كيف انحرف الأكاديميون الجزائريون أمام الإغراءات؟
عبد السلام البوسرغيني
كل شيء يمكن توقعه أمام الإغراءات، لكن احذروا من السقوط في المحظور، يا من يجب عليهم استيعاب دروس التاريخ.
يصح التوجه بهذا القول إلى الرجال الذين يحكمون الجزائر، وقد ركبهم الغرور، وهم يسيرون بالنزاع المغربي الجزائري إلى حافة الهاوية، مثلما يصح مخاطبة الأكاديميين الجزائريين، وتنبيههم إلى أنهم بتأجيجهم للصراع المغربي الجزائري يسيئون إلى الالتزام الفكري والشرف العلمي اللذين يحتمان عليهم عدم مسايرة الحكام في اندفاعهم، دون التفكيرفي العواقب والسقوط في المحظور.
أتيت بهذه المقدمة كي أخلص إلى الحديث عن الإاحرافات والمخاطر التي تكشف عنها النقاشات، التي تبث عبرالشبكات التلفزية ووسائل الإعلام، بمشاركة فئات من النخبتين المغربية والجزائرية، وأحيانا تقتصر على الأكاديميين الجزائريين. وبطبيعة الحال فلم يكن من المنتظر أن يسفر النقاش عن توحيد في الرأى والموافق والآراء، نظرا للظروف التي يمر بها الصراع المغربي الجزائري، والتي توحي بأن قادة الجزائر غير مستعدين للتراجع عن التصعيد المتعمد، مع البحث له عن مبررات ولو كانت واهية ولا تصمد أمام التفكير السليم.
يتقدم الأكاديميون الجزائريون للمساهمة في النقاش بوصفهم دكاترة وأساتذة في العلوم السياسية في أغلب الأحوال. وبالضرورة كان عليهم بحكم تكوينهم وممارستهم وما يستخلصونه من الأحداث، أن يأخذوا بعين الاعتبار ما طرأ على العالم من تحول وتطور، أديا إلى تطور في الأفكار. لكن الملاحظ أن الأساتذة الجزائريين بدا وكأنهم توقفوا في تفكيرهم عند فترة معينة، بكل ما كانت تتمخض عنه من صراعات ونزاعات غذتها الحرب الباردة بين المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي، وتبدو الآن وقد اختفت بعد أن تجاوزتها الأحداث، باستثناء نزاع الصحراء الذي ظل وحده العصي على الحل، بعد أن كانت مساندة المعسكر الاشتراكي قد ذهبت به إلى حد تمكين الجزائر من كسب الاعتراف بكيان وهمي لا شعب له، إلا ما تم جمعه من لاجئين تم ترحيلهم عن طريق الترهيب إلى التراب الجزائري ليشكلوا عنصرا من عناصر المتاجرة بقضية الصحراء.
كثيرا ما تساءلت، وأنا أستمع إلى أفراد النخبة الجزائرية، عن المبررات والذرائع التي تدفعهم إلى التهجم على المغرب، أحيانا بحدة تصل بهم إلى الحديث بهستيرية لا يتحملها النقاش الهادف، ولا يستسيغها التفكير العقلاني السليم، المعتمد على ما علمتنا إياه العلوم السياسية. هناك في الواقع طريقتان لمواجهة المشاكل والمعضلات السياسية والنزاعات مهما كانت معقدة: الدغمائية، التي لا تساعد على التفاهم للتسوية ويجب التخلص من دوافعها، وأهمها الإديولوجيات الجامدة، وهناك البرغماتية، التي تفتح الآفاق لبناءالمستقبل والتمهيد لاستتباب الأمن والسلام.
وهنا أصل إلى ما بدأت به، لأقول إن كل شيء ممكن أمام الإغراءات حتى السقوط في الهاوية. لننظر إلى الوضع الذي عليه الآن الجزائر، التي كانت ستكون بما لها من إمكانيات قاطرة للتقدم، لا فقط بالنسبة للمنطقة المغاربية، بل وأيضا لكثير من أقطار ماوراء الصحراء. لقد كان على الأكاديميين الجزائريين أن لا يتمادوا في مسايرة النظام القائم في ما قدمه السياسيون لهم من إغراءات، وما تمثلت أمامهم من مكاسب اقتصادية واستراتيجية، ظنوا أن بلادهم ستتمتع بها في حالة قيام كيان مستقل في الصحراء المغربية، علما أن هذا الكيان لا يمكن أن يكون له وجود فعلي، في الحالة التي كان عليها الوضع الإقليمي والدولي واستمر إلى الآن، والذي اعتمد أولا في تقييمه على إرادة المغرب في صيانة وحماية صحرائه بعد استرجاعها، وثانيا في اختيار الساكنة الصحراوية التشبث بمغربيتهم، والاجتهاد في تعمير أراضيهم التي شهدت من النمو، ما يضمن العيش الرغيد لمن يعمرها وما يبشر بمستقبل مزدهر لها. وبعد متى سيأتي يوم، وأرجو أن لا يكون بعيدا، لكي يحاسب الأكاديميون الجزائريون أنفسهم على الانحرافات التي ارتكبوها، وعلى وقوعهم ضحية الإغراءات التي أسقطتهم في المحظور. إن ما أعلن عنه رجال النظام في الجزائر وصرحوا به، معتبرين أن قضية الصحراء مرتبطة بالأمن الوطني الجزائري، يكشف عما كانوا قد تخيلوه في وقت من الأوقات بأن الصحراء المغربية أصبحت في متناول أيديهم، وأن المغرب انتزعها منهم، وإذن يجب أن يستمروا في منازعته في أراضيه تحت ذريعة كيفما كانت وبأي مبرر كيفما كان.