيضًا، لأن كلمة (information) تعني هنا التحقيق وليس «الإشعار»، كما أن (formalités) تعني الإجراءات وليس «الأوراق الرسمية»!
- 14. نقرأ في الأصل الفرنسي أيضًا:
− Attendez, mon cher, attendez, je tiens une note très heureuse sur le Pastor quum traheret; attendez, et vous continuerez après.
أما في ترجمة آيت حنا، ص. 118، فنقرأ:
«− انتظر، يا عزيزي، ريثما أدون ملاحظة موفقة من كتاب Pastor quum traheret؛ انتظر، وسنواصل بعدها الكلام.»
وهذه ترجمة فاسدة أيضًا، لأن المتكلم (الملك الفرنسي لوي الثامن عشر) يستمهل محاورَه لتعليق حاشية على قصيدة، وليس «من كتاب» كما توهّم المترجم! ويتعلّق الأمر بقصيدة من ديوان «أناشيد» (Odes) للشاعر اللاتيني الكبير هوراتيوس، ومطلعها هو: (Pastor quum traheret)؛ وبهذا المطلع اشتهرت، وترجمته العربية على وجه التقريب هي: «حين ساق الراعي».
- 15. نقرأ في الأصل الفرنسي أيضًا:
c’était en jetant des cailloux à la mer que se récréaient les grands capitaines de l’antiquité.
أما في ترجمة آيت حنا، ص. 120، فنقرأ:
«ألم يكن عظماء قادة العصور القديمة يولدون بإلقاء أحجار في البحر.»
وهذه ترجمة فاسدة أيضًا، لأن المراد أن كبار قادة العصور القديمة كانوا يتسلّون بإلقاء أحجار في البحر. ومعلوم أن من معاني الفعل الفرنسي (se recréer): التسلّي أو الترويح عن النفس. إن ترجمة «يولدون» في هذا الموضع ترجمة سريالية بأقوى معاني اللفظ، ولا يمكن أن يستسيغها أغبى قارئ عربي!
- 16. نقرأ في الأصل الفرنسي أيضًا:
Si Morrel eût été un homme plus fin ou mieux éclairé sur cette affaire, il eût trouvé bizarre que le substitut du procureur du roi daignât lui répondre sur ces matières complètement étrangères à son ressort…
أما في ترجمة آيت حنا، ص. 152، فنقرأ:
«ولو أن موريل كان رجلًا أشّد فطنة، أو أحوط معرفة بملابسات القضية، لكان استغرب كيف يجيبه نائب وكيل الملك بهذه الطريقة الغريبة عنه…»
وهذه ترجمة فاسدة أيضًا، ولا سيما جزؤها الأخير الذي يشتمل على خطأ قبيح للغاية، إذ نقرأ: «كيف يجيبه نائب وكيل الملك بهذه الطريقة الغريبة عنه»، والصواب: كيف يجيبه نائب وكيل الملك عن هذه الأمور البعيدة تمامًا عن اختصاصه!
- 17. نقرأ في الأصل الفرنسي أيضًا:
La famille s’accoutuma à cette obscurité.
أما في ترجمة آيت حنا، ص. 242، فنقرأ:
«لجأت العائلة إلى هذا الغموض.»
وهذه ترجمة فاسدة أيضًا، والصواب: تعوّدت العائلة (عائلة سبادا) على هذا الهوان. ومعلوم أن من معاني الكلمة الفرنسية (obscurité): الهوان أو انحطاط الشأن…
- 18. نقرأ في الأصل الفرنسي أيضًا:
il allait prendre son café au cercle des Phocéens…
أما في ترجمة آيت حنا، ص. 395، فنقرأ:
«كان يقصد دارة الفينيقيين حيث يشرب قهوته…»
وهذه ترجمة فاسدة أيضًا، والصواب: كان يقصد نادي الفوسيين حيث يشرب قهوته. وقد رأينا سابقًا كيف خلط المترجم بين فوسيا الأم في خليج إزمير ومرسيليا القديمة. وها هو الآن يخلط بين الفوسيين والفينيقيين!
