صيف ساخن لـ”الوطنية المغربية”!

صيف ساخن لـ”الوطنية المغربية”!

اسماعيل طاهري

تميز صيف هذه السنة (2022) بحرارة وجفاف غير مسبوقين في مغربنا الحبيب، لا يقابلها ‘لا جفاف الوضع السياسي مما يهدد حقيقة بموت السياسة خصوصا وقد ابتلينا بحكومة تكنوقراطية نيوليبرالية برنامجها غير شعبي.

وقد رصدنا انشغال جزء من الرأي العام، طيلة الصيف، بتفاصيل الوحدة الوطنية والترابية والشعور الوطني. إلى جانب الانشغال بارتفاع “حرارة”الأسعار  وارتفاع التضخم إلى ما يقارب 6٪، والمطالبة برحيل حكومة أخنوش من خلال هاشتاغ/ وسم ارحل.

ولم يواز كل ذلك إلا الحرارة الملتهبة التي ضربت مختلف المناطق، والتي تسببت في نشوب حرائق في عدة غابات في شمال المملكة (جزء منها سياسي يرتبط بضعف سياسة التدخل الاستباقي)، كما حرقت جلد مصطافين في حماماتهم الشاطئية، وخنقت الأهالي وكانت تودي بأرواح الغلابة منهم من المعتقلين داخل منازلهم الإسمنتية التي تشبه الأفرنة البخارية.

الموضوع السياسي الساخن هذا الصيف الساخن هو “الوطنية المغربية”، التي عاد النقاش حولها ليحتل نصيبا وافرا من التغريدات والتدوينات والتقريعات و”الكلاشات” على مواقع التواصل الاجتماعي. وبدا أن ما يقوم به الذباب الإلكتروني المغربي والجزائري يزيد من “تسخين الطرح” حول الوطنية وقضايا المرتبطة بالعزة والكرامة والوحدة الوطنية والترابية.

فقد كان سلوك الحكام في الجزائر مع الرياضيين المغاربة في ألعاب البحر الأبيض المتوسط مناسبة لتحريك الشعور الوطني المغربي، خصوصا بعد بتر النشيد الوطني وترديد جماهير جزائرية، محرضة من طرف المخابرات، شعارات ضد المغرب والمغاربة، وهو ما ولد سخطا وسط المغاربة ، لأن عسكر الجزائر يعرف دلالة وهران كجزء من الصحراء الشرقية. ورأينا كيف استقبل أهالي وهران ذاتها الوفد الرياضي المغربي في المطار بالتمر والحليب والزهور والزغاريد حتى كدنا لا نصدق.

كما أن افتتاح منجم الحديد بتندوف يوم عيد العرش كان مناسبة لـ”تسخين الطرح” وإذكاء الشعور الوطني لدى المغاربة، لكون سلوك وزير الطاقة الجزائري محاولة لتجاوز اتفاقيات ترسيم الحدود بين المغرب والجزائر لسنة 1972، وفرض سياسة الأمر الواقع. وكانت مناسبة لفتح نقاش عمومي مدني حول الصحراء الشرقية المغربية، وإن التزمت الدوائر الرسمية المغربية الصمت بما فيها الإعلام العمومي. بل لاحظنا كيف استمر خطاب العرش في سياسة مد اليد إلى حكام الجزائر رغم كل ما يقولون ويفعلون.

ولم يكد يهدأ هذا النقاش العمومي المدني خصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى انتشرت تصريحات مدوية للداعية أحمد الريسوني(رئيس اتحاد علماء المسلمين)، الذي دعا إلى مسيرة مليونية لتحرير تندوف من قبضة الجزائر، مؤكدا أن مويتانيا جزء من المملكة المغربية تاريخيا، وفق بيعة شرعية ثابتة لعلماء وأعيان بلاد شنقيط.

تصريحات الريسوني حركت البركة الآسنة حول موقف تيارات الإسلام السياسي من الوحدة الوطنية المغربية، لذلك فخرجته لها ما بعدها. وساهمت في تمطيط انشغال الرأي العام المغربي بقضايا “الوطنية” و”الشعور الوطني”. (رغم أن تصريحات الريسوني تعود إلى بداية غشت، أي في عز افتتاح الجزائر منجم الحديد بغار اجبيلات، ولكنها لم تنتشر إلا بعد رد فعل حزب مجتمع السلم بالجزائر).

فلأول مرة يخرج قائد من قادة الإسلام السياسي في المغرب بموقف واضح من قضية الوحدة الترابية، تطابق موقف الحركة الوطنية (حزب الاستقلال القديم)، مع أخذ المسافة الضرورية عن المواقف الرسمية للدولة.

وسوف لن يكون منتظرا من عبد الإله بنكيران مناصرة الريسوني في موقفه هذا الذي أثار ضجة حملت اتحاد علماء المسلمين (المحسوبة على الإخوان) على التنصل من تصريحات الريسوني الوطنية. بل وهاجمه حزب مجتمع السلم بالجزائر (إسلامي معتدل)، ورفضته هيئة العلماء موريتانيا.

وهذا يعيد الى الواجهة جدل مدى “وطنية” الفكر الإخواني المهموم بمفاهيم الأمة والامامة والخلافة…

الريسوني لم يضف جديدا لموقف الوطنيين المغاربة، ولم يزور التاريخ. لكن تصريحه كان مشفوعا  ببعض التوابل التي جعلته يلقى سيلا من ردود الأفعال، خصوصا عندما أعلن عن استعداد الشعب المغربي وعلماء المغرب للجهاد بالمال والنفس لتحرير تندوف بمسيرة مليونية، وربط ذلك بقرار للملك محمد السادس. وأن بيعة علماء وأعيان بلاد شنقيط (موريتانيا) لازالت قائمة.

والريسوني ليس شخصية عادية حتى يمر موقفه عاديا. فهو يلعب دور الموجه المرجعي لحركة التوحيد والإصلاح، والمعارض الذي يتفادى المواجهة مع بنكيران داخل الحركة، منذ انطلاق حوارات التوحيد في 1995 بين “رابطة المستقبل الإسلامي” التي كان يقودها الريسوني و”حركة التجديد والإصلاح” التي كان يقودها بنكيران.

وأسفر مؤتمر التوحيد عن استبعاد بنكيران وتنصيب محمد يتيم رئيسا للحركة الوليدة المسماة، وإلى اليوم، بـ”حركة التوحيد والإصلاح”

ورأينا كيف أركب (برفع الهمزة) بنكيران طائرة للسفر الى موريتانيا لتطمين حكامها من كون تصريح حميد شباط لا يلزم حكومة الرباط، عندما كان رئيسا لحزب الاستقلال حول خريطة المغرب التاريخية التي تبناها الزعيم علال الفاسي، والتي تضم موريتانيا والصحراء الشرقية.

وقد سافر بنكيران بأمر من الملك في عز “البلوكاج الحكومي” لسنة 2016/2017.

يشار إلى أن الصيف الساخن لـ”الوطنية المغربية” كان بعيدا عن الدوائر الرسمية. ولم يكن بعض الذباب الإلكتروني المغربي في مستوى النقاشات القيمة حول الوحدة الترابية وحدود المملكة الحقة تاريخيا وشرعيا، وكذلك سياسيا وواقعيا. والتي انخرطت فيها نخبة من الوطنيين والمثقفين المشهود لهم بالنزاهة والاستقلالية عن دوائر القرار الرسمي.

Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

اسماعيل طاهري

كاتب وباحث من المغرب