“الرجل” الوحيد في حكومة البحرين
المصطفى روض
اهتزت حكومة البحرين، كما اهتز نظامها الملكي برمته، ومعهما اهتزت القيادة الإسرائيلية وحكومة واشنطن، نتيجة تصرف امرأة كانت تشغل منصب وزيرة هيئة الثقافة والآثار قبل إقالتها، عندما رفضت أن تصافح السفير الصهيوني إيتان نائيه خلال جنازة والد السفير الأمريكي ستيفن بوندي. ويتعلق الأمر بالسيدة المحترمة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، ومن اسمها قد يتأكد المرء من أنها عضو في العائلة الملكية الحاكمة، مثلما قد يتأكد أن كل من الجاه والسلطة ورابط العائلة، لم يثنها أو يجعلها تغمض العين عن فضيحة التطبيع، الذي شرعنه حاكم البحرين الملك حمد بن عيسى، فقط لأنها متمسكة بالقيم الوطنية والقومية وتعي جيدا، عكس كل الحكام العرب الذين سقطوا في مستنقع التطبيع ورضوا بخطط صهينة مجتمعاتهم، بأن التطبيع هو تناقض تاريخي وسياسي واجتماعي ضار بمصلحة شعبها وباقي الشعوب العربية، مثلما هو ضار بمصلحة الشعب الفلسطيني وبهويته الوطنية وحقوقه التاريخية، لما ينطوي عليه التطبيع من هدف إقامة شرخ بين الشعوب العربية والقضية الفلسطينية، حتى يسهل على إسرائيل شلّ كل عوامل الضغط المتمثلة في القوى الشعبية بمختلف البلدان العربية، التي تواصل حمل مشعل حركة التضامن ومواجهة استبداد الأنظمة العربية التي تمارس استبدادها على شعوبها، ومصادرة اختياراتها الحرة في رفض أي نوع من إقامة العلاقة مع الكيان الصهيوني مغتصب الأراضي الفلسطينية.
وإذا كانت معظم الأنظمة العربية قد طبعت علاقتها مع إسرائيل وطبلت لها فرحا واحتضانا واعترافا، في أخطر انزلاق واستسلام للضغوط الأمريكية، فإن وزيرة الثقافة في الحكومة البحرينية، السيدة الشيخة مي، تعاكس التيار الرسمي العربي الذي اختار، بحكامه ومؤسساته المهترئة والمستسلمة والمتخاذلة، ركوب قطار الذل والعار والصهينة المقيتة، فكان اختيارها الواعي والمسؤول مستمدا من إرادة الشعوب العربية، ومن إرادة الشعب الفلسطيني الذي تعد قضيته أمانة في أعناق الأحرار الشرفاء، الذين حافظوا على العهد والمبادئ، وهم يرفضون المتاجرة بالقضية الفلسطينية في خدمة إستراتيجية العدو الصهيوني، بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والثقافية.
إن الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، التي أقالها غضبا من منصبها كوزيرة للثقافة والآثار، ملك البحرين، تصرفت بكامل الوعي والمسؤولية، وهي ترفض مصافحة السفير الصهيوني في المنامة. و قد نشرت خبر تصرفها الوطني الصحيفة الإسرائيلية “جيروزاليم بوست” التي قالت، بأنها “رفضت عملية التطبيع بشكل واضح ومصافحة السفير الإسرائيلي. مشيرة، ذات الصحيفة، أنها انسحبت من جنازة والد السفير الأمريكي بمجرد أن علمت بحضور السفير الصهيوني، وأكثر من ذلك، أنها اتصلت بالسفارة الأمريكية وطالبتها بعدم نشر صور لها في العزاء.
ومما استقيناه من معلومات تكرس حقيقة هذه المرأة المحترمة، التي أعتبرها أنها كانت “الرجل” الوحيد في الحكومة البحرينية، أن الشيخة مي، التي راكمت تجربتها الثقافية والإعلامية عشرين سنة، كانت، و هي تمارس مهامها كوزيرة، ترفض بالمطلق مشاريع صهينة المجتمع البحريني وتراثه العمراني والثقافي.
وفي هذا السياق أشارت مصادر إعلامية، إنها رفضت تهويد أحياء قديمة في العاصمة البحرينية، كما رفضت السماح لمستثمرين إسرائيليين ببناء حي يهودي من باب البحرين حتى الكنيس اليهودي في المنامة. وعلى هذا الأساس لم تكن تمارس الغموض وهي تصرف موقفها المناهض للكيان الصهيوني ومن عملية التطبيع كوزيرة تمارس مهامها، كحالة نشاز فيما كل وزراء الحكومة البحرينية يتصرفون وفق مقتضيات التطبيع وأهدافه المحددة.
الشيخة مي امرأة استثنائية في زمن اختفى فيه الرجال، بل إن سلوكها المطابق لقيمها الوطنية والثقافية درس عميق الدلالات يشرفها، كما يشرف شعبها والشعب الفلسطيني وباقي كل الشعوب المتطلعة إلى التحرر الفعلي من السياسات الاستعمارية الظالمة وثقافة الاستبداد.
لقد قامت بتقديم الشكر لكل الذين تضامنوا معها في شبكات التواصل الاجتماعي، بعد أن تمت إقالتها ظلما وعدوانا، لكن المرأة تحتاج إلى تضامن أوسع وأكبر يتجاز الساحة البحرينية ليكون في حجم موقفها النبيل والشجاع، الذي يذكرنا بالشهامة والإخلاص لقضايا الشعوب المضطهدة ويفضح، في نفس الوقت، الحكام الجبناء الذين كل ما جنوه من عملية التطبيع هو انهم وجدوا أنفسهم يخدمون أجندات ومشاريع أمريكا وإسرائيل ضدا على سيادة الشعوب ومصالحها وحقوقها المختلفة.
المرأة وهي تتحدى أمريكا وإسرائيل ونظامها الملكي في بلدها، فإن موقفها المناهض للكيان الصهيوني، وبالطريقة التي عبرت به، يجعلها أيقونة وطليعية لتيار الرفض للتطبيع الصهيوني.