“رحلة ذهاب بدون إياب” عن مأساة طرد آلاف المغاربة من الجزائر
جمال المحافظ
“رحلة ذهاب بدون إياب” عنوان كتاب جديد لمحمد الشرفاوي، يحكى فيه بنفس روائي ملحمي، مأساة قرار السلطات الجزائرية في الثامن من دجنبر 1975 طرد 45 ألف أسرة مغربية مقيمة بطريقة شرعية منذ عقود بالجزائر، وذلك في اجراء شكل خرقا للمقتضيات القانونية المحلية والدولية.
عبر 12 فصلا يستعرض محمد الشرفاوي في كتابه “رحلة ذهاب بدون إياب “، على لسان شخصية اختار لها اسم “عيسى”، مساره منذ أن رأى النور في الجزائر، متوقفا مطولا عند اللحظات والأجواء التي عايشها، حينما خلال تعرضه رفقة أفراد أسرته للطرد التعسفي والترحيل نحو الحدود الشرقية المغربية، كما كان شأن جيرانه، ضمن الـ 45 ألف أسرة مغربية، تنفيذا لقرار السلطات الجزائرية على عهد الرئيس الهواري بومدين.
في هذا السياق كتب الشرفاوي في مقدمة الكتاب:
“تحتفظ ذاكرتي بتاريخين اثنين، مما سينجلي لاحقا، إنه فعل شائن: 17و27 دجنبر عام 1975. التاريخ الأول يحيلني على الطريقة التي جرت بها الأحداث أمام عيني المروعتين، يوم الطرد التعسفي لجيراننا. وعقبه بعشرة أيام، أي يوم 27 دجنبر، وورد اسمنا العائلي ضمن اللائحة المنذرة بالترحيل.
أما الجريمة التي حملها صك اتهامنا، فهي انحدارنا من أصول مغربية في جزائر 1975″.
يحكى الشوفاني على لسان عيسى الشخصية الرئيسة في هذا الكتاب، أنه كان في العشرين من العمر حيث تعرض للطرد، تحت تهديد البنادق، من أرض الجزائر.
عميقا كان الجرح، الذى لم يندمل قط. فهل دافعه البحث عن الإفلات من التعاسة الغامرة إياه، أم من الرغبة في الانتقام الملاحقة له؟
لا يرى عيسى غير منفذ وحيد لعدم الانهيار: الإباء. كأنه باب انغلق بعنف ونهائيا على عشرين سنة من الحياة ومحاها. ويواصل السرد بالقول “سيتحقق عيسى 40 سنة بعد ذلك، من وجود شروخ في معمار حياة شيدوها هو نفسه للشروخ هذه اسم: التهجير ، ولها تاريخ محدد: 28 دجنبر 1975. وهي تحدث جلبا أصم يتذكره: الصرخة المكتومة لـ45 ألف أسرة، لإخوان وأخوات بالدم وجدوا أنفسهم، مثله تماما، لاجئين بين ليلة وضحاها في مخيمات وجدة بالمغرب.
إن قصة عيسى هي قصة الآلاف الأخرين الذين عاشوا، على غراره، “المسيرة السوداء”، مقابل “المسيرة الخضراء” التي استرجع بواسطتها المغرب الصحراء سنة 1975 من الاستعمار الإسباني.
فمنذ طرده بمعية أفراد أسرته، يعترف عيسى، في “رحلة ذهاب بدون إياب”، بأنه لم يتمكن أن يحكي ما وقع لأطفاله، إلا بعد رحيل والدته عام 2005، ليقرر أن يوثق لذلك الألم الذي عاشه وشاطرته إياه 45 ألف عائلة. مما يجعل الكتاب مساهمة في “بناء ذاكرة عصية على المحو”، وشهادة أخرى تستعيد شريط المعاناة وسوء المعاملة والآلام التي عاشها وتقاسمها عيسى مع بقية الأسر التي بين عشية وضحاها أصبحت بدون مأوى، محرومة من ممتلكاتها وتاريخها ومتجهة نحو المجهول، كما كتب إدريس اليزمي، رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج، في تقديم هذا المؤلف الصادر عن منشورات “ملتقى الطرق” الذي تولى الصحفي والأديب المغربي سعيد عاهد تعريب نسخته الفرنسية الصادرة عام 2014.
وإذا كانت تربية أجيالنا الشابة واقتيادها إلى نهج مكافحة جميع أشكال القساوة التي يمكن لجماعة من الأفراد ممارستها ضد جماعة أخرى، توجب علينا تعريف هذه الأجيال بكل مراحل التاريخ، بما فيها جوانبه الأكثر بشاعة، فإن هذه الشهادة الشخصية (عيسى/ الشرفاوي)، والبيوغرافية، تشكل عنصرا من عناصر الموضوع الذي يسعى آلاف الناس لإعادة تركيبه في شموليته، كما جاء في توطئة الكتاب تحت عنوان “سبيل الذاكرة طويل، لكن لامناص من سلكه” وقعتها فتيحة السعيدي عضو مجلس الشيوخ البلجيكي ونائبة عمدة، حفيدة مطرودين مغاربة من الجزائر.
يتقاطع ما دبجه إدريس اليزمي، وما سجلته فتيحة السعيدي، مع محمد الشرفاوي حينما يكتب في إحدى فقرات الكتاب:
“من خلال قصة عيسى.. فأنا أحكى، في الحقيقة، قصتى الشخصية. وإذا كنت قد تحكمت في أحاسيسي ومشاعري وأنا أروى هذه الأحداث المرعبة لتتحول إلى أثر مكتوب، الأحداث التي حطمت نفسية وحياة الكثيرين منا، فلذلك لأن الحياة علمتني، بأن لاشيء قابل للبناء تحت جنح إنكار الواقع أو تناسيه..”.
الكتاب، وإن كان يروي مأساة الطرد التعسفي من الجزائر على لسان عيسى، وتداعياتها الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والسياسية، فإن الأمر تطلب من المؤلف القيام بمجهود مضاعف من أجل عمليات تركيب هذه الأحداث، وإعادة بنائها – حسب ما يراه اليزمي – حتى ” يندمل الجرح”، وبعد ذلك “يشفى”، وذلك على الرغم من أن عيسى/ الشرفاوي، وإن كان يقر بأنه تمكن من التحكم في أحساسيسه ومشاعره، وهو يروى هذه الأحداث المرعبة، ويتوقف عند الأحداث التي حطمت نفسية الكثيرين من المرحلين قسرا، كما دون الكاتب عبر شهادته الآسرة.
محمد الشرفاوي، مهندس المختص في البحث الصناعي حول الميكانيكا، مقيم بفرنسا، وهو رئيس ” التجمع الدولي لدعم العائلات ذات الأصل المغربي المطرودة من الجزائر سنة 1975″ ورئيس اللجنة الدولية لمساندة الأسر المغربية المطرودة الجزائر.