يساريون.. حائرون.. يتساءلون
عبد الإله شفيشو *
لربما يتساءل البعض منكم: لما كل هذه الكتابات عن اليسار واليساريين!؟
حينها أجيبكم: لما يتجرد اليسار/ اليساريون من القيم الأخلاقية (الإنسانية، الدينية)، ويصيرون مجرد حشد من الغوغاء بلا هوية واضحة و بدون مُثُل عُلْيَا، هنا قررت أن أدفنهم في كتاباتي لا غير. فهناك أسماء يجب ألا أحتفظ بها في ذاكرتي، ولاحظوا أنني لم أذكر اسم أحدهم، بحيث قررت أن أتركهم بلا اسم، فهنالك أسماء لا تستحق الذكر، صحيح أنا يساري مغرور، وذلك حتى لا أكون يساري محقور، فإذا ما فقدت غروري وكبريائي كانت ستدوسني أقدامهم، في الواقع أصبحت لدي قناعة بانعدام الأمل في هؤلاء الغوغائيين، فقناعاتي صارت تسير في الاتجاه المعاكس، وبسرعة لم يعد ممكنا معها غير انتظار كارثة الاصطدام معهم.
إن ما ينقص من قيمة ومردودية الفعل النضالي في وسط المجتمع المغربي للتنظيمات اليسارية، ليس هو مصداقيتها، بل هو انحسارها داخل فضاءات وصالونات إن صح تسميتها بالأرستقراطية النضالية، وغياب تتبع نقدي يقرأ من خلاله الممارسات والمحطات من موقع مسؤول، وليس من مواقع احتفالية وبروتوكولية، فعدد هذه الأحزاب بالمغرب والتنظيمات يعد برؤوس أصابع اليد الواحدة، إلا أن المشاكل التي تتخبط فيها وتعترض أنشطتها وإشعاعها كثيرة، يمكن حصرها في التدبير البيروقراطي الانتهازي للملفات المجتمعية، وغياب العمل التطوعي في صفوف الجماهير.
فمما لا شك فيه، أن الكثير من المفاهيم والمصطلحات اليسارية صارت منتهية الصلاحية و محدودة الإشعاع والتأثير، لأنه بالكاد أصبح اليسار/اليساريين يقفون على همومها وأسئلتها، بل لا يدرون مواقعها وأحجامها في النسيج سوسيو- ثقافي المغربي، فالنضال في جميع المحطات النضالية لا يمكن أن يكون لحظة عابرة، بل إنه صيرورة تاريخية، واللاتوازن في المصالح يخلق نوعا من التوتر الذي ينتج عنه لبعض الغوغائيين الانبطاح لقوى القمع والظلام. وهذا وغيره يلقي بضلاله على ما يجري داخل الحقل السياسي والاجتماعي وهو ما يتم رصده من خلال الكيفية التي تتمأسس بها هذه المواقف والسلوكيات ، قد يكون هذا الاسترخاء و التراجع مبررا إلى حد ما بما يسمى ” أزمة اليسار” إلا أن الملاحظ انه رغم المحاولات الرامية إلى تغيير ميكانيزمات النضال وآفاقه عبر خلق تكتلات وتجمعات لهذه الأحزاب فان مستوى تفعيل مجمل التوصيات لا تلقى الاستجابة الكافية لدى بعض القواعد بحيث تخضع لانتقائية ولحسابات ضيقة كل حسب مصالحه بل حتى عناصر الأزمة في طبيعة العلاقات ما بين القيادات ظلت تراوح مكانها وتخفي ورائها الكثير من المشاكل والتي أصبح التطرق إليها يعرف نوعا من التوافق ليس على مستوى مناقشتها بل كيفية تفادي الدخول في حيثياتها.
وعليه، لقد أصبح الجسم اليساري ينتظر حدوث انتكاسات و وصول الشارع المغربي إلى حالة معينة من الغليان من اجل التحرك إما عبر شبكة الانترنيت (بيانات، بلاغات…) وفي أقصى الحالات تشكيل لجن للدعم فالاكتفاء بمثل هذه الأشكال من النضال وفي غياب الاحتكاك المباشر مع هموم الجماهير لا يزيد إلا في تعميق الهوة بين الجسم اليساري والطموحات الكبرى للشعب المغربي في التغيير، فإن أردنا وصفا حقيقيا لا مفتعلا ونقف بموضوعية على الأحزاب التقدمية اليسارية وعوالمها يجب الإنصات أولا وقبل كل شيء، إلى أصوات الجماهير كما ترى هي ذاتها اقتصاديا، اجتماعيا، أخلاقيا، ثقافيا، لا كما يتوهم بعض مناضلي هذه الأحزاب، من خلال رفعهم لشعارات جوفاء جامدة وكذا ممارسات أخلاقية تتنافى طولا وعرضا مع السائد، بإيجابياته وسلبياته. صحيح أن هناك مجهودات بذلت وتبذل للإنصات لأصوات هذه الجماهير والدفع في اتجاه تحقيق طموحاتها، لكن الممارسات الشاذة لهؤلاء الغوغائيين تذهب عكس الرياح وتضرب الكل في الصفر.
مجمل القول، إن التمسك بالأدبيات اليسارية ليس هو الداء، بل في ضبط من يتغنى بها ويوظفها في تحقيق مآرب لا تمت بصلة لا من قريب ولا من بعيد بالهم المجتمعي، فالإطارات المحسوبة على الأحزاب اليسارية (نقابات، جمعيات…) تضم في صفوفها غوغائيين (مناضلين)، ينتهكون حقوق الإنسان المغربي في شموليتها أكثر ممن هم خارج هذه الإطارات، بل الخطير في كل هذا هو أنهم يلقون على انتهاكاتهم هذه ترحيبا وتغطية من المخزن، وغض النظر من الأجهزة الحزبية المسؤولة كل حسب أهدافه، فإلى متى سيظل اليساريون حائرون، يتساءلون في هذه الوضعية المرضية؟ أو لم يحن الوقت بعد لوضع أنفسهم تحت المجهر؟
*ناشط حقوقي