- 19. نقرأ في الأصل الفرنسي أيضًا:
Je me suis substitué à la Providence pour récompenser les bons…
أما في ترجمة آيت حنا، ص. 408، فنقرأ:
«لقد تركت للقَدَر أن يجازي الأخيار…»
وهذه ترجمة فاسدة أيضًا، والصواب: لقد حللتُ محلّ العناية (الإلهية) لأجازي الأخيار.
- 20. نقرأ في الأصل الفرنسي أيضًا:
Dépeignez-nous-le, afin que si nous le rencontrions par hasard dans le monde, comme Jean Sbogar ou Lara, nous puissions au moins le reconnaître.
أما في ترجمة آيت حنا، ص. 458، فنقرأ:
«صِفه لنا حتّى إن نحن لقيناه، مثلما وقع لجون سبوغار ولارا، عرفناه.»
وهذه ترجمة فاسدة أيضًا، لأنها تجاهلت عباراتي «بالصدفة» (par hasard) و«على الأقل» (au moins) على الرغم من أهميّتهما في تقديم ترجمة أمينة للنص الفرنسي! وبصرف النظر عن فساد الترجمة، يعلّق المترجم على اسمي «جون سبوغار» و«لارا»، في هامش ص. 458 نفسها، قائلًا: «يقصد على الأرجح شخصيتين من شخصيات الكوميديا الإنسانية لبلزاك.»!
والحال أن الأمر يتعلّق بمعلومات لا تحتمل الشّك، لأن شخصية «جان سبوغار» (وليس «جون سبوغار») من إبداع الكاتب الفرنسي شارل نودييه (1818)، بينما شخصية «لارا» من إبداع الشاعر البريطاني اللورد بايرون (1814). ولم يبدع بلزاك أيّ شخصية باسم «جان سبوغار» أو باسم «لارا» في جميع أعماله! بل يذكرهما عرضًا في بعض المواضع من هذه الأعمال بوصفهما شخصيتيْن أبدعهما نودييه وبايرون، على التوالي… وهذا يعني أن المترجم قد تكلّف الحديث عن السلسلة البلزاكية الشهيرة بغير علم، مضلِّلًا القارئ في جميع الأحوال!
- 21. نقرأ في الأصل الفرنسي أيضًا:
Si un second voyageur fût alors passé, il eût vu une chose étrange… Sans doute, il se fût cru revenu au temps de Florian…
أما في ترجمة آيت حنا، ص. 482-483، فنقرأ:
«وإذّاك مرّ مسافر آخر، فتنبّه إلى شيء غريب… لا شك أن الرجل قد خال نفسه عاد إلى زمن فلوريانوس…»
وهذه ترجمة فاسدة أيضًا، لأنها لم تراع بنية العبارة الفرنسية، وهي شَرطية؛ والصواب: ولو مرّ مسافر ثان، لرأى شيئًا غريبًا… ولا شك أنه سيخال نفسه قد عاد إلى زمن فلوريان…
والأدهى من ذلك تعليق المترجم على اسم «فلوريانوس» المزعوم، في هامش ص. 483 نفسها، قائلًا: «المقصود على الأرجح القديس فلوريانوس، وهو قديس شفيع بولندي (250م-304م).»!
والحال أن الأمر يتعلّق، هنا أيضًا، بمعلومات لا تحتمل الشّك، لأن المقصود ليس القديس فلوريانوس (النمساوي الأصل وليس البولندي!)، بل الكاتب الفرنسي جان-بيار كلاريس دو فلوريان (1755-1794) الذي يذكره ألكسندر دوما في مواضع أخرى من أعماله!
