الوعي السياسي عند المرأة اللبنانية: دفن الرؤوس لا ينفع
د. جورج سعد
شبه إجماع على أن قوانين الأحوال الشخصية في لبنان هي ظالمة بحق المرأة ولكن هي ظالمة أيضا بحق الرجل، تبعا للمذاهب. القضايا صارت مطروحة ومعروفة، مثلا: قضية ليليان شعيتو التي أصيبت في انفجار المرفأ وتم منعها من السفر للعلاج، موقف المحكمة الجعفرية الظالم، كان حرمان طفلها من زيارتها في المستشفى، وبالطبع أحكام الزواج المدني هي دون شك أكثر عدلا وإنصافاً ومساواة.
شاهدنا وقرأنا صرخات: “الفساد تحت العَمامات”، شعارات ترددت في الاعتصام الذي نفذته الحملة الوطنية لرفع سن الحضانة لدى الطائفة الشيعية، ملاحقة القاضي بشير مرتضى الى منزله. في قضية حرمان عبير خشاب من حقها في رؤية طفليها التوأم. وهناك مسائل قانونية عديدة: منح جنسية المرأة المتزوجة من أجنبي لطفلها. والسؤال متى سنجد حلا لهذا الوضع اللاإنساني بامتياز.
طائفة الأب تنتقل إلى المولود لدى مأمور النفوس منذ ولادته لماذا؟ فليفكر كل رجل بأن اسمه سيختفي عند زواج ابنته.
القضاة اللبنانيون يصدرون أحكاماً باسم الشعب اللبناني وهم يعملون قوانين أجنبية، كالقانون القبرصي والتركي والفرنسي، أي انفصام قانوني هذا تحكمه ازدواجية المعايير؟
لبنان، لحسن الحظ، ليس دولة دينيّة أو طائفيّة بالمعنى الدستوري للكلمة. (وبالتالي المجال مفتوح أمام الاجتهاد). هناك أكثر من 21 مشروع قانون في “جوارير” المجلس النيابي حول الزواج المدني، زواج خلود ونضال كان فاتحة عقد الزيجات المدنيّة في لبنان، ارتكز على شرط شطبهما الإشارة إلى القيد الطائفي في سجلات النفوس. حيث استندت وثيقة زواجهما إلى أحكام القرار 60 ل.ر. المدنية. ولكن النصر كان لنصوص وضعية تتفوق. لأننا لم نجد قاضيا جريئا يلوي النص القانوني بعض الشيء لأسباب إنسانية، ويمنح التفوق للاتفاقيات الدولية (المادة 2 من أصول المحاكمات المدنية اللبناني)، جون قزي خير مثال عن القاضي الجريء التغييري.
عنونت “هيومن رايتس ووتش” تقرير لها «لا حماية ولا مساواة: حقوق المرأة في قوانين الأحوال الشخصيّة اللبنانيّة». ووصفت هذه القوانين القائمة على الديانة بالتمييزيّة ضدّ المرأة، وفي كل الطوائف الدينيّة البالغ عددها 18 من دون استثناء. واعتبر التقرير أن هذه القوانين لا تضمن حقوق المرأة الأساسية، وتضع حواجز أمام السيدات الراغبات في إنهاء زيجات تعيسة أو مسيئة.
15 قانوناً منفصلاً للأحوال الشخصيّة للطوائف المُعترف بها، في ظل غياب قانون مدني يساوي بين الجميع. كل هذا يفرق بين اللبنانيين. وقانون موحد مدني للأحوال الشخصية هو الحل المنشود وهو قادم لا محال، لو بعد حين.
الفساد يتجسد في التحايل على القانون في المحاكم الدينية.
في إنجيل متى: “لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ”.
هذا غير صحيح، هناك هجر وطلاق وفسخ وصريخ يومي وتغيير دين للإفلات من سجن الزواج المفروض باسم الدين، حتى على غير المؤمنين. المحاكم الروحية لا يمكنها إقرار الطلاق، لذلك تتحايل وتوارب وتعمل قواعد الفسخ معتبرة أن الزواج أصلا لم يقم، الفسخ هو إعلان بأن الزواج كان باطلاً وقت تبادل النذور.
