أفق: درس طه حسين

أفق: درس طه حسين

صدوق نور الدين

1/

ذكرني أحد الأصدقاء وأنا أقضي عطلة اسكندنافية، بذكرى وفاة عميد الأدب العربي “طه حسين”. واللافت أنه أرفق التذكير بنص قصيدة عمودية للشاعر الراحل “نزار قباني” وسمها بـ “حوار ثوري مع طه حسين”. والواقع أن التذكير جعلني أستدعي لحظتين:

الأولى لما كنت أستاذا، حيث حرصت على تدريس القصيدة في الفترة الذهبية من التعليم، يوم كان المدرس حرا في انتقاء واختيار النصوص الأدبية التي يرغب في تدريسها.

والثانية أن النص قلما ذكر في سياق المنجز الشعري لـ”نزار”. إذ تدوول “ديوان العشق” ضدا على “الثورة و الغضب” _ إذا جاز _ لطبيعة التحولات التي عرفتها المرحلة، وما اقتضته من تنفيس على الهزائم العربية المتوالية، اللهم استثناءات من النصوص قليلة.

2/

نشر الشاعر “نزار قباني” قصيدته “حوار ثوري مع طه حسين” في كتيب صغير ضم قصيدة ثانية حملت كعنوان “ترصيع بالذهب على سيف دمشقي”. والواقع أن ما يوحد النصين الصيغة والمادة. فالصيغة تتمثل في الكتابة العمودية التي أعتقد جازما أن الإجادة في كتابة القصيدة الحديثة لا يمكن تحققه دون التمكن من الكتابة العمودية، وأتمثل تجارب: “محمد مهدي الجواهري”، ” عبد الوهاب البياتي”، ” سعدي يوسف”، ” محمود درويش”، “احمد عبد المعطي حجازي”، “مريد البرغوثي” و”أحمد المجاطي”. وأما المادة فيجسدها الحنين. الحنين إلى زمن “طه حسين” ، ثم إلى دمشق حيث تستعاد الذات في أدق مراحلها.

3/

يستحضر “نزار قباني” في هذه القصيدة، شخصية العميد، عبر حوار يتمرأى فيه صاحب المرايا في زمن الفقدان والحاجة. إذ _ و بقدر ما _ يرثي غيابه مشيدا بجواهر مؤلفاته، يتحسر على ما انتهت له/ إليه الحالة العربية من ترد وتراجع وتخل عن قيم التنوير والعقلانية. فـ”نزار” في هذه القصيدة يرى بأن “طه حسين” لم يكن أعمى، وإنما “جوقة العميان” تتمثل فينا أساسا. ذلك أن ما دعا إليه منذ زمن لم يتمثل، ولم يجرؤ على تطبيقه في أبرز سماته ومظاهره العقلانية ليتم السقوط في العمى العربي
“ارم نظارتيك ما أنت أعمى/ إنما نحن جوقة العميان”.
وحتى يستدل “نزار “عن فظاعة السقوط يستحضر بروح الناقد فيه بعض مؤلفات “طه حسين” داعيا إياه، وبالتالي نحن القراء، إلى تجديد الحوار وهذا المنجز الأدبي الدائم الحضور

“ما علينا إذا جلسنا بركن/ وفتحنا حقائب الأحزان”

“وقرأنا أبا العلاء قليلا / وقرأنا (رسالة الغفران) “.

وأرى بأن قوة الاستحضار تبرز لما يلفت “نزار” نظرنا إلى الخاصات التي تفردت بها سيرة “الأيام”:

” في كتاب الأيام نوع من الرسم/ وفيه التفكير بالألوان”.

وهو ما لم ينتبه له /إليه النقاد الذين تناولوا بالتحليل والنقد هذه السيرة المتجددة بتجدد الزمن  والقراءة.

وإذا كانت الحالة العربية  بكافة بنياتها _ كما سلف _ انتهت إلى ما انتهت إليه، فالحاجة إلى النموذج، إلى درس “طه حسين” تظل فارضة ذاتها في سياق الإخفاقات المتواصلة التي تبين عن كون الأسئلة المطروحة منذ أمد، لم تعثر على الإجابات المقنعة والحلول الملائمة لجملة الإشكالات المطروحة

“عد إلينا فإن ما يكتب اليوم/ صغير الرؤى..صغير المعاني”،

” أيها الغاضب الكبير..تأمل/ كيف صار الكتاب كالخرفان”.

Visited 48 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

صدوق نور الدين

ناقد وروائي مغربي