“آيات شيطانية”… من وجهة مختلفة
أحمد الرمح
أثارت محاولة اغتيال سلمان رشدي كاتب رواية “آيات شيطانية”، اختلافات كبيرة حول الرواية والاغتيال وحرية الإبداع، وكان للبعد الديني والسياسي دور كبير بهذا الخلاف، لنناقش القضية بهدوء فنقرأ الراوي والرواية ونحلل أسباب فتوى الخميني باغتياله.
سلمان رشدي ليس روائيا تافها كما قال بعضهم، إنما هو مبدع أدبيا وخبيث إسلاميا، له 19 رواية جمع فيها رشدي، في أسلوبه الأدبي ما بين الواقعية السحرية والخيال التاريخي، وتمتاز أعماله بالربط بين الحضارات الشرقية والغربية، مستفيدا من تخصصه بالتاريخ.
منح رشدي لقب “سير” على يد الملكة إليزابيث الثانية سنة 2007 بسبب خدماته في الأدب، ووضعته صحيفة التايمز اللندنية سنة 2008 بالمرتبة 13 ضمن قائمتها لأفضل خمسين كاتبا بريطانيا منذ عام 1945.
يعيش في أميركا لأسباب أمنية منذ سنة 2000 ومع هذا نقد المجتمع الأميركي وثقافته في روايته الساخرة البيت الذهبي، روايته الثانية “أطفال منتصف الليل” تعد من أهم الروايات عالميا وفازت بجائزة بوكر الأدبية سنة 1981، أما روايته الرابعة “آيات شيطانية”، فما تزال موضع جدل كبير، مزج فيها بطريقة مدهشة الأساطير الهندية، بسيرة النبي عليه الصلاة والسلام ونالت هذه الرواية شهرة واسعة بعد فتوى الخميني بقتله، ورفض الأزهر التصديق على هذه الفتوى.
الرواية من 9 فصول شبه منفصلة عن بعضها، أظن بحسب قراءتي لها أنها تتحدث عن تجربته الشخصية وتجاذباتها بين الثقافة الغربية والشرقية، تبدأ الرواية بالحديث عن شخصين هنديين يستقلان الطائرة، الأول يعيش بالغرب ويتنكر لأصوله الهندية، والثاني ممثل متخصص بالأفلام الدينية يصاب بحادث أثناء تصويره لأحد الأفلام، ويرى بأن التدين والأدعية لن تساعده على الشفاء.
تنفجر الطائرة، فيقتل ركابها جميعا باستثناء الشابين الهنديين، فيتحول الأول بعد الانفجار إلى شبه شيطان، والثاني يتحول إلى ملاك يسميه جبريل، ولهما دور كبير مخفي في الرواية التي تتحدث عن رسالة الإسلام، أهم ما في الرواية الفصلان الثاني والرابع.
في الفصل الثاني المعنون بمدينة الجاهلية، ينتقل إلى مكة ويسميها مدينة الجاهلية ويتحدث عن النبي ويسميه مهاوند الذي كان يتحنث في جبال مكة حتى تأتيه حالة عصبية نفسية أي الوحي، له رفيق يكتب له القرآن اسمه سلمان، كان معجبا بمحمد، يبدأ سلمان بتغيير كلمات في القرآن ودون أن ينتبه إليه مهاوند، لما يراجع مهاوند فيما كتب، يبارك له هذا التزوير، مما جعل سلمان متأكدا أنه ليس بنبي، وإنما يستغل الظاهرة الدينية ليحقق مكاسب شخصية تنقله من الفقر إلى زعامة المجتمع.
يدور في مدينة الجاهلية مكة، صراع كبير بين مهاوند “محمد” وكبير المشركين المسمى أبو سنبل ويرمز به لــ “أبي سفيان”، هو يصور في الرواية أبا سفيان غنيا وعاجزا جنسيا وديوثا، يرى زوجته الفاتنة هند، تخونه مع الرجال، دون أن يعترض وهي تسيطر عليه وبالتالي تسيطر على القرار في مكة. تبدأ المساومة بين مهاوند وابي سنبل لإيجاد حل وسط بين التوحيد والشرك، فيجد مهاوند حلا بأن يمدح آلهة قريش، وهذه هي قصة الغرانيق التي استلهم منها اسم الرواية وترمز قصة الغرانيق، إلى أن المصالح هي التي تحكم مبادئ محمد وأبي سفيان، وأن الهندي المتحول إلى شيطان، يجعل مهاوند يذكر آلهة المشركين بخير، فيسجد الجميع لرسالة محمد.
عندما قرأت من علق على الرواية، وكتب بأن مشكلة الرواية قصة الغرانيق، اعلم بأنه حاطب لم يطلع على الرواية، وسوف اتوقف قليلا مع قصة الغرانيق، رواية الغرانيق موجودة في تفسير في القرآن وإبن كثير وابن عطية الأندلسي والقرطبي، منهم من عالجها ومنهم من مررها، بل حتى ابن القيم شيخ السلفية في كتابه إغاثة اللهبان تحدث عنها، ولكن هؤلاء منهم من ضعفها وآخر أبطلها، قرأ مهاوند على مجتمع المشركين صورة النجم، فألقى الشيطان كلمات على لسانه أثنت على آلهة المشاركين، يعني في القرآن “أفرأيتم ملا والعزة ومناطق الثالثة الأخرى”، هنا يلأتي تدخل الشيطان، تلك الغرانيق “في العلى وإن شفاعته لترتجى”، فسجد النبي والمشركون وهي قصة مختلقة ومستحيلة على النبي الذي لب رسالته التوحيد وليس الشرك.
