حكي الجسد الجريح

حكي الجسد الجريح

باريس- المعطي قبال

من الكتاب من يمارس الرواية وافدا من الأركيولوجيا، الهندسة، المحاسبة، الرياضيات الخ..ومنهم من كان فلاحا أو صيادا فأصبح من كبار الروائيين.  على غرار العديد من الفلاسفة، جاءت نادية يالا كيزوكيدي إلى الكتابة الروائية من باب الفلسفة. من مواليد 1978 بمدينة بروكسيل من أب كونغولي وأم فرنسية-إيطالية. حصلت على شهادة التبريز في مادة الفلسفة عام 2005 وعملت أستاذة للفلسفة في أقسام الثانوي إلى أن رافعت عام 2013 عن أطروحة جامعية في موضوع “الإنسانية الخلاقة: دراسة في الدلالة الجمالية والسياسية لميتافيزيقا هنري بيرغسون”،  الذي تعد إحدى المتخصصات في فكره الفلسفي.  كما أشرفت على تسيير درس في الفلسفة الأفريقية وفي موضوع الانتاجات النظرية للدياسبورا الأفريقية. وقد سهرت أيضا على تنشيط مجموعة من الدروس في الكوليج العالمي للفلسفة. تصدر لها في التاسع من غشت روايتها الأولى عن منشورات سوي في عنوان “الانفصال”. تحكي الرواية قصة فتاة في العاشرة من عمرها قررت منع جسدها عن أي نمو، أي بقائه على حاله، الشيء الذي جلب لها الكثير من المتاعب من طرف أصدقاء القسم الذين أطلقوا عليها تسمية القزم. كما أصبحت عرضة لتصرفات العداء والنبذ. حتى الوسط العائلي ممثلا في الجدة التي سهرت على تربيتها  لم تكن رحيمة بها. فالجدة التي تتملكها نوبات هذيانية جعلت من الفتاة كبش فداء. لكن هذه الأخيرة حولت  هذه القسوة إلى سلوك جعلها تفصل فكرها عن جسدها. ينفصل الجسد المعنف والمدمى عن الفكر الذي يسبح في عالم الأحلام والأفكار. لما بلغت سن العشرين عاما وبعدما سرقت مبلغا محترما من مال الجار، قررت الفتاة هز الترحال في اتجاه أفاق ومغامرات جديدة: اشتغلت بحانة حيث رغب رب الحانة في تملكها واستعبادها. تعرفت على لوزولو، فنان هامشي وبوهيمي وعلى مومس اختلست ما تبقى لها من المال. اغراءات هذه الرواية الأولى عديدة: الكتابة الشعرية الملحمية، الحكي الشعبي، سلاسة البنيان وتماسكه. كما تعطينا الرواية درسا متواضعا في الإنسانية مفاده أن العاهة وتشوه الخلقة ليسا بعائق بل قد يكونان حافزا لتجاوز الصعاب والمخاطر وإثبات الذات. وتوفر جاذبية هذه الرواية البرهان على أن العبور من الفلسفة إلى الرواية هو تجربة تكملة وامتداد لعوالم يتداخل فيها الحلم بالأحاسيس والرؤيا.

 تتصادى هذه الرواية مع رواية الكاتبة القمورية (نسبة إلى جزر القمر)، تحفة موحتار.  وهي أولى رواياتها في عنوان «نار الوسط»، الصادرة عن منشورات لوبروي دي موند. بطلة الرواية وتسمى غايار، سليلة عائلة من العبيد. عملت وهي في سن الخامسة كربة بيت. وبما أنها بنت غير شرعية، فكرت والدتها في وأدها لولا احتضانها من طرف طامو. وقد لعب الفقيه أيضا دورا هاما في تربيتها إلى أن تعرفت على حليمة التي ستصبح صديقتها المفضلة بالرغم من الفوارق الاجتماعية القائمة بينهما. إذ ليس لهذه الاخيرة الحق في مخالطة غايار التي هي من فصيلة دونية. لكن لا تلبث التقاليد والشرع أن يفرضا قانونهما الصارم بحيث تفترق الصديقتان لتتزوج حليمة وتبقى غايار وحيدة مستسلمة لعنوستها بسبب وضعيتها الاجتماعية. إن شغلت الكتابة الروائية القمورية تيمات الاستعباد، الاستعمار، الانتماء الإفريقي والإسلامي… فإن تيمة النسوية وتحرر المرأة من جميع السلطات الفحولية، تشغل اليوم بشكل خاص كتابات الروائيات والشاعرات القموريات.

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".