لقاء وليد جنبلاط مع وفد حزب الله.. تحريك للركود أم استدارة للخلف؟

لقاء وليد جنبلاط مع وفد حزب الله.. تحريك للركود أم استدارة للخلف؟

حسين عطايا

حتى مساء الخميس الأخير، كانت الحركة السياسية اليومية في لبنان تعيش حالة من الرتابة والروتين القاتل. بينما الذي أشعل ناراً في اليوميات السياسية اللبنانية هو الذي حصل مساء الخميس الماضي (11/08/2022)، حين استقبل زعيم الحزب الاشتراكي التقدمي وفداً من حزب الله في دارته في كليمونصو – بيروت. كان الوفد مؤلفاً من المعاون السياسي لأمين عام حزب الله، حسين الخليل، ومسؤول لجنة التنسيق والارتباط، وفيق صفا. هذا اللقاء ساهم بإثارة الحلفاء والمقربين والأبعدين، وبدأت التكهنات والتحليلات، وخصوصاً النظرية الجاهزة في مثل هذا الحالة “استدارة وليد جنبلاط، تكويعة وليد جنبلاط”، وغيرها من العبارات. حتى وصل الأمر ببعضهم إلى نعته بالخيانة وبأقذع العبارات البعيدة كل البعد عن مجريات الحركة السياسية والتحليل السياسي، لا بل لا يعدو بعضها أن يكون مجرد فيضٍ من القذح والذم .

إذن، اشتغل الوسط السياسي وانشغل بما حصل في اللقاء، على الرغم من تصريحين لكل من حسين الخليل ووليد جنبلاط حول ما تم بحثه والأسئلة التي وجهها وليد جنبلاط إلى قيادة حزب الله والتي ينتظر أجوبة الحزب عليها .

وبدأ الجميع، من خصوم وحلفاء، يتدارسون نتائج اللقاء من خلال تقويمه وبحث مفاعيله المستقبلية على استحقاق رئاسة الجمهورية، وما سينتج عن حركة جنبلاط وتمركزه الوسطي في المرحلة القادمة .

لا شك أن هذا اللقاء لم يكن وليد صدفة أتت من دون حسابها وربطها بالسياسة المحلية والاقليمية والدولية.

فالمعروف أن وليد جنبلاط متابعٌ جيد لحركة السياسة في المنطقة، لا بل هو قاريء جيد لتطورات الأوضاع والظروف المحيطة بلبنان على مستوى الإقليم والعالم، وما يدور في الأجواء من حركة ناشطة، وما يُخطط من مشاريعٍ تسووية ومصالحات، قد يكون لها الأثر الفعلي على الساحة اللبنانية، ومنها على سبيل المثال:

– الحوار الفرنسي المباشر والدائم عبر سفارة بيروت مع حزب الله، والذي تقوم به السفيرة الفرنسية عبر اتصالات مباشرة ودورية مع مسؤل العلاقات الخارجية في حزب ، ابراهيم الموسوي، وغيره من مسؤلي الحزب. وتفيد بعض المصادر عن وصول هذا الحوار الى تفاهمات حول بعض القضايا، لاسيما على مستوى الاستحقاق الرئاسي المقبل، وحول منع انهيار لبنان والمساعدات التي تُساهم في منع تسارع الانهيار .

-خروج الحوار السعودي – الإيراني من مرحلة التفاوض السري في بغداد إلى الحوار العلني، والذي قد تستضيفه بغداد أيضاً، وهذا ما سينعكس حتماً على الساحة اللبنانية .

-استمرارية التهدئة في اليمن، والتي أصبحت تُمدد بشكل روتيني، من دون مشاكل أو صعوبات. وهذا يدل على تفاهمات قد بدأت بالظهور ” إيرانية – سعودية”.

-إعلان بعض المصادر عن توجه لدى العربية السعودية لدعوة عدد من القادة والمسؤلين اللبنانيين الى لقاءات لبحث الاستحقاق الرئاسي، وبالتالي سيشكل هذا الامر عودة عربية سعودية للساحة اللبنانية، وبفعالية ومباشرة من دون المرور بوكلاء أو وسطاء، كما يحلو للبعض أن يتحدث عن “وكالته الحصرية” عن السعودية في لبنان .

