الإمام – الخليفة.. في الخطابين الجهادي والإخواني (تداعيات)
عبد الله راكز
1/ في المشروع الأمريكي المتهافت وإدارته للحروب السهلة؟؟:
إنه عبر الثنائية بين نظام “أوتوقراطي” تابع، مستسلم خانع، وبين معارض “ثيوقراطي” عنفي يكفر مجتمعه، أهله وشعبه قبل تكفير الآخر الغربي، يقدم لنا الغرب “الأمريكان” بالتخصيص مشروع سلامهم، ومستقبلهم الشرق أوسطي.
لا خيار للمثقف الوطني، وبالأحرى الآخر “القومي واليساري”؟، سوى أن يلتحق بأنظمته المتهافتة على المستقبل الأمريكي التهويدي المتهافت (من أفغانستان، مرورا بالعراق، دون أن ينتهي بلبنان وسوريا وغيرها)، أوأنه إسلامي رافض إرهابي عنفي، كخطر السلاح النووي على حد تعبير بيريز، علما أن هذا الإسلامي هو الوحيد الذي لا يملك السلاح النووي.
الأهم: هكذا يُقشّر التاريخ العربي (نستعمل هذا المصطلح مجازا)، من كل تاريخه الوطني والقومي “على علاته”، التنويري والنهضوي العقلاني، وتياراته الفكرية التقدمية واليسارية، ليعود إلى لحظة الصفر، معارك وحروب الديانات، وهي معركة خاسرة سلفا. فليس الإسلام اليوم هو المدجج بكل أنواع أسلحة التدمير والفتك الشامل، والغرب يعرف ذلك جيدا، ولهذا فهو يحدد أشكال حروبه السهلة (= مايجري بأفغانستان والعراق وسوريا اليوم).
2/ في اهتمامات الأبحاث المتصلة بمشكلات التراث، الهوية، التنوير، العقلنة والنهضة:
يرى الخطاب ” الإخواني” في الإمام/الخليفة حاكما “مدنيا بحثا “، وكيلا عن الجماعة ويستمد بالتالي سلطته من إقرارها به ممثلة في مؤسسة “الحل والعقد”.
بينما يبرز الإمام في الخطاب “الجهادي” كحاكم ثيوقراطي يستمد سلطته من الله، حيث هو “نائب الله بتعبير أبو الأعلى المودودي. ومن هنا يحل مكان “تفسير القرآن” في الخطاب “الإخواني” تفهيم “القرآن ” في الخطاب الجهادي. وإذا كان الخطاب “الإخواني” يستمد مرجعيته من الأبوة النظرية لرشيد رضا صاحب “المنار” وتلميذ محمد عبده، فإن الخطاب “الجهادي” القائل بنظرية “الحاكمية/ولاية الفقيه” الجهادية،إنما تعود إلى المودودي.
هذه الترسيمة النظرية يُمكن أن يُؤسّس لها عبر الحفر في بنية التيار الإسلاموي الحديث، منذ بداية تكونه في الصيغة الإصلاحية المتنورة عبر منظومة محمد عبده، وتشقّقها إلى تيارين تأويليين متناقضين: التأويل الأصولي الذي عبر عنه رشيد رضا في “الخلافة أو الإمامة العظمى” (1923)، والتأويل “العلماني الإسلامي” الذي عبر عنه علي عبد الرازق في ” الإسلام وأصول الحكم”(1925)، ووجد له امتدادا في موقف عبد الحميد بن باديس من إشكالية “الخلافة”. فالتأويل الأصولي يرى علاقة الإسلام بالمجتمع عبر الدولة (هكذا هو تصور علال الفاسي بالمغرب كمنظر للسلفية الوطنية بالمغرب؟؟)، في حين يراها التأويل “العلماني الاسلامي” عبر الفرد، وعلى هذا فإن مؤسسة أهل الحل والعقد (وهي لم تكن مستقلة أبدا) في الخطاب الأصولي، هي جهاز من أجهزة الدولة، في حين أنها في الخطاب “العلماني” جهاز أيديولوجي من أجهزة المجتمع. وكذلك يجب أن يكون في ظل اشتراطات ضرورية.
3/ في تجليات التناقض بين الخطابين؟:
من تجليّات التناقض المذكور بين الخطابين “الإخواني” و”الجهادي”، موقف رشيد رضا وعبد الحميد بن باديس من وظيفة مؤسسة “أهل الحل والعقد”، ففي حين أن الأول “رضا” يرى وظيفتها في تجديد حكومة الخلافة على القواعد المقررة في “الكتب الكلامية والفقهية”، فإن الثاني “بن باديس” يرى وظيفتها في تشكيل مرجعية” دينية أدبية “. وعلى هذا فالأول يراها في علاقة الإسلام بالدولة، بينما يراها الثاني في علاقة الإسلام بالمجتمع.
لنعد من جديد، لنشدد على التمايزات بين الخطابين (الإخواني والجهادي) اعتمادا على نصوص الجماعات الإخوانية التي تميز بين الدولة الإسلامية، باعتبارها تستمد سلطتها من “الجماعة”، في حين أن الدولة “الدينية” الجهادية الطرح، تستمد سلطانها من “الله”، ولهذا وعليه، فإن الدولة “الدينية” تقوم على سلطة “رجال الدين” أو”الكهنوت”، بينما لا يعترف الإسلام بمفهوم رجال الدين، ولا يعرف هيئة دينية مثل هيئة “الاكليروس”.
وإذن، فإن مفهوم “رجال الدين” في الدولة الدينية “كهنوتي”، في حين أن مفهوم ” الفقهاء” في الدولة الإسلامية، مدني بحت، ولذا فإن الدولة الإسلامية تنفي الوساطة بين المؤمن والله، وتعترف بـ”حرية العقيدة الدينية بالضد من الدولة الدينية”.
هي هكذا تجليات التناقض. والتفكير المتوخى حيالها، حلا للأزمة التي يتخبط بها “كهنوت” السياسة بالمغرب وتونس وغيرها.
وللكلام بقية.