هزلت…
صدوق نور الدين
أصدر الكاتب والصحافي الراحل رياض نجيب الريس (1937/2020) مجلة الناقد بين (1988/ 1995) من العاصمة البريطانية لندن. وضمت حينها لفيفا من الأدباء والكتاب والفنانين (الخوارج). أذكر من هؤلاء: أنسي الحاج، الليبي الصادق النيهوم، الذي أثارت مقالاته جدالات لم تنته، فواز طرابلسي، زكريا تامر، صادق جلال العظم، يوسف الشاروني، محمد الماغوط، عبد السلام العجيلي. وتوسعت دائرة اللفيف: إدوار الخراط، ألفريد فرج، محمد زفزاف، بوزيد حرز الله وغالي شكري.
كانت المجلة الشهرية متنوعة، وخصت أعدادا لملفات وقضايا أدبية وسياسية، مثلما كشفت جانبا من علاقات الأدباء متمثلا في أدب الرسائل.
وازى رياض نجيب الريس في هذا المسار بين إصدار المجلة والكتب الأدبية والفكرية والسياسية. ومما أذكره – وإلى اليوم – نشره للجزء الأول من السيرة الذاتية للراحل جبرا إبراهيم جبرا “البئر الأولى”، فيما نشر الثاني “شارع الأميرات” بـ”المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ بيروت”. وكنت نشرت متابعة نقدية عن الجزء الأول أعلن عنه الراحل على غلاف أحد أعداد مجلة الناقد. بيد أن ما لم أكن أتوقعه مكافأته لي بمبلغ قيمته: 150 دولارا.
ولعل ما يمكن إضافته، تتويج الراحل رياض لهذه الرحلة الفريدة، بإعلان جائزتين باسم مجلة الناقد: جائزة يوسف الخال للشعر، وجائزة الناقد للرواية العربية. ومن المفارقات أن كان الفائز في الدورة الأولى للرواية بنسالم حميش عن روايته “مجنون الحكم” (1990)، فكانت هذه الجائزة هي التي أطلقت اسمه روائيا، ولئن نشرت له لاحقا بعض الروايات التي لا ترقى إلى مستوى تجربته الأولى، كمثال “سماسرة السراب” (1995) و”بروطابوراس ياناس” (1998)، في حين مرت روايات أخرى من دون صدى “امرأة أعمال” (دار الشروق/ مصر) و”الراوي والمتجردة” (الدر المصرية اللبنانية/ مصر). و أذكر أن الناقد والروائي محمد برادة كان ضمن لجنة التحكيم، إلى الراحل والمترجم السوري جورج طرابيشي.
على أن فكرة جائزة مجلة الناقد للشعر والرواية، لم تكتمل بعدما اتضح أن الأعمال المتوصل بها لم تعد ترقى إلى المستوى المطلوب. وهو ما دعا رياض نجيب الريس إلى نشر افتتاحية أحد أعداد مجلة الناقد موسومة بفعل “هزلت”. وينعى فيها غياب الأعمال الأدبية القيمة التي ترقى إلى مستوى الجائزة مثلما تحيل على الانحدار والسقوط الأدبي والثقافي.
والواقع أن رؤية رياض نجيب الريس لم تكن لتنحصر في مرحلة التسعينيات، وإنما هي التجسيد الاستشرافي لما نراه اليوم ونتابعه في سياق صمت أشبه بالتواطؤ. إذ تستوقفنا ظواهر ثقافية غير مألوفة، ومفارقات لم يكن أحد يتوقعها. واللافت أن من ترتبط بهم هذه الظواهر والمفارقات يتوهمون بأنهم يسيرون على الطريق الصحيح، وأن الخجل و الحياء لا يملك اليد التي تطرق الباب لتقول كفى أعيدوا النظر فيما أنتم فاعلوه.
لقد ابتدل مفهوم الثقافة وأصبح مقترنا بالفساد والريع، ومثله الأدب على السواء. إذ انتهى الزمن الثقافي الأدبي في المغرب تحديدا، زمن الندوات الكبرى والمؤتمرات الصدى، إلى الأسماء القوية التي تفرض احترامها أخلاقا وسلوكا ومعرفة وأناقة. وغدونا / غدوت بالضبط أعتاش على الماضي في حاضر مطبوع بالانتكاس والتفاهة، حيث تستوقفك أسماء من دون أي صدى، بل إن منها من لم يعد يثبت حضوره ولو بمقالة في السنة. والمفارقة أن تجد هذه الأسماء مشاركة في ندوات بعضها دولي وضمن لجان للحكم والتقييم. في الآن الذي يقتضي أن توضع جهودها – إن امتلكتها – في ميزان النقد الجاد والموضوعي.
من ثم فإن مثل هذه الأسماء لا تعكس التمثيلية الحقة للثقافة المغربية والأدب المغربي الحديث. التمثيلية التي أسهم في بنائها وترسيخها الجيل المؤسس الذي يواصل عن قناعة واقتناع إغناء المكتبة العربية على تباين وتفاوت المستويات، دون الغفل عن إسهامات مبدعين من الجيل اللاحق، ولئن كان معظمه خلد إلى الصمت، وكأني به تعب من ركوب حصان الكتابة والتأليف.
يبقى القول بأن ما عبر عنه الصحافي والكاتب الراحل رياض نجيب الريس، يجسد أصدق توصيف لراهن الوضعية الثقافية بالمغرب.