هذه الأمور، ناهيك عن التطور في العلاقات التركية السورية، والسعي لتواصل مباشر مابين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان والرئيس السوري بشار الأسد من أجل إعادة الدفء إلى العلاقات المشتركة، والتي شابها الكثير من المشاكل والأحداث والمواقف منذ العام ٢٠١١، تاريخ انطلاق الثورة السورية، والدور التركي في بعض مفاصلها، كما لبحث الوجود العسكري التركي في شمال سوريا وما تسعى إليه أنقرة لترتيب اأوضاع المليشيات الكردية، لاسيما ” قسد”، وتعتبرها أنقرة تابعة لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه إرهابياً .

وهذا بالطبع مرتبط بموضوع المفاوصات النووية الإيرانية الأمريكية والأوروبيين في فيينا، منذ ما يُقارب السنة ونصف ولم يصل لنتيجة حتى الآن، وتتوقع بعض المصادر أن يصل إلى خواتيم قد تكون إيجابية في فترة قريبة .

وبالطع، لا يغيب عن بال أحد موضوع ترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع إسرائيل، والدائرة منذ ما يُقارب السنتين، وقد ارتفع منسوب الإيجابيات في الوصول إلى تفاهم قريب، أو التوقيع على اتفاقية الترسيم برعايةٍ أمريكية مباشرة عبر الوسيط آموس هوكستين .

كل هذه الأمور مجتمعة مع ما تشهده الساحة اللبنانية من أزمات سياسية واقتصادية، وما يُصاحبها من انقسامات في المعارضات اللبنانية، والتي لم تتوصل بعد إلى تفاهم حول برنامج واسم الرئيس العتيد الذي ستعتمده للوقوف بوجه حزب الله وحلفائه، هو أحد أبرز اسباب “لقاء الخميس” المشار إليه، والذي ستتم متابعته قريباً، وقد يُوصل إلى عقد لقاء مباشر ما بين زعيم الاشتراكي التقدمي وأمين عام حزب الله .

وهنا، وفق معلومات بأن ما طرحه وليد جنبلاط في اللقاء لم يخرج عن حالة ساسية تسعى إلى تحصين الساحة الداخلية ومواجهة هذه الأزمات وبحث الاستحقاقات القادمة ومواجهتها بالحوار المباشر، كون كل ما سعى إليه المعارضون لحزب الله وتحالفه متذ العام ٢٠٩٥ ولتاريخه، لم يخرج بتفاهمات حول خارطة طريق عملية موضوعية، بل مجرد اجتماعات ولقاءات وبيانات وتنديد واعتراض، دون الدخول في عملٍ جدي تتم من خلاله عمليات قضم حزب الله للسلطة وبناء دويلته على حساب الدولة .

 إن مايقوم به وليد جنبلاط هو عملية “إمساك للعصا من النصف وليس استدارة”. فبحسب حلفائه، وبحسب كلامه للتلفزيون الأردني، لم يخرج من دوره السيادي، بل يحاول أن يعود إلى الوسط، فيميل مع الرياح من دون أن يذهب إلى حزب الله. إذ قال بالحرف: إنّ “أيّ رئيس سيأتي يجب عليه أن يضع برنامج كيفية الحوار مع حزب الله، ووضع أولوية لاحقا كيف تستطيع الدولة أن تستوعب سلاح الحزب ضمن الهيكلية الدفاعية للبنان، هذا هو برنامج الرئيس، إلى جانب النقاط الأخرى الاقتصادية الاجتماعية…”. وهذه نقطة لم ينتبه إليها كثيرون ممن اعتقدوا أنّ جنبلاط “استدار هذه المرّة.

من يعرف وليد جنبلاط وتطور مواقفه السياسية، عليه قراءة ما حصل في الأيام الماضية وما قد يتبعها في الآتي من الأيام، وعليه أن يُسرع الخُطى في اللحاق بركب الحركة السياسية وقرائتها بتمعن وهدوء، بعيداً عن صخب التصريحات الغوغائية أو الشعبوية، والتي تمضي بسرعة وتذهب مع الرياح.

 وتبقى حركة وليد جنبلاط مُحركاً لرتابة الحياة السياسية اللبنانية لإخراجها من روتينيتها إلى تسارع الأحداث، والتي لا شك بأن وليد جنبلاط أحد صانعيها وأبرزهم على الساحة اللبنانية.

Visited 5 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

حسين عطايا

ناشط سياسي لبناني