الانتخابات اللبنانية جنوبا: حزب الله يحرم الاقتراع لغير لوائحه

الانتخابات اللبنانية جنوبا: حزب الله يحرم الاقتراع لغير لوائحه

حسين عطايا

لا شك أن انتخابات لبنان المقررة في 15 ماي ـــ أيار الجاري، تكتسب أهمية قصوى في الساحة السياسية، لا سيما في دوائر الجنوب اللبناني، لأسباب عديدة نوجزها بالآتي: 

– اولاً: كونها تأتي بعد “17 تشرين”، أي انتفاضة الشعب اللبناني والتي ساهمت بتغيير المزاج الشعبي، وإطلاق شعارات مضادة لمن يتحكم بقرار السلطة والجنوبيين، أثناء التظاهرات والاعتصامات في ساحات الجنوب، لا سيما في مدن صور والنبطية وبنت جبيل، وغيرها من ساحات مدن الجنوب الكُبرى. 

– ثانياً: على مستوى دائرة الجنوب الأولى، أي صيدا – جزين، ساهمت بتغيير المزاج السياسي الشعبي، وعلى مستوى القيادات والمرشحين، خصوصا  بالقيادة الصيداوية، رئيس التنظيم الشعبي الناصري النائب أسامة سعد مثال على ذلك، حيث بدأت افكاره السياسية تتطور بعيداً عن حليفيه في الثنائية الشيعية، أي حزب الله وحركة “أمل”، وصلت حد التضارب في الخطاب السياسي والممارسات، وكلنا يتذكر ما قام به النائب سعد، على مستوى حماية المتظاهرين والمعتصمين في دوار إيليا، من اعتداءات قامت بها بلطجية الثنائي، كما أنه ساهم بفتح الطريق أمام “بوسطة الثورة” حين أراد حزب الله إقفال طرقات الجنوب ومنعها من الدخول. 

هذا على صعيد بعض الممارسات، أما على مستوى الخطاب السياسي، فقد بدأت عُرى الترابط تتفكك، وقد وصل في موسم الانتخابات الحالي ليُعلن الطلاق الرسمي مع الثنائي وتشكيل لائحة مختلفة عما كان عليه الوضع في انتخابات العام 2018، فالثنائي قام بتشكيل لائحة مضادة للائحة سعد، ولم يكتف بهذا، بل إن حزب الله وجه رسالة للنائب سعد مبطنة بشبه تهديد بأنه سيحرمه من كل الأصوات الشيعية في قضائي صيدا وجزين، وتُقدر بحوالي تسعة آلاف صوت، والتي ستصب بمجملها في لائحة النائب ابراهيم عازار المدعوم من حزب الله ومن قبل رئيس المجلس النيابي نبيه بري. 

هذه الأمور مُجتمعة، فرضت على قيادة الثنائي، لا سيما “حزب الله “، استعمال كل أنواع الأسلحة، بدءاً من المال الانتخابي السياسي، وصولاً إلى حد استعمال الدين كفتاوى وحججٍ شرعية، وهنا لا بد من ذكر أمثلة ثلاث فاضحة وواضحة في استغلال الدين، لحث الجنوبيين والبقاعيين الشيعة على حُرُمة الاقتراع لغير لوائح حزب الله . 

– الأول: كلام السيد ابراهيم أمين السيد، حين قال: “الاقتراع للائحة المقاومة تُعادل الصلاة في المساجد”. 

– المثل الثاني: مقولة رئيس كتلة حزب الله البرلمانية “الوفاء للمقاومة” محمد رعد بأن “المقاومة دِين جديد”. 

– المثل الثالث: دخول المفتي أحمد قبلان على الخط، بإصدار فتاوى تحريم مقاطعة الانتخاب أو الاقتراع بورقة بيضاء. 

هذا إن دل على شيء، إنما يدُلُ على خوف وقلق يقضان مضاجع حزب الله وحليفه حركة أمل، من أمور أكثر أهمية مما جرى في الدورات الانتخابية التي سبقت، مبنية على دراسات وأبحاث تقوم بها أجهزة حزب الله على الأرض منذُ ما يُقارب السبعة أشهر، حول المزاج الشيعي جنوباً على وجه الخصوص، لا سيما لجهة عملية الترشيح وإعداد المرشحين كما تعدد لوائح المعارضة التي ضمت أسماء وازنة من المرشحين المعارضين.

وهنا تبرز خشية حزب الله من أمور عِدة أبرزها: أولها، الخشية من ارتفاع أعداد المقاطعين لعملية الانتخاب، والتي ستُظهر قلة أعداد المقترعين المتوقع أن لا تبلغ عتبة الــ40 في المئة. وهذا برأي قادة حزب الله مؤشر خطير على تراجع شعبيته في الأوساط الشيعية، خصوصاً في حال زادت نسبة المقترعين للوائح المعارضة . 

– ثانيها: الخشية الكُبرى من حصول خرق ما في إحدى الدوائر، لاسيما في دائرة الجنوب الثالثة عن المقعد الارثوذوكسي  مثلاً  أو السني. هذان الأمران يقضان مضاجع قيادة حزب الله، لا بل يُسببان لقيادته قلقاً غير مسبوق.

 على الرغم من كل المعوقات التي تعيشها لوائح المعارضة في دوائر الجنوب الثلاث، وعلى وجه الخصوص الدائرتين الثانية، في صور ــ الزهراني، والثالثة النبطية ــ مرجعيون، وبالرغم من كل الأخطاء والمشكلات التي حصلت وحدثت إبان عملية تشكيل اللوائح، ودخول جماعة “مواطنون ومواطنات في دولة”، التابعة لشربل نحاس، وهو وزير سابق من حصة التيار الوطني الحر ومتحالف مع الحزب الشيوعي، إذ حدثت بلبلة رأى فيها المتعاطون بالشأن السياسي المعارض بأنها أضرت بالمعارضة ترشيحاً ولوائحا،  لا بل خلقت أزمة حقيقية تم تجاوزها بصعوبة بالغة، وأسقطت همم الكثيرين من الناشطين في المعارضة، الذين فضلوا الابتعاد لا بل بعضهم شكل لوائح ثانية خصوصا في دائرة الجنوب الثانية، وقد ابتعدت قوى سياسية فاعلة ومؤثرة عن مسرح النشاط السياسي، الذي تميز عما قبل إعلان اللوائح. 

هذه الأمور، بالإضافة إلى بعض التجاوزات من أحزاب ومجموعات معارضة، ساهمت في إضعاف لوائح المعارضة، والبعض حسم نتيجة ذلك بحتمية خسارة لوائح المعارضة جنوبا، لا.. بل أخرجتها من حلبة المنافسة الجدية والتي كان من المتوقع ان تستغل تغير المزاج الشعبي ما بعد “17 تشرين”، وبالتالي التعاطي مع هذا الاستحقاق بإيجابية وجدية أكثر من ذي قبل. 

 وفي حال لم تستطع لائحة الجنوب الثالثة، “معا للتغيير”، إحداث خرق ما في أحد المقاعد المخصصة للمرشحين “الدرزي أو الارثوذوكسي أو السني”، فستكون النتيجة محبطةً جداً، لا، بل ستُشكل صدمة عنيفة على مستوى المعارضة، والتي ستتطلب عملاً جباراً يتبع العملية الانتخابية لإصلاح ذات البين على مستوى أحزاب ومجموعات المعارضة وإمكانيات مصالحتها مع الجنوبيين، الذين يعتبرون أن أنانية البعض وغباء البعض الاخر، جعلا من هذا الاستحقاق مطيةً لتنفيذ سياسات فردية تُعبر عن أنانيات حزبية ضيقة، كان من المفترض الابتعاد عنها لأنها سببت مقتلاً للمعارضة، لا بل ساهمت بتقسيمها وإخراج بعضها من جدية العمل لفوز لوائح المعارضة الجنوبية. وهنا نخص بالذكر كل من الحزب الشيوعي و”مواطنون ومواطنات” التابعة لشربل نحاس..

Visited 5 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

حسين عطايا

ناشط سياسي لبناني