وهناك لائحة أسعار متل بالمطاعم، من يدفع أكثر يطلق، عفوا يفسخ عقده، وعندما تتيقن المحكمة أن هذا الشخص يستأهل الطلاق (المحكمة أو المحامون خاصة) لأنه مليء تروح تبحث له عن سبب فسخ، وفيما لديه أولاد يمكن أن يجعلوا منه عاجزا جنسيا، أو أي سبب آخر للفسخ: أنه كان صغيرا جدا، أو متزوجاً من أخرى، أو كان يفتقد القدرة النفسية على تحمل الالتزامات الأساسية للزواج، أو حتى غياب أحد الشروط الشكلية “شكل الاحتفال بالزواج”.
حتى الكرسي الرسولي في الفاتيكان “زعلان كتير من خوارنة لبنان”، لم يعد يحتمل أخباراً إضافية عن المحاكم الروحية اللبنانية التي تسبّب شرخاً روحياً بدل اللحمة، ثمة تفكير جدي بفتح مكتب للمحكمة الفاتيكانية في السفارة الفاتيكانية في لبنان، حتى يتمكن مَن لا يملك كلفة السفر والترجمة من أن يرسل ملفه ليحكم فيه قضاة نزهاء، فيما هنا القاضي هو نفسه الخصم والحكم، وحرام نشغل الكرسي الرسولي بهذه الأمور، خاصة في موضوع قرارات قضائية لا تحصى ضد رجال كهنوت كبار فرنسيين وأوروبيين متهمين بالتحرش بالأطفال (ولا ننسى الجرائم الجماعية المرتكبة منذ سنين، وهي موضوع تحقيق اليوم لا سيما في ايرلندا). أنا لا أفتري على أحد ضعوا على الغوغل عبارة abus sexuels dans l’église وسترون ما يذهل.
الوعي السياسي للمرأة اللبنانية إذا كان تجلى في الانتخابات الأخيرة عبر وصول عدد من النساء الى قبة البرلمان وترشيح عدد كبير منهن، الملاحظ أيضا أن عددا كبيرا من النساء لم يتميز عن جحافل المطبعين، مش مع إسرائيل بل مع المنظومة الحاكمة والمطيعين لها، بل هن شكلن عامود ارتكاز لها في هذه الانتخابات. والغريب أن الوعي السياسي قائم، ولكن لا حول ولا قوة في دولة غائبة، لا توفر الحد الأدنى من الضمانات، بل تحتقر وتذِل شعبها أمام محطات الوقود والأفران. من الطبيعي في هذه الحالة، أن الناس، رجالا ونساء، واعين أم غير واعين سياسيا، من الطبيعي أن يستلزموا، أن يطبلوا ويزمروا بل أن يحملوا على الأكتاف من يطعمهم ويلبسهم ويدخلهم المستشفيات ويدرس أولادهم، والله لو أفلاطون كان هنا، من لبنان، وكارل ماركس العظيم، سامحني يا أبتاه، لكانا صوتا، على الأرجح، للمنظومة الفاسدة لأنها على تعاستها تحل محل دولة غير موجودة أصلاً، لا الآن ولا في السابق خاصة. وهذه المنطقة تشهد على ما أقول، والمرأة هي من هذا الشعب الذي يعاني.
في الختام، انا متفائل، لن تبقى الأمور على حالها. طالما ثمة وعي سياسي واجتماعي واقتصادي، الوعي كالكورونا عدوى تسير ولا شيء يوقفها، الوعي كالكورونا ولكن بخلاف هذا الوَباء لا تنفع الكمامات، ولا دفن الرؤوس كالنعامات، التحول آت، التغيير آت، بعلبك السبعينيات المنفتحة، البيضاء، المنورة على العالم، بعلبك الاحتفالات العالمية، بعلبك المطاعم والرقص والعرق الزحلاوي والحياة، راجعة لا محال.
* القيت في ورشة عمل نظمتها جمعية “قضية نسوية” بالتعاون مع “مجلس بعلبك الثقافي” و”جمعية دار البرّ اللبنانيّ”، بعنوان “الوعي السياسيّ للمرأة: مقاربة قانونية – سيكولوجية” (بتاريخ 25 يونيو 2022).