في صلاح البطانة صلاح لأمور الوطن..
مصطفى الساحلي
الأوطان لاتبنى باليأس والتيئيس، ولا تستقيم أمورها بالارتجالية وإخضاع السياسات للأمزجة المتقلبة والمصالح الضيقة والأنانيات، التي شعارها كيفما كانت إيديولجيتها ودينها “أنا وبعدي الطوفان” بصيغة المفرد والجمع…
فأن ينصب البعض من أصحاب ديننا أنفسهم كأعداء ومعهم “رهط” من الفاسدين الذين فهموا الرسالات السماوية على نقيض قصد ومراد الله منها، ويشبههم من ديانات أخرى “حَشْد” مثلهم بسعيهم الحثيث في صباغة الحياة بالسواد والدماء والتهور وكل أنواع الكراهية.. فكل جهة تكفر الأخرى لأنها ليست على دينها وملتها، بل ويحرضون حتى على قتل المخالف لهم من مذهب دينهم، ويتسلطون لفرض الوصاية عليهم والتحكم فيهم، فلكل منهم شهداؤه وصلحاؤه وحكماؤه، فكيف لكل هؤلاء وأولئك بإيعاز من بطانة فاسدة مشيطنة تشحنهم بالحقد والكراهية وتفسد عليهم أمور دنياهم وأخراهم، لأن الله لم يأمر قط بالإساءة للناس والإفساد في الأرض بكل أنواعه بما فيه الإكراه في الدين والعنصرية والطبقية الاستعبادية والتهجم المتحامق على معتقدات الآخرين.. قال تعالى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) – سورة الأنعام، وقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ (ص) لِأَصْحَابِهِ: ” قُومُوا فَصَلُّوا عَلَى أَخِيكُمُ النَّجَاشِيِّ”، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: يَأْمُرُنَا أَنْ نُصَلِّيَ عَلَى عِلْجٍ مِنَ الْحَبَشَةِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) – سورة آل عمران.
كما أن الدول وهي تضع تشريعات وقوانين تهم شعوبها يفترض فيها أن تسنها بنفس وجوهر الأعراف الإنسانية الراقية، التي تقوم أسسها على كل ما هو جميل ورائع ومفيد من العلوم الإنسانية والبحوث العلمية الرصينة والمذاهب الفكرية والتوجهات الدينية.. حيث من الواجب أن تكون غاياتهم هي البحث عن أقرب وأنجع السبل للتقدم بالوطن والشعب، من الأفضل إلى الأرقى حتى يكونوا قدوة صالحة وعاقلة أمام كل الحضارات والشعوب في العالم، هذا إن كانوا ومعهم بطانتهم عادلين وأصحاب مبادئ سليمة وديموقراطية ومحبـين للمصالح العليا للبشرية، أما إن كانوا سواء يفكرون في أنفسهم وحاجاتهم ومنافعهم وحدهم، وينتهزون كل فرصة لتنمية ثرواتهم الخاصة ويغيروا أوضاعهم على حساب الآخرين، لا يأبهون لآلام وفاقة وعوز وعذاب غيرهم بترويج وعود تذروها وتفرقها الرياح كالهشيم، مع إلهائهم بقضايا وحكايات وأخبار تشتت وعيهم وتحبط هممهم وتعطل بذلك مستقبل تقدم وطنهم، فالتلاعب ببث الأمل في النفوس ربحا للوقت، ولجعل الناس يستأنسون بأحوالهم التي لاتسر عاقلا يتسبب في فقد الناس الثقة في الجميع، حتى المتحدثين الصادقين المستطيعين للعمل بصدق وإخلاص…
أما أم المشاكل فأن يسعى “الطَّغَام” من الناس للبحث عن بطانة مهمتهم موافقة أهوائهم وتشجيعهم والقيام بكل شيء كان مشروعا أو غير مشروع ليحققوا غاياتهم وأهدافهم، التي قد تكون متضاربة مع المصالح والغايات العامة للناس والدولة، وذلك عندما تتاح لهم فرصة “للتسلق” أو لتقلد مسؤولية لها علاقة بالشؤون السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو…، فهذا النوع من البطانات المتنقلة والمتحورة وفق مصالحهم التي تبنى على أنقاض مصالح الآخرين، تسعى باستمرار لتخدم من “يستخدمها ” لتنتزع إعجابه وعطاءه بطموح أن تكون في المقبل من الأيام أو السنوات قائدة لقطيع مثلهم بعد انتهاء صلاحية “مسيسهم” ومن يملي لهم ممن لايحسنون الصيد إلا في الماء العكر، و يأكلون الثوم وينشرون الضلالات بأيدي وأفواه من لايملكون ضميرا وروحا صالحة، وفي أمثالهم قال الرسول الكريم: “… ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم – أو قال: على مناخرهم – إلا حصائدُ ألسنتهم” رواه الترمذي، فأين مصلحة الدولة، الشعب، الوطن من بعض الأصناف البشرية، إنهم يضيعون أزمنة الديموقراطية والتقدم ويشوهون قيم ومسارات العدالة الاقتصادية والاجتماعية، إنهم ينشرون ثقافة البؤس السياسي التي تختزل في جعل الناس عرضة للتجهيل والتسطيح، وربط الاختيارات والقرارات بالمصالح الريعية التي لا تبنى بها الأمم والحضارات، إن تكرار هذا العمل لأكثر من مرة في كل عقد يلزمنا جميعا أن نفكر ونعمل بجد، لوضع استراتيجيات تهتم بمحاربة أخطر أنواع الإدمان بتأهيل وتربية هؤلاء وأولائك بالعقوبات البديلة التي تلزمهم بالعمل التطوعي لخدمة الشعب ميدانيا، بعيدا عن أية مسؤولية بكل مؤسسات الدولة، والقطع مع الانتهازية والمحسوبية والزبونية وكل ما لا يقدم وقت الإقدام ولا ينقذ وقت التأخر والتعثر، وعلينا جميعا أن نرفع الشعب إلى المكانة التي يستحقها فعلا وقولا، كما نص الدستور من جهة، وكما أرادته كل الشرائع والفلسفات التي تؤمن بكرامة الانسان ومكانته في الأرض، التي تحمله مسؤولية عظمى ليسير ويدبر بنزاهة وصدقية وإخلاص إدارة إقرار وتنمية الحياة الكريمة فيها، التي هي حق كل الشعوب بأجناسهم ودياناتهم ومعتقداتهم، ذلك لأن الأرض للناس كافة.. فالصراع على التحكم فيها وفي ثرواتها من طرف لوبيات بطانات السياسات الدولية أفسد الاستقرار، ونشر الفتنة والتوتر والابتزاز في مختلف المناطق التي تمتلك ثروات، وتتواجد في مناطق استراتيجية وعطل وعرقلة نمو غالبية دول العالم الثالث والسائرة في طريق النمو…
قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) – سورة النساء.
قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) – سورة المائدة.
– الطَّغَامُ : أَرذالُ الناس وأَوغادُهُمْ .
تارودانت : الخميس 12 ماي 2022./ 10 شوال 1443 هج.