ذهب سعد… وأتى بهاء…
خالد بريش
عندما أعلن سعد الحريري في تموز الماضي، اعتذاره عن تشكيل الحكومة، التي انتظرها أتباعه، ومعظم اللبنانيين، اتضح لكثيرين ما يحمله هذا الاعتذار من تبعات، والذي كان بمثابة بداية نهاية سياسية، ولو مرحلية بالنسبة له.
فمن أوصلهم سعد الحريري إلى سدة الحكم، وساندهم في الانتخابات النيابية الأخيرة، على حساب بعض حلفائه، وقدم لهم تنازلات كثيرة على حساب طائفته، وباسم وحدة الوطن وأبنائه، لكي لا يغرق المركب… هم أنفسهم من مَرْجَحوه، واضعين له العراقيل، مانعين إياه بشروطهم التعجيزية، ومطالبهم التي بلا حدود، من تشكيل الحكومة.
لقد مارسوا معه ابتزازا مُدَوْزَنا، ولعبة تقطيع وقت محسوبة، ومتفق عليها فيما بينهم، بهدف إزاحته من الطريق، ولو بشكل لا أخلاقي، كونه يملك الشعبية الأكبر في بيئته وطائفته، وعابر للطوائف أيضا، وهم بطبعهم لا يحبون الأقوياء، ويطمحون لتنصيب أنفسهم أولياء على الطائفة السنية التي يمثلها، بعدما عملوا على ذلك منذ سنوات، وبشتى الطرق. وقد كانوا منذ البداية، يريدون إيصاله إلى هذه النقطة، ليقولوا له « باي.. باي.. »… لأنهم كانوا يعرفون تماما، أن هناك من ينتظر الإشارة بالتكليف، وعلى أحر من الجمر، بعدما قاموا بطبخه هو الآخر على نار هادئة، وابتزوه حتى الثمالة، إن كان عبر جيوشهم الإلكترونية، أو من خلال بعض الغوغاء المأجورين، الذين كانوا يتجمعون أمام دارته، ويكيلون له بالسباب والشتائم..م ما سمح لهم بأن يملوا عليه كل شروطهم التي رفضها الحريري، ومن قبله السفير مصطفى أديب، بل أضافوا عليها أخرى…
وقد بدأت من قبل إعلان عزوفه بعدة أشهر، حملات جيوش أعدقائه الإلكترونية ببث دعاياتها وسمومها، حول الانتخابات، مركزين على استعداد وجهوزية أخيه، ليكون في مواجهته، حاصرين المعركة الانتخابية القادمة بين الإخوة الأعداء كارامازوف… بينما كانوا يقومون باتصالاتهم، مع بعض الطامحين إلى المجلس النيابي، من فئة النعاج والأرانب، التي على مقاسهم، لكي تكون جاهزة، فتخرج في ساعة الصفر من أكمامهم، مدعومة بحملات دعائية عرمرمية منظمة، وما رأيناه منذ يومين حول أحد المرشحين، عن دائرة طرابلس السنية واحدا منها… وضمن هذه اللعبة، مسموح لهذه الأرانب بالذهاب بعيدا، في تهجمها عليهم، وبشكل شعبوي طائفي مذهبي الخ… لكي تحوز على الشعبية والتأييد في بيئتها، فتقنع كل من يشكك بمقدرتها، في أنها المعارضة القوية، التي بإمكانها الوقوف في وجه حزب وساسة، ابتلعوا الدولة وخيراتها ومؤسساتها…
طل بهاء الحريري، بعد إعلان أخيه الشيخ سعد، العزوف عن المشاركة في الحياة السياسية، وقد رأي كثيرون في إطلالته وعبارات تصريحاته استهزاءا بعقولهم، وامتهانا لهم، وللطائفة التي يريد تمثيلها… فقد أشعرتهم كلماته القليلة، وكأنه ورث المِشْعل عن أبيه، ومعه الطائفة وأبناءها أيضا…! وكأن الموضوع عبارة عن غلمان ومماليك، يرثهم مع متاع القصور…! مما تسبب لكثيرين، بحالة من الغثيان والحزن والغضب، ارتد سلبا على الحريرية السياسية برمتها…
وفي اعتقادي أن الموضوع ليس أكثر من « ذهب سعد… وأتى بهاء… »، وهي جملة ممنوعة من الصرف لدى المواطن الواعي، في مثل هذه الظروف، التي يمر بها الوطن عموما، والطائفة السنية خصوصا، والتي لأول مرة منذ الاستقلال، تجد نفسها بلا ربان… إن عبارة « ذهب… وأتى… »، هي مجرد لازمة في أغنية، لا تحمل في مضمونها شيئا مهما، ككل أغاني هذه الأيام… مفرغة سلفا من عوامل النجاح، وإمكانياته… لأن المرحلة، مرحلة حزب الأمر الواقع، الذي يمسك وحلفاؤه كأخطبوط بكل مفاصل الدولة، ابتداء من تحديد اجتماعات مجلس الوزراء، وانتهاء بأصغر مرسوم تعيين لأحد الموظفين… ويتلاعب بالوطن ومصيره وسياسته الداخلية، والخارجية، واقتصاده، وترسيم حدوده، بلا رقيب أو حسيب، وبما يتفق مع مصالحه الخاصة، ومصالح من يموله ويحرك خيوطه…!