المشكلة الكبرى في قصة الغرانيق تمثلت بخطأ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري عندما قوى رواية الغرانيق بدلا من أن ينسفها، وكما يقول الشيخ محمد الغزالي في كتابه “السنة بين أهل الفقه والفتح الحديث”، وأنا أنصح كل مسلم بقراءة هذا الكتاب يقول” أعطاها ابن حجر في الفتح إشارة خضراء، ليذكرها المؤلفون والوعاة لتنتشر بين الناس، حتى الباني لم يكن حاسما اتجاهها نتيجة غباء الألباني قال عن هذه الرواية في رسالة له اسمها “نصب المناجيق لنفي قصة الغرانيق”، قال طرقها كلها ضعيفة وكان الأولى به أن ينسفها لا أن يضعفها، لكن في عصر التدوين، نقلها المؤرخون والمفسرون، منهم من اعتبرها باطلة ومنهم من سكت عنها.
الخبيث في رواية سلمان رشدي ليست قصة الغرانيق وحدها، إنما إساءاته لأمهات المؤمنين وحديثه عن مصالح محمد الجنسية من زواجه بهن، حيث يتحدث في الرواية عن قصر رائع، بني في مدينة الجاهلية مكة، يطلق عليه اسم الحجاب في هذا القصر، تمارس نسوة الرذيلة لهن أسماء أمهات المؤمنين، ربما يغمز بأن الحجاب قناع لممارسة الرذيلة. لما جاء الإسلام إلى مكة منع الزنا، وبقي في قصر الحجاب 12 امرأة يمارسن الزنا، برمزية إلى زوجات النبي.
في الفصل الرابع، وهو المشكلة التي دفعت الخميني إلى إصدار الفتوى، عنوان الفصل “عائشة”، يتحدث عن الخميني الذي يكره الغرب ويحتمي به لاجئا، وفي غرفة نومه أيقونة يسميها عائشة، تعرقل نشر رسالته وهنا يرمز إلى الصراع السني ــــ الشيعي، فالخميني مثل مهاوند يستغل الدين لمآربه الشخصية والسلطوية.
يتابع في الفصل الخامس في حديثه عن لندن، لينتقل بعده إلى الفصل السادس المعنون بالعودة إلى الجاهلية ويقصد به فتح مكة ليتحدث عن سلمان كاتب الوحيد الذي تحدثنا عنه، المختبئ بقصر الحجاب خوفا من أن يقتله محمد، ويتعرض لإغراء من زوجات النبي، حتى يمارس معهن الرذيلة.
الرواية ملخصها يقول ليس هناك وحي ولا رسالة ولا دين، إنما صراع بين الأطراف على السلطة لمصالح شخصية، فالمصالح هي الأساس والدين وسيلة لخداع البسطاء، والصراع النفسي الذي يعيشه المسلم بين التاريخ المقدس والواقع الذي يناقضه يجعله غير متوازن نفسيا، ولولا الفصل الرابع وحديثه عنه الخميني لا أعتقد بأن الخميني سيصدر فتواه باغتيال رشدي.
ملخص فتوى الخميني يطالب فيها المسلمين الغيارى باغتيال المؤلف ومن طبعها ووزعها ونشرها، ومن يفعل ذلك يعتبر شهيدا. لو درسنا سبب فتوى الخميني سياسيا، سنلاحظ بأنها محاولة شعبوية لكسب تعاطف المسلمين، فهي تعرضت له من جهة وجاءت وهذا المهم سياسيا بعد وقف الحرب العراقية ــــ الإيرانية بقرار من مجلس الأمن وافق عليه الطرفان، وكانت هذه الحرب أطول حرب في القرن العشرين ومن أكثر الصراعات العسكرية دموية وانتهت بلا منتصر.
كانت موافقة الخميني على وقف الحرب هزة كبيرة لنظامهن أمام حاضنه الاجتماعي الذي كان يعده بالنصر، ويوزع لهم مفاتيح الجنة، حتى قال وهو يوقع على قرار إيقاف الحرب إني لا تجرع كأس السم، فالأسباب الدينية للفجوة ليست إلا ذريعة وهذا ديدنو الأنظمة الشمولية المأزومة، وأذكركم بحادثة شبيهة لها بنفس الأسلوب الذي مارسته السلطة في سوريا بعد هزيمة حزيران 67 عندما شغلت الشارع السوري بخلافات ما بين الشيخين الألباني والبوطي يتذكر هذه الخلافات من درست تاريخ سوريا، ثم كيف يغضب الخميني لما كتبه أو مما كتبه رشدي وهو وأتباعه يطعنون بشرف النبي وأمنا عائشة ليل نهار ويلعنون الصحابة ويتهمونهم بالردة بعد وفاة النبي واتهاماتهم لعائشة والصحابة، اتهامات سياسية بامتياز.
إن إصدار أي فتوى بقتل أو اغتيال أو تفجير أو تكفير إنسان مسالم هي ثقافة داعشية، سواء خرجت من مرجع شيعي أو سني وهي تنمر ديني ضد المخالف بدلا من مناظرته وإقامة الحجة عليه، والموافقة على فتاوى التكفير والاغتيال أيا كان مصدرها سنيا أم شيعيا، تعني دعما تهمة الإسلام بالإرهاب، لإالاغتيال لا يوقف الكلمة بل ينشرها، والمشكلة أساسها في تراثنا الذي ندعو إلى تنظيفه من المرويات المسيئة للقرآن والنبوة قبل أن نكفر من يرددها.
كان الأولى بالخميني بدلا من أن يخصص ثلاثة مليون دولار لمن يغتال رشدي، أن يخصص هذا المبلغ لعشرة مبدعين يردون على هذه الرواية بالحجة والبرهان والمنطق، حتى لما نرجع تراثيا إلى فتاوى ابن تيمية التