أوقفوا مأساة معطلي المغرب المنسي…

أوقفوا مأساة معطلي المغرب المنسي…

إسماعيل طاهري

ما يجري في مدينة تاهلة يدمي القلب: معطل يدخل في إضراب عن الطعام لمدة تفوق 34 يوما.

وكم كان المشهد مؤلما عندما زارت الأم وليدها (ياسين) وهو يصارع الموت، تبكي وتنوح وتستعطفه لكي يوقف إضرابه عن الطعام في مشهد تقشعر له الابدان ويهز كل ذي ضمير حي.

ونحن، بقدر ما نطالب السلطة الحاكمة بحل هذه المعضلة وتشغيل شباب تاهلة المعطل خصوصا، وهنا والآن، حاملي الشهادات العليا، بقدر ما تناشد هذا المعطل ورفاقه لوقف الإضراب عن الطعام حفظا لحقهم في الحياة وهي الاولى في المرحلة الراهنة.

فلو كان للحاكمين ضمير لما استمر الإضراب كل هذه الأسابيع دون أن يحركوا ساكنا، ولم ياخذوا ولو مبادرة حضارية ومدنية وفتحوا حوارا مع المحتجين. والمصيبة أنهم اكتفوا بالمقاربة الأمنية وتبعتها القضائية. وماذا تجدي هذه المقاربة في بلدة تنتمي إلى المغرب العميق المنسي. لا معامل، لا استثمارات، لا ديمقراطية محلية: السجن أهون لشبابها من الموت البطيء واليأس القاتل؟

وعوض أن يكون هم السلطة المحلية بتاهلة حل المشاكل، صار همها هو خلق مشاكل جديدة بدعوى الدفاع عن هيبة الدولة. ماذا ستخسر هيبة الدولة لو قام عامل الإقليم بفتح حوار مباشر مع كل بؤر التوتر في الاقليم وتبني مقاربة استباقية قبل تفاقم الأوضاع. أليس هذا هو مضمون “المفهوم الجديد السلطة”؟

ويأتي رأينا هذا من كون الحكومة الحالية لا تحس باوجاع الشعب، ولا تاخذ بالحسبان التوازنات الإجتماعية، واخر ما تفكر فيه هو الجانب الاجتماعي وفي القلب منه تشغيل المعطلين/ نخبة المجتمع وخميرته، بعد أن رهنت مستقبل البلاد وسيادتها المالية لدى الدوائر المالية الدولية التي تتعامل مع البشر و”كأنه جلمود صخر حطه السيل من عل” وصارت حريصة على ضبط التوازنات الماكرو اقتصادية.

***

السيدة نبيلة منيب رئيسة حزب اليسار الموحد طرحت سؤالا على وزير الداخلية في الموضوع، بعد أكثر من شهر من بداية الإضراب وما رافق ذلك من تجاهل وقمع وتدخل للسلطات الأمنية لفض الاعتصام بالقوة، وهناك معطلين موضوع ملاحقات قضائية. أما تشغيل المعطلين حاملي الشهادات العليا فهو آخر ما تفكر فيه النخبة الحاكمة اليوم، وليس هناك أفق لرد فعل إيجابي لوزير الداخلية. والدليل على ذلك القرار المشؤوم لزميله شكيب بنموسى وزير التربية الوطنية، بحرمان حاملي الإجازة من المشاركة في مباريات التوظيف بالتعاقد لكل من تجاوز 29 سنة. إنها الفضيحة بجلاجل، وهذا القرار الذي نفذه رئيس لجنة النموذج التنموي دون حتى الاستشارة مع المجلس الحكومي هو السبب في دفع المعطلين إلى الحائط بعد أن سد في وجوههم باب آخر أمل.. والقادم أسوأ مما قد نتصور. حذاري من اللعب بالنار يا حكومة أخنوش.

***

كان على أحزاب المعارضة أن تتبنى هذا الملف وتقوم بزيارة للمعتصمين وتكثف من حملات تحسيسة للرأي العام. وحمل السلطات على الحوار مع المعطلين، والتدخل للاستجابة لمطالبهم المشروعة والبحث عن حلول للتشغيل ولو في القطاع الخاص بشروط تكفل احترام قانون الشغل وحقوق الإنسان.

نحن لن ننتظر المأساة لندين الاشباح والسرايا الحاكمة وحكومتها اللاشعبية، ونحن نعرف أن حاميها حراميها، فمشروعية القضية قائمة ولكنها جزء من بحر من الحقوق التي يحتاج إليها الشعب المغربي وهذا حقه الدستوري. ولانريد تكرار محنة عائلة معطل كلميم الراحل “صيكا” الذي توفي في المستشفى سنة 2016 بعد مضاعفات الإصابة التي تعرض لها بعد تدخل عنيف لقوات الأمن لفض احتجاج التنسيق الميداني للمعطلين.

ومن واجب القوى الحقوقية والديمقراطية الضغط على السلطات لفتح حوار جدي مع المعطلين وطنيا ومحليا، وإدراجه في أجندة الحوار الاجتماعي المفترى عليه، والذي لم تستوعب بعد مختلف الحكومات المتعاقبة أهميته في ضبط ايقاع المجتمع والحفاظ على التوازن والاستقرار والسلم الإجتماعي.

فمعين هذه الحكومة التكنوقراطية يستمد مرجعيته، للأسف، من التوحش النيوليبرالي وتوابل نظام التفاهة وتمظهراته.

حتى شعار ” الدولة الاجتماعية” التي تضمنه البرنامج الحكومي هو، في رأيي، صورة باهتة لكذبة أبريل. لأن “الدولة الاجتماعية” برنامج اليسار والأحزاب الاشتراكية، وانتهى الكلام.

أما برنامج النموذج التنموي الجديد فقد صار بروباغاندا لاغير، ولم نر طيلة نحو سنة من تبنيه مع حكومة عزيز أخنوش أي تغيير جذري للخروج من النموذج القديم المبني على المديونية الخارجية، واقتصاد الريع وتزوير الإرادة الشعبية واحتكار السلطة وانغلاقها في دوائر محدودة لصنع القرار مع وجود برلمان ضعيف وحكومة ضعيفة. وغياب فصل حقيقي للسلط كما هو متعارف عليه دوليا.

Visited 9 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

اسماعيل طاهري

كاتب وباحث من المغرب