- 22. نقرأ في الأصل الفرنسي أيضًا:
monument par excellence, qui faisait dire à Martial: «Que Memphis cesse de nous vanter les barbares miracles de ses pyramides…»
أما في ترجمة آيت حنا، ص. 489، فنقرأ:
«مأثرة روما بامتياز، المأثرة التي جعلت مارتياليس يقول: “ألا فليكُفَّنَّ منف عن الافتخار بمعجزة الأهرام البريرية…”»
وهذه ترجمة فاسدة أيضًا، والصواب: فلتكُفَّنَّ منف، وليس «فليكُفَّنَّ منف»، لأن الأمر يتعلّق بمدينة لا بشخص! إنها مدينة منف (Memphis) المصرية القديمة التي لا يعذر بجهلها متعلّم. ولكن الحال مختلف تمامًا عند المترجم، فقد علّق على اسم منف، في هامش ص. 489 نفسها، قائلًا: «الإله الفرعوني منف ويسمّى كذلك منفر أو ممفِس.»!
- 23. نقرأ في الأصل الفرنسي أيضًا:
− Allons, dit la comtesse en riant, vous verrez que mon vampire sera tout bonnement quelque nouvel enrichi qui veut se faire pardonner ses millions, et qui aura pris le regard de Lara pour qu’on ne le confonde pas avec M. de Rothschild…
أما في ترجمة آيت حنا، ص. 546، فنقرأ:
«قالت الكونتيسة ضاحكة: − طيّب، سترى أن صاحبنا مصّاص دماء، ليس إلّا أحد محدثي الغنى، ويريد التكفير عن أمواله، واتخذ لارا كيلا نخلط بينه وبين روتشيلد…»
وهذه ترجمة فاسدة أيضًا، وبخاصة ترجمة عبارة (aura pris le regard de Lara) بعبارة «اتّخذ لارا»! والصواب: اتخذ مظهر لارا.
لكن الأغرب من ذلك تعليق المترجم على هذا الاسم، في هامش ص. 546 نفسها، قائلًا: «لم أجد أيّ تفسير لهذا الاسم، لعلها تقصد عشيقة اللورد بايرون، التي كتب فيها إحدى قصائده الشهيرة.»!
والحال أن الكونت «لارا» شخصية أبدعها اللورد بايرون، كما ذكرنا سابقًا، وهو رجل وليس امرأة! وباسمه عنّن الشاعر البريطاني أحد أشهر أعماله (1814).
ما الذي منع المترجم من بذل قليل من الجهد، وتحرّي الصواب في المراجع العلمية المتاحة اليوم بالمئات، بدلًا من إمطار القارئ التعيس بوابل من التخمينات والمعلومات المزيّفة؟! ما الذي تعجّله للتعليق على لقب «شيخ الجبل» (Vieux de la Montagne)، في هامش ص. 435، على سبيل المثال، قائلًا إنه «الحسن الصباح: مؤسس ما يعرف في الثقافة الغربية بطائفة الحشاشين.»؟! هكذا بجرّة قلم! بينما المتكلم في الرواية يتحدث عن «شيخ الجبل» الذي رام اغتيال الملك الفرنسي فيليب أغسطس، فيما يقال، ولذلك لا يمكن أن يكون سوى معاصره راشد الدين سنان أحد خلفاء الحسن الصباح. ومعلوم أن كليهما لُقِّب بـ«شيخ الجبل».
وعلاوة على الأخطاء الشائنة والحواشي المضلِّلة التي ذكرنا طائفة منها، يُلاحظ على هذه الترجمة خلوّها من أيّ تقديم أو دراسة أو فهرس، ولو لعناوين الفصول، وهذا شيء قبيح للغاية!
ولا يقلّ عنه قباحةً سوءُ ضبط عددٍ من أسماء العلم، وفي طليعتها «مونت كريستو» الذي تكرر هكذا في الترجمة برمتها بدءًا من العنوان وإلى آخر صفحة منها، بينما الأصح، كما نعلم، هو «مونتي-كريستو»، إذ لا أحد من الناطقين باللغة الفرنسية في العالم كلّه يقول «مونت» بتسكين حرف التاء!
