نصف قرن على انشقاق أكبر حزب معارض في مغرب السبعينيات
ذكرى انتفاضة 30 يوليوز1972
عبد الرحمان الغندور
تحل ذكرى مرور 50 سنة على الاجتماع التاريخي للجنة الادراية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية بتاريخ 30 يوليوز 1972. وتحل هذه الذكرى في ظرفية دقيقة من حياة الوطن والمواطنين والانهيارات العميقة التي لحقت بالفعل السياسي النبيل، والأحزاب التي رفعت شعار التغيير، والتغول المفضوح للوبيات زواج المال بالسياسة والتي رهنت حياة الناس لمنطق النهب المتوحش عن طريق التحكم في مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية.
لا أحد يستطيع التشكيك اليوم في أن تدبير المغرب الآن يستمد آلياته من مرجعيتين:
- مرجعية سرية، تخطط وتبرمج في الخفاء، تقودها لوبيات لا هم لها إلا حماية مصالحها التي لم تفتأ تتنامى بفضل الاقتصاد الريعي المهبمن لمؤسسات فوق الدولة والقانون، محسوبة على جهات تملك سلطة القرار الاقتصادي ولقرار السياسي ولا يتغير سلوكها مهما كانت المتغيرات السياسية والقانونية مثل دستور جديد أو تشريعات جديدة، لأنها تمتلك قدرة فائقة على التكيف والتحايل و المناورة.
- المرجعية الثانية، وهي من أوكلت لهم “صناديق الاقتراع” تدبير الشأن العام في ظل الدستور الجديد. وهي رغم “شرعيتها الانتخابية” تخضع في جزء كبير من تدبيرها للمرجعية السرية، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتدبير الملفات الإستراتيجية . أما الجزء الآخر من التدبير فيخضع لمنطق التدبير المقاولاتي الذي يهدف إلى تقوية هامش الربح لمصنوعات الوضع السياسي الراهن، عن طريق التحكم في منطق الريع وتوظيفه بالشكل الذي يزيد من تمييع العمل السياسي وإغراقه في شعبوية فاضحة ومفضوحة لا تتجاوز المزايدات الخطابية و ملئ هوامش النقاش بموضوعات لا أثر لها على حياة الناس إلا من باب المزيد من تأزيم سبل العيش الكريم. وهذه المرجعية تساهم بهذا التدبير المزدوج في طمس “الهامش الديمقراطي” البسيط الذي حدده دستور 2011، وذلك بخلق أعراف تطبيقية (التنزيل) لبنوده تفرغه من كل نفحة ديمقراطية، وتعيد أمر تدبير الشأن العام اقتصاديا واجتماعيا و ثقافيا إلى المرجع الوحيد والأوحد الذي ساد منذ الاستقلال.
أما بالنسبة للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي تعنيه ذكرى 30 يوليوز 1972 مباشرة، فلا أحد يشكك في أن وضعيته منذ ما سمي بالتناوب التوافقي يطبعها فقدان الرؤية وغياب الفكر التحليلي الذي يحدد الرؤى والأهداف. إلى جانب فقدان الأداة الفاعلة والقادرة على ترجمة وتحويل النظريات والأفكار— إن وجدت — إلى مشروع مجتمعي مرتبط بعمق المعنيين به من فئات اجتماعية كانت دوما تشكل المكون الأساسي لهويته البشرية (عمال، فلاحين وتجار صغار ومتوسطين، فئات وسطى، شباب، نساء، مثقفين متنورين…الخ) وكل هذا أدى بهذا الحزب حتما إلى فقدان الممارسة السياسية الجريئة القادرة على خلق الحدث وتجاوز ثقافة التعليق على الهامش، وطرح ما ينبغي طرحه من قضايا تهم الوطن والمواطنين ، بالقوة التي تجعل هذه القضايا هما جماهيريا قادرا على تعبئة وانخراط عموم المواطنين والمواطنات ودفعهم إلى النضال من أجلها بالوسائل التي يكفلها القانون وأعراف الممارسة الديمقراطية.
تحل ذكرى مرور 50 على “قرارات 30 يوليوز 1972” لنطرح على حزب القوات الشعبية وكل أطياف اليسار، سؤالا من وحي الذكرى ووحي الواقع، خاصة والجميع يعاين ما آل إليه الواقع السياسي المغربي من انحصار وانغلاق واستغراق في التفاهة والرداءة، وتزايد في سياسات التفقير الممنهج اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وأخلاقيا. وانخراط حزب القوات الشعبية في هذه السياسات بإغفال تام لمرجعياته وماضيه.
السؤال الذي يفرض نفسه هنا و الآن، و بعد أربعين سنة من الانطلاقة الجديدة لحزب القوات الشعبية :
ما الذي تحقق على مستوى الحزب والوطن؟
لا يمكن لتحليل فرد أو جماعة أن يجيب على هذا السؤال، لا سيما أنه سؤال التاريخ بامتياز، حيث تتفاعل مكوناته الزمنية الماضية والحالية وتتعارض الرؤى سواء لدى الباحثين أو الفاعلين وهو تعبير عن تعارض واختلاف مواقع الرؤية ومواقع الفعل. ولذلك فما سنعرضه ليس إلا مقدمة اختزالية من موقع الانخراط النضالي الذي عايش خلال الخمسين سنة الأخيرة، مختلف التفاعلات التي عرفها حزب القوات الشعبية.
لقد شكلت “قرارات 30 يوليوز 1972” جوابا على سؤال تلك الحقبة، حيث كانت مقررات وآليات حزب القوات الشعبية معطلة منذ المؤتمر الثاني (1962) بعد المصادقة على التقرير المذهبي الذي قدمه المرحوم عبد الله إبراهيم، وتهميش الاختيار الثوري الذي أعده الشهيد المهدي بنبركة. حيث برز اتجاه تبريري متواطئ مع مخططات النظام المخزني والذي قاده ما سميناه بالجهاز البيروقراطي البورصوي المشكل لقيادة الاتحاد المغربي للشغل… كما برز في نفس اللحظة إتجاه “ثوري بلانكي” ستسلط عليه كل أدوات القمع من طرف أجهزة النظام القمعية من جهة، ومن طرف الجهاز النقابي من جهة ثانية…. ومن هنا جاءت “قرارات 30 يوليوز 1972” لتحقيق شرطين أساسين: يهدف أولهما إلى إعادة بناء الحزب، و يهدف الثاني إلى الحفاظ على وهج الاختيارات الثورية التي كانت في حاجة إلى المزيد من الوضوح والتدقيق ، خاصة أن الخطأ الثالث كما صاغه الشهيد المهدي ينص على “عدم الوضوح في مواقفنا الايديولوجية وعدم تحديد هوية حركتنا“.
لقد شكلت “قرارات 30 يوليوز 1972” والمؤتمر الاستثنائي الذي سيكون تطبيقا لها بعد ثلاث سنوات حدثا مفصليا في التاريخ المغربي المعاصر، سواء بالنسبة للحزب أو الحاكمين، فهي جاءت بعد أقل من عقد ونصف على ما يسمى بالاستقلال، الذي لم يحقق للمغاربة بأغلب شرائحهم ما كانوا ينتظرون منه، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. كما سمحت هذه المدة بتشكل منظومتين متعارضتين متناقضتين. لكل منهما إطارها المرجعي الفكري والقيمي، والأدوات والوسائل، التي تدبر بها صراعها مع الأخرى.
فمن جهة أولى تشكلت منظومة النظام الحاكم، التي نطلق عليها “المخزن” بمرجعيته الدينية والاستبدادية والاستغلالية والاحتكارية. وبأدواته الأمنية والقمعية من جيش ودرك وقوات مساعدة وجيوش مخابراتية، وبتنظيماته السياسية التي تجمعت في جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية، وبطريقة حكمه القائمة على إلغاء وتصفية كل الأصوات المعارضة، بجميع الوسائل التي تراوحت بين الاغتيال والتصفية والاختطاف والاعتقال والمحاكمات الصورية والحرمان من الأرزاق.
