ليوناردو بادورا: “كان تروتسكي سياسيًا أما ستالين فشخص متعصب ومجنون
إعداد: عمر بنعطية
حسب النقاد، يعد الكاتب الكوبي ليوناردو بادورا (ولد في 10 أكتوبر 1955)، أهم كاتب حي في الأدب الكوبي اليوم. ترجمت رواياته إلى أكثر من 20 لغة، بالرغم من هذا فهو يعيش في الظل، بسبب التعتيم المتعمد من وسائل الإعلام المحلية.
قبل سنوات قليلة، في 2017، كتب المحرر الأدبي في وكالة (فرانس بريس)، أن ليوناردو بادورا أصبح كاتباً في سن متأخرة بعد تجاوزه سن الأربعين، بدافع من “روح المنافسة” كما يقول. ورغم نيله جوائز عدة خارج كوبا، ظل يعاني تهميشاً من وسائل الإعلام الكوبية الخاضعة كلها لسيطرة الدولة، لكن بادورا لا يهتم، بل ينسى أنه أشهر الكتاب الكوبيين في العالم؛ ويعيش كشخص شبه مغمور، برفقة زوجته لوسيا في منزل يحمل اسم والدته: “فيلا أليسيا”. مفضلا الحياة بكوبا على اسبانيا التي يحمل جنسيتها، أو غيرها من بلدان العالم. وقد ذاع صيت ليوناردو بارودا كروائي، إلا أن عمله البارز الذي وضعه في مصاف الكتّاب الكبار، هو رواية “الرجل الذي كان يحبُّ الكلاب”، (حوالي 600 صفحة)، وفيها يروي حكاية نهاية ليون تروتسكي. متحدثا عن نهاية المُثل الشيوعية، وعن سنوات نفي ليون تروتسكي، المهندس الفكري للثورة الروسية ومؤسس الجيش الأحمر، والسعي المميت الذي أدى إلى مقتله من قبل عميل “الكا.جي.بي” رامون ميركادر، كما تكشف عن المذابح الرهيبة خلال عهد ستالين. لهذا تعتبر رواية “الرجل الذي كان يحب الكلاب” نصا أدبيا رفيعا، يكشف عن حقائق غير معروفة عن السياسات القمعية لعصر ستالين وسنوات نفي تروتسكي في بوغوتا وباريس والمكسيك.
عن أجواء هذه الرواية، التي تطلبت من ليوناردو بارودا أكثر من خمس سنوات من البحث التاريخي الدقيق، تحدث الكاتب الكوبي في مقابلة مع مجلة أدبية أمريكية عن سيرته، وقال:
“كطالب، حتى في الجامعة، لم يكن هناك ذكر لاسم تروتسكي. على الرغم من ذلك، فقد وُصف تروتسكي دائما بـ”المنظر التحريفي والخائن السياسي”، بينما تمت الإشادة بستالين، من قام بتصفية الملايين بالقتل والجوع والاضطهاد في الغولاغ، بين عامي 1929 و1932، وأقام محاكمات موسكو، التي أسفرت عن إعدام قادة البلاشفة في الحرب العالمية الثانية. لم تتم مناقشة الأخطاء التي ارتكبت في الحرب العالمية الثانية، وقتل الأطباء اليهود، أو محاكمات براغ. ثم جاءت انتقادات خروتشوف لأساليب ستالين. إن جرائم الستالينية كانت غير معروفة تقريبًا، إلى أن تم فتح أرشيف موسكو في التسعينيات. في الوقت الذي كانت فيه عواقب دور ستالين في الاتحاد السوفيتي معروفة بالفعل في العالم، كون تروتسكي كان فضحها في الثلاثينيات. صحيح أن الكثير من الناس في كوبا أدانوا الستالينية لسنوات عديدة، لكن هذه القضايا لم تتم مناقشتها بالقدر الذي تستحقه؛ وما تعنيه سياسات ستالين، أو النموذج الاجتماعي والسياسي الذي طبقه، في كوبا لم يتم تناول هذه الأمور والقضايا بشكل كافٍ. لهذا السبب تم تلقي الرواية التي كتبتها على أنها من وحي الخيال، لأنه حتى اليوم هذا التاريخ غير معروف هنا”.