ذهب سعد… وأتى بهاء… وأسئلة تفرض نفسها، بمناسبة هذا المجيء، الذي تم التحضير له إعلاميا، من قبل أعدقاء سعد، أكثر من بهاء والملتفين حوله. وأسئلة كثيرة تطرح نفسها:
– ماذا بمقدور بهاء أن يفعل يا ترى…؟ وما هي المساحة المسموح له أن يتحرك فيها…؟
– هل هو رجل المرحلة، وراح يشيل الزير من البير…؟
– هل سيضع خارطة مشروع تنموي جاد وحقيقي للمناطق السنية، التي تعاني من الحرمان المتعمد منذ الاستقلال…؟
– هل سيعيد عجلة النمو، المرتبطة أصلا بإنهاء حالة حزب الله، وبإحكام الدولة على كل الأجهزة والمرافق…؟
– هل سيأتي بالكهرباء 24 / 24… ويوقف النهب والهدر في مؤسسات الدولة…؟
– هل بمقدوره الإفراج عن المعتقلين السنة في أقبية السجون منذ سنوات، من دون محاكمات…؟
– .. وكمحصلة، ماذا ستكسب الطائفة التي يمثلها، واللبنانيون عامة والوطن بقدومه… نعم الوطن المسكين، الذي يمصون دمه، ويتاجرون به…؟
ذهب سعد… وأتى بهاء… وعلى الأخير أن يعي جيدا أن قوة شعبية أخيه، لم تستطع حمايته يوما، من ساسة يغدرون وضميرهم مرتاح، وينفضون أكفهم من دم يوسف بلمح البصر…! وخير دليل، ما تقيأه أحدهم يومها « وان واي تيكت »، وذلك بعد أحداث 7 أيار، وعندما كان أخوه في لقاء مع رئيس أقوى دولة في العالم، بصفته رئيسا للوزراء، ومن بعدها اتفاق معراب، الخ… وعليه أن يدرك أيضا، وقبل فوات الأوان، من إنهم سيتركونه يقوم ببعض الإنجازات الشكلية والدعائية، التي لن تؤثر بأي حال من الأحوال على مصالحهم ودورهم ومخططاتهم، وذلك ليعطوه شيئا من المصداقية أمام من سيصفقون له، ويكتسب بذلك بعض الشعبية… ويوما بعد يوم، سيقومون بسحب البساط من تحت أقدامه، وبعدها ستكون الكارثة، ولن ينفع حينها الندم…
ذهب سعد… وأتى بهاء… الطامح بقوة إلى تمثيل طائفته، ولا أدري إن كان يعلم، أو لا يعلم، أن طائفته ولبنان الوطن، قد ابتلعته عن بكرة أبيه، فئة لا تمت بالولاء إلى لبنان، ولا يهمها كرامة أبنائه… بقدر ما يهمها لبنان كورقة، يساوم عليها أسيادهم في المحافل الدولية، ويحرزون على حسابه النقاط… ولبنان الوطن في هذه الحالة، ليس أفضل وضعا من العراق واليمن وسوريا… ومن يدري فلربما تلحق بهم دول أخرى قريبا، إذا ما نالت إيران ما تتمناه في مفاوضات فيينا، وغدت بفضل أذرعها المنتشرين في بلادنا العربية، شرطي المنطقة وقرصانها…
ذهب سعد بالسلامة… وأتى بهاء فأهلا به… ولكن ليت الأخير يفكر مليا، قبل خوض غمار معارك طاحنة، قد تدفع ثمنها طائفته ومناطقها، والوطن كل الوطن… وترضي فقط من دفعوا به إلى الساحة، لغايات في نفس يعقوب… وليت المخلصين يهمسون في أذنه، أنه لا يوجد أي نظام في المنطقة، عربي أو غير عربي، يريد لهذا البلد السلامة والعافية مرحليا… لأن الجميع وبلا استثناء، تناهشوا دوره الإقليمي ومنافعه، خصوصا في ظل ما يسمونه « التطبيع »… وأن ما يريدونه اليوم فعليا، علبة بريد مستديمة، وأرضا محروقة، يشنون عليها حروبهم، من أجل مصالحهم، وإرضاء نزواتهم… والأهم من كل ذلك إبعاد النار قدر الإمكان عن بلادهم… طبعا على حساب هذا الوطن واستقلاله، ودم أبنائه الصابرين، ولقمة عيشهم…