ومن جهة ثانية تشكلت منظومة معارضة، جمعت خليطا غير متجانس، شمل ما تبقى من المقاومة وجيش التحرير والطبقة العاملة ممثلة في الاتحاد المغربي للشغل ومجموع المستضعفين ضحايا الاستقلال الشكلي، من فلاحين وتجار صغار ومتوسطين وعاطلين، يساندهم بقوة فئة المثقفين المتنورين المشبعين بالفكر الثوري التحرري السائد في تلك المرحلة. وقد كان المعبر السياسي عن هذه التركيبة يتجلى في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بكل التوجهات المتواجدة فيه، وحزب التحرر والاشتراكية الذي سيغير اسمه بعد الحكم بحله باسم حزب التقدم والاشتراكية، وعدد من الأنوية اليسارية الجذرية المنحدرة من هذين الحزبين إلى جانب المنظمة النقابية الاتحاد المغربي للشغل والحركة الطلابية ممثلة في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، بكل فصائله التقدمية. وقد استعملت هذه المنظومة كل وسائلها المتاحة ضد المنظومة الحاكمة، من إضرابات ومظاهرات وتحريضات عن طريق المناشير السرية، حتى وصل الحال ببعض مكوناتها إلى القيام بحركات مسلحة، في شكل مقاومة مسلحة حضرية، أو حركة تحرير شعبية على غرار التجربة الفيتنامية أوالكوبية.
لقد عرف عقد الستينات وبداية السبعينات، أقوى درجات الصراع بين المنظومتين. وتمحور هذا الصراع في أن كل منظومة كانت تسعى إلى إلغاء المنظومة الأخرى والقضاء عليها، كل بطريقته ووسائله. رغم البون الشاسع في ميزان القوى بين المنظومتين. وهذا ما سيؤدي إلى فشل المنظومتين معا في هذا الصراع المرير والمكلف.
فمنظومة النظام الحاكم، فشلت في القضاء النهائي على معارضيها رغم شراسة وضراوة القمع الذي سلط عليهم. كما فشلت أكثر من ذلك حين تعرضت لضربتين موجعتين من طرف أقوى مكون لها وهو الجيش، من خلال محاولتين انقلابيتين الأولى كانت سنة قبل “قرارات 30 يوليوز 1972” وهي أحداث الصخيرات، والثانية بعدها باسبوعين وهي قصف الطائرة الملكية في 16 غشت 1972 حيث تزعزعت ركائز النظام و”الهيبة” التي كان يوهم الناس والعالم بقوتها وتماسكها.
كما أن منظومة المعارضة، فشلت في القضاء على النظام الحاكم، أو التخفيف من تسلطه، بسبب عدم تجانس مكوناتها المنقسمين ما بين تيار انتظاري مهادن، لا يتجاوز في أقصى الحالات إصدار بيان في بعض الحالات (الاتحاد المغربي للشغل). وتيار “بلانكي” مغامر يعيش أوهام الثورة الشعبية المسلحة، يقتات من مساعدات بعض الدول المناوئة للنظام المغربي آنذاك. ويتجلى هذا الفشل بصورة جلية في العدد الضخم من الضحايا التي حصدها. بالاغتيال والاختطاف والسجن والحرمان من الارزاق.
ومن هنا تأتي “قرارات 30 يوليوز 1972” كمحاولة للجواب على هذا الفشل المزدوج، أو ما سميته بجدلية الفشل. فهي جاءت أيضا جوابا عن الاختناقات السياسية الكبيرة التي عرفها المشهد السياسي في ظل حالة الاستثناء التي لم ينتج عن رفعها في صيف 1970 أي تطور نحو بناء ديمقراطية حقيقية رغم التعديل الدستوري والانتخابات البرلمانية التي قاطعها أندلك كل من الاتحاد وحزب الاستقلال، مما أدى إلى تفجير بنية النظام من الداخل من طرف حماته وأدوات قمعه من العسكريين، عن طريق انقلاب الصخيرات في يوليوز 1971.
لنقرأ “قرارات 30 يوليوز 1972” بعد 50 سنة ونتأملها بعقل حاضرنا الحزبي والوطني.