ومنها أيضًا اسم العلم (Quesnel) الذي داوم المترجم على كتابته: «كيسنل»! والصواب: كينيل؛ مثل اسم العلم (Descartes) الذي نكتبه ونقرؤه ديكارت وليس «ديسكارت»…
وتحضرني في هذه المناسبة ذكرى مؤسفة، ذكرى دار النشر العربية التي سلطت على إحدى ترجماتي مدقِّقًا لغويًّا − مفسدًا على التحقيق − عبث بعددٍ من تراكيبي بناء على آراء متحجرة لم تحظ يومًا بإجماع أهل اللغة، ولم ينج من عبثه اسم العلم (Meslin) الذي كتبتُه ميلان وفقًا لنطق الفرنسيين، لكن المفسد اللغوي أبَى إلاّ أن يعيد كتابته «ميسلان»! ونبّهت الناشر على هذا الأمر، لكنه أصلح المَفْسَدة في مواضع، وتركها في أخرى!
غير أنني لا أعتقد أن اسم العلم (Quesnel) تعرّض للإفساد البعدي مثلما تعرض له اسم العلم (Meslin)، وذلك لسبب واضح كالنهار وهو أن ترجمة الرواية الفرنسية لم تخضع للمراجعة!
كما يُلاحظ على ترجمة آيت حنا إهمال نقل عددٍ غير قليل من المفردات والعبارات الفرنسية من دون مبرّر (ص. 37، 71، 111، 154… على سبيل المثال).
وبصرف النظر عن ابتذال الأسلوب، تحفل الترجمة بما لا يكاد يحصى من الأخطاء اللغوية التي تصفع القارئ صفعًا (ص. 6: «مصيبةٌ عظيمة حقّت بي»، والصواب: «حاقت بي»؛ ص. 36: «وأزعم أن في هذا شقاؤه»، والصواب: «شقاءه»؛ ص. 39: «مصطفان»، والصواب: «مصطفيان»؛ ص. 67: «أن كلاهما»، والصواب: «أن كليهما»؛ ص. 123: «لم يتوانى»، والصواب: «لم يتوان»؛ ص. 527: «لم ينثني»، والصواب: «لم ينثن»… على سبيل المثال).
وأختم ملاحظاتي بكلمة عن الصورة الغريبة التي يشتمل عليها غلاف الرواية! أجلْ، إن الناشر حرّ في اختيار الصورة التي يريد غلافًا للرواية المترجمة. لكن من حق القارئ أن يسأل: ما علاقة رواية ألكسندر دوما بصورة الموسيقي وراعي الفنون الفرنسي إدمون ميتر (Edmond Maître)؟ هل اختيرت هذه الصورة لأن صاحبها يحمل الاسم الشخصي لبطل الرواية: «إدمون»؟! إذا كان الأمر كذلك، فإنه عبث ما بعده عبث! ألم يكن من الأفضل تزويد غلاف الرواية بصورة لقلعة إيف (Château d’If) التي سُجن فيها البطل أو صورة للجزيرة التي استُخرِج منها الكنز أو صورة لمؤلف الرواية نفسه… على سبيل المثال؟
لهذه الاعتبارات جميعًا، لا أظنني مستعدًّا لقراءة الجزأين الثاني والثالث المتبقّييْن من ترجمة محمد آيت حنا. وإنني لمُشفِق على القارئ العربي من مثيلاتها… كان الله في عونه! لكن المرتزقة السفهاء سيخوضون، كعادتهم، في دوافع الناقد «الخفيّة» − على زعمهم − وكأنها هي الأهمّ، وما عداها نوافل، وسيكيلون له صنوف الشتائم من دون شك، أما مرسيليا القديمة «التي تقع حاليا بتركيا»! و«الدّولة [التي] تعول رجُلَها»! و«القرض» الذي توهّم المترجم أن السيد موريل أعطاه لإدمون دانتيس! و«نافورة قناديل البحر»! و«الإله الفرعوني منف»! وغيرها من المصائب التي تسيء إلى لغتنا وثقافتنا وناشئتنا، وتدنّس شرف الترجمة ابتداءً، فلا تعنيهم على الإطلاق. لقد خبرنا هذا الأمر مرارًا. ولا حول ولا قوة إلّا بالله…