بمناسبة صدور الترجمة التركية للرواية هذا الشهر، يسأله فولكان إرسوي، مترجم الرواية إلى اللغة التركية:
– يقال إن ستالين قتل 20 مليون سوفييتي. هل كانت الأمور ستختلف لو استولى تروتسكي على السلطة؟
فيجيب بادورا على السؤال كما يلي:
– ربما سيكون الأمر مختلفًا. لطالما قلت إنه، بالنظر إلى عدد القتلى، ربما قتل تروتسكي مليون شخص فقط: أولئك الذين كان يعتقد أنه كان يجب أن يقتلهم. كان ستالين معتلًا اجتماعيًا، وظل يقتل باستمرار. كان تروتسكي واثقًا، لكن ستالين لم يكن كذلك. كان تروتسكي سياسيًا، وكان ستالين متعصبًا مجنونًا. لكننا لا نعرف أبدًا ما الذي سيحدث بالفعل. نحن نسمي التاريخ ما حدث، وليس ما يمكن أن يحدث في موقف آخر”.
***
ولد ليوناردو بادورا في 10 أكتوبر 1955 في حي مانتيلا جنوب العاصمة الكوبية هافانا، كانت طفولته عادية مثل أي ابن لأسرة ميسورة الحال، الأب يحمل أفكاراً ثورية، والأمّ متدينة ومحافظة، أمضى طفولته وشبابه يلعب كرة البيسبول، في صباه لم يقرأ كثيراً، “كنت ألعب كثيراً، وأقرأ قليلاً، قرأت ما يقرأه كل طفل جول فيرن، وقرصان إميليو سالغاري”. في بداية حياته عمل صحفياً، قبل أن يكتب أولى رواياته التي لم تلق نجاحاً، فقرر التوقف لفترة قصيرة ثم عاد الى كتابة نوع من الروايات شبيه بروايات شارلوك هولمز.
لا يحب ليوناردو بادورا أن يتحدث في السياسة، ولهذا نجده في مقال له بعنوان “أود أن أكون بول أوستر”، يشتكي من سؤاله باستمرار كيف تستطيع العيش في كوبا؟، وفي كل مرة كان يجيب: “ليس لدي أي مصلحة في العيش خارج كوبا لأسباب كثيرة، الأول هو أنني كوبي، وهي بلدي رغم مشاكلها وقيودها ونقصها. أحتاج محيطي من أجل الكتابة. يجب أن أعرف حقيقة واقع بلادي لكي أفسره، وإذا لم يكن هذا كافياً، فأنا أحب العيش في كوبا. وحتى عندما أجد نفسي على خلاف مع ما يحدث أتمنى أن أبقى. أعتقد أنه من حق المرء ألا يكون متفقاً مع كل شيء: أنا أفكر وبالتالي يجب أن أمارس حق التفكير”.
يستيقظ ليوناردو بارودا مثل همنغواي، الذي شغف به وكتب عنه رواية بعنوان “عودة همنغواي”، في ساعة مبكرة، يذهب إلى جهاز الكومبيوتر، يجلس ست ساعات متواصلة، وما أن ينتهي من الأوراق التي كتبها حتى يسلمها إلى زوجته: “زوجتي، عادة ما تكون حادة وقاسية، وهذا ما أحتاجه عندما أكتب”.
في رواية “الرجل الذي كان يحب الكلاب”، نحن أمام كاتب محبط توفيت زوجته، وهو يتذكر كيف التقى قبل ثلاثة عقود على الشاطئ الكوبي، برجل غامض كان يعشق الكلاب السلوقية. وسيقيم معه صداقة حميمة، ومن خلاله يتعرف على حكاية “رامون ميركادر” الرجل الذي قتل تروتسكي.