صدرت هذه القرارات عن أغلبية أعضاء اللجنة الإدارية الذين ظلوا منذ المؤتمر الثاني لحزب القوات الشعبية (1962) ملتزمين بالخط النضالي الثوري للاتحاد وساهرين على توسيع تنظيماته القاعدية و تعميمها، كما يقول منشور بيان القرارات ” وهم يعون بالظروف الدقيقة التي تجتازها بلادنا و المتمثلة في الاندفاع اثوري لدى جماهير شعبنا، و في الأزمة الخانقة التي يعيشها الوضع القائم سياسيا واقتصاديا اجتماعيا و ثقافيا، داخليا وخارجيا. ويقدرون المسؤولية التاريخية للاتحاد في مواصلة معارك التحرير من الامبريالية والإقطاع والرجعية وجميع الفئات المستغلة، ويعلنون وفاءهم للروح النضالية التي دفعت بالعديد من المناضلين إلى تحمل كافة أنواع التضحيات من اعتقال واختطاف وتصفية جسدية. ويسجلون بأسف الوضعية المزرية التي أصبحت عليها القيادة المسيرة للاتحاد نتيجة خطة التجميد التي سلكتها وتسلكها بعض العناصر المنتسبة لمنظمتنا، مما نتج عنه تجميد المؤسسات الرسمية للاتحاد وجعله في حالة عجز عن التعبير عن رأيه بوضوح، وجعل المناضلين في وضعية يستحيل عليهم فيها ممارسة حقهم في النقد والنقد الذاتي والتعبير عن آرائهم في مشاكل الحزب والقضايا الوطنية، واقفال الباب أمام مشاركة القاعدة الحزبية في اتخاذ القرارات و مناقشتها “. (أنظر نص الوثيقة الموجودة صحبته).
هذا التوصيف الذي قامت به “قرارات 30 يوليوز” دفع إلى تحديد هدفين رئيسيين، وهما رفع حالة التجميد والخروج من حالة الغموض والخلط الفكري والسياسي. الشيء الذي لا يمكن إنجازه إلا بالدعوة إلى مؤتمر وطني ثالث والذي حكمت الظروف أن يتحول إلى مؤتمر استثنائي بعد أقل من ثلاث سنوات، بحكم ما عرفه المغرب من هزات جديدة.
وبعد ثلاث أسابيع من صدور “قرارات 30 يوليوز 1972” ستعلن اللجنة الإدارية في 22 غشت الموقف الواضح من الوضع القائم بعد ما تعرض له النظام من اعتداء على الطائرة الملكية من طرف العسكريين بقيادة عصا النظام الجنرال أوفقير
وكان شعار الموقف: لا سبيل للخروج من الأزمة إلا بسيادة الشعب (أنظر الوثيقة صحبته).
معلنا بذلك أن الحكم المطلق المرتكز على أجهزة القمع و تزييف الإرادة الشعبية هو الذي أدى إلى الوضعية القائمة و ما نتج عنها من انفجارات دموية. وفي نفس الوقت يدعو جماهير الشعب المغربي للعمل على تقوية تنظيماتها السياسية والنقابية باتجاه تصعيد نضالاتها الاجتماعية والسياسية في صف متلاحم لتحقيق إرادة الشعب المغربي في إقامة ديمقراطية حقه سبيلا إلى التحرر والتقدم وبلوغا إلى استئصال الأزمة.
لقد شكلت “انتفاضة 30 يوليوز1972” منطلقا حقيقيا لتحقيق تراكمات حاسمة في تاريخ الحركة الاجتماعية وتاريخ المغرب الحديث، لأنها انطلقت من مرتكزين أساسين هما الوضوح الإيديولوجي و بناء الأداة السياسية القادرة على بلورته على ارض الواقع. وهكذا بدأ الإعداد الحقيقي للمؤتمر الثالث الذي سيتأخر عن موعده بسبب الأحداث التي عرفها المغرب في مارس 1973 والتي اعتبر الاتحاد محركا ومسؤولا عنها مما جعل مناضليه مرة أخرى عرضة للاعتقال والاختطاف والاغتيال وعلى رأسهم الشهيد عمر بنجلون ومحمد اليازغي، والعديد من الأطر والمناضلين عبر أرجاء الوطن.
