عندما أطلت بوادر انهيار الاتحاد السوفياتي
عبد العلي جدوبي
في الثمانينيات الماضية، تلقيت دعوة من سفارة الاتحاد السوفياتي بالرباط للسفر إلى موسكو لحضور المؤتمر السابع والعشرين للحزب الشيوعي السوفياتي، بمناسبة إطلاق الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف شعار “البريسترويكا” (التغيير وإعادة البناء والغلاسنوت، العلنية والانفتاح)، وقد بدأت تشغل بال الملايين من الناس في الاتحاد السوفياتي العام 1987، بهدف تأمين التنمية السريعة للاقتصاد والثقافة، ورفع مستوى معيشة الشعب، وتغيير نمط السياسة في البلاد..
تولى غورباتشوف السلطة خلال العام 1985، واتخد خطوات سريعة لتحويل النظام الاقتصادي السوفياتي إلى اقتصاد السوق، مع إدخال تعديلات بسيطة على سياسة الاقتصاد المتبعة، والتي لم تعد قادرة على الصمود ومسايرة تطورات البلاد، لكن هذه السياسة زادت في تعميق الهوة اكثر في الاقتصاد، وخلقت استياء لدى غالبية المواطنين السوفيات، وبالتالي أصعفت قوة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي، وهي أعلى السلطات الحاكمة في البلاد. وبدأت مع توالى الأحداث، إلى أن أصبحت مجرد صورة رمزية داخل الحزب الشيوعي.
في خطابه في المؤتمر السابع والعشرين للحزب الشيوعي السوفياتي، أكد الزعيم ميخائيل غوباتشوف أن الأمر المبدئي للسوفيات في الوقت الراهن هو مسألة توسيع العلنية، وإن كانت مسألة سياسية معقدة، موضحا في خطابه أنه من دون الوضوح والتعبير لايمكن أن توجد ديمقراطية حقيقية، ولابد من إشراك الجماهير في تدبير الشأن العام.
عند لقائي بالسيد (رافائيل مورييف) سكرتير عام اتحاد الصحفيين السوفيات في موسكو (يضم 85 ألف عضوا)، تحدثت معه في موضوع النهج الجديد للصحافة، على ضوء عمليات الانفتاح. قال :” إن الصحافة بعد عمليات التغيير وإعادة البناء، أصبح لها دور طلائعي جد حساس بالنسبة القضايا التي تواجهها البلاد، واستطرد بقوله إنه من البديهي أن ينخرط المجتمع في هذا التغيير الذي يأمل الجميع أن يكون مفيدا..
وقد لاحظت بأن المواطن السوفياتي بدأ يعبر عن رأيه بكل حرية، كما أن الصحف غيرت خط تحريرها مباشرة بعد عمليات التغيير وإعادة البناء، وبدأنا نقرأ انتقادات حتى في حق المسؤولين الكبار. وهو ما لم يكن في السابق..
بوادر التفكك
وخلال تجوالي بموسكو بمحاذاة الساحة الحمراء، بالقرب من الفندق الذي كنت أقيم فيه، الشباب هنا رغم الانفتاح ، فهم لا يتحدثون مع الاجانب بحرية ، بل منهم من يجيبك عن سؤال بسؤال آخر وبحذر شديد! ونفس الشئ لمسته لدي شباب مدينة لينغراد..
ولابد من الإشارة إلى أن td تلك الحقبة من حكم غورباتشوف، شهدت عدة عواصم من الجمهوريات التي كانت حينها جزءا من الدولة السوفياتي مواجهات في العاصمة اللبتوانية (فيلموس)، أي قبل عام من إعلان ليتوانيا انفصالها عن الاتحاد السوفياتي.
كما شهدت العاصمة الجورجية (تبليسي) مظاهرات كبيرة بعد تفشي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وانضافت في نفس الفترة العاصمة الاذربيجانية (باكو) إلي المحتجين الرافضين لسياسة غوباتشوف ولعدد من أعضاء الحزب الشيوعي من اللجنة المركزية للحزب…
هذه الاحتجاجات الجماهيرية الجديدة على المشهد العام في الاتحاد السوفياتي، دفعت بالصحف المركزية للخروج عن صمتها، وبدأت تتعامل مع الأوضاع المستجدة بمهنية عالية، مواكبة الأوضاع الجديدة ومتطلبات الشعب.
ظهور المعارضين الجدد
هذا وفي الوقت الذي حاولت فيه سلطات موسكو السيطرة على المعارضين، ومحاولة إعادة الصحف إلى عملها، كما تعودت عليه في السابق. وجدت السلطات أن المسألة خرجت عن السيطرة، خصوصا عندما رفعت العديد من الصحف سقف انتقاداتها إلى اللجنة المركزية مباشرة!
صحيفة (نيزاغازيتا) واصلت معارضتها الشديدة للزعيم غوباتشوف وتم تغريمها وتوقيفها. كما نشرت صحيفة (سوفيا روسيا) عريضة موقعة من طرف سياسيين بارزين يطالبون فيها الزعيم السوفياتي بالتنحي عن السلطة!
أما الصحفي والمحلل السوفياتي (تريتياكوف) فقد كتب بصحيفة “البرافدا” الواسعة الانتشار مقالا اقترح فيه أسماء شخصيات لقيادة أمور البلاد، وطرح توقعاته بالنسبة لحاضر ومستقبل الاتحاد السوفياتي الذي قد يعرف مشاكل على أعلى المستويات كما قال.
بالساحة الحمراء..
بالمساء كان لابد من أخد قسط من الراحة بمحاذاة الساحة الحمراء وسط العاصمة موسكو، بعد سلسلة من اللقاءات والاجتماعات الرسمية السياسية مع مسؤولين روس..
وأنت وسط الساحة الحمراء، يخيل لك وكأنك في فضاء مفتوح من فضاءات مسرح البولشوي! فلا توجد بحيرة، ولكن هناك البجع من صنف الجمال الطفولي للروسيات الذي يسابق الريح في كل الاتجاهات!
يقال إن أهم إنجاز يفتخر به الروس هو الإبداع المسرحي الأكثر شهرة في العالم: رقصة (بحيرة البجع)، الإبداع الذي يمثل ركنا هاما في الثقافة الروسية، والذي انطلق العمل به مند 130 سنة خلت..
بالساحة الحمراء تتواجد العديد من المعالم التاريخية الهامة، منها مقر الكرملين وكاتدرايية القديس باسيل، وضريح لينين. وتعتبر الساحة بمثابة مركز هام للمعالم الأثرية بالمدينة..
أما المسرح الرئيسي بالمدينة فهو مسرح “البولشوي” ومتحف بوشكين للفنون الجميلة، والذي يعرض أعمال فنانين كبار من الأروبيين….
*إشارة:
الانهيار الكبير لاتحاد السوفياتي حدث يوم 26 دسمبر 1991 عقب إصدار مجلس السوفيات الأعلى الإعلان الشهير الذي تم فيه الاعتراف باستقلال الجمهوريات السوفياتية السابقة، وإنشاء رابطة الدول المستقلة الخمسة عشر، لتحل محل الاتحاد السوفياتي، وبذلك تم الإعلان عن نهاية الحرب الباردة دوليا.