كان أول و أكبر إنجاز تحقق انطلاقا من حركة 30 يوليوز 1972 هو انعقاد المؤتمر الاستثنائي الذي أجاب على سؤال الهوية الفكرية و التنظيمية بمصادقته على التقريرين الايديولوجي والتنظيمي وتبنيه لاستراتيجية النضال الديمقراطي. و انطلاق مبدأ التعامل مع الواقع السياسي من شعار “الموقف المبدئي والتطورات الحتمية”، كما صاغه الشهيد عمر في إحدى افتتاحيات جريدة “المحرر”. مما يعني أن الاتحاد الاشتراكي قد قام قيادة و قواعد بنقد ذاتي عميق لتجربة الحركة الاتحادية، و وضع حدا فاصلا مع الممارسات التجميدية التي فرضتها القيادة النقابية، والممارسات الارتجالية المغامرة التي كان يقودها اتحاديو الخارج. و لم يعد “شعار القضاء على النظام” جزءا من الفكر الجديد، بل محاصرة النظام فكريا ونضاليا بالوسائل المشروعة من أجل دمقرطته وجعل الدولة في خدمة المجتمع بديلا عن اختيارات النظام الذي يجعل المجتمع في خدمة الدولة.
من هنا انطلق المسلسل النضالي الذي أفرزته قرارات 30 يوليوز في نمو تصاعدي كما وكيفا في دائرة صراع واضحة بين منظومة الدمقرطة ومنظومة المخزنة، رابطا بين الصراع السياسي والاجتماعي والثقافي وبين هدف بناء المجتمع العادل وتحقيق المطالب القطاعية داخل مقولة طالما رددها مناضلو السبعينات والثمانينات وهي “النضال على جميع الواجهات“.
لقد حققت حركة 30 يوليوز هدفها بعقد المؤتمر الاستثنائي وإعادة الحياة للحزب وربطه تنظيميا بأوسع الفئات الجماهيرية وخوضه أوسع النضالات السياسية والاجتماعية وتحقيقه للعديد من المكتسبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لفائدة الوطن والمواطنين من خلال موقع المعارضة إلى حدود تشكيل حكومة ما سمي بالتناوب التوافقي سنة 1998، التي جاءت تعبيرا عن نضج واستكمال شروط التدجين التي تعرض لها الاتحاد منذ ما بعد أحداث يونيو 1981 الدموية وعنف التعامل مع انسحاب البرلمانيين الاتحاديين من برلمان 1977، واعتقال عبد الرحيم بوعبيد واليازغي والحبابي على خلفية الموقف من مؤتمر نيروبي حول الصحراء.
لقد دشن النظام السياسي منذ هذه اللحظة أكبر عملية احتواء وتدجين لعدد من أطر الاتحاد وقياداته الوطنية والمحلية من أجل مخزنته وتحويله الى تابع لمرجعيته السرية التي يدبر بها شؤون البلد. ولم يكن التناوب التوافقي سوى محطة من هذا المخطط الذي تصاعد مع حكومة جطو وعباس الفاسي وانعكس في مؤتمرات حزب القوات الشعبية منذ المؤتمر السادس الذي شكل الزلزال العنيف، إلى المؤتمر السابع، الذي قاد الحزب إلى الانبطاح، ثم الثامن الذي قاده إلى غرفة الإنعاش، لينهي مساره مع المؤتمرين التاسع والعاشر كدكان لبيع التزكيات والبحث عن المواقع والتواطؤ من أجل المنافع والغنائم، وبالتالي تمت تصفية كل المنتوج الفكري والسياسي والأخلاقي للاتحاد بما فيه “قرارات 30 يوليوز 1972” وبيع كل ذلك لمتحف التاريخ، كما تم تحنيط جثة الحزب وعرضها في متحف الأركيولوجيا السياسية، إلى جانب حرب الريف بقيادة عبد الكريم الخطابي، ومعركة لهري بقيادة موحا وحمو الزياني، ومعركة بوغافر بقيادة باسلام، والمقاومة المسلحة وجيش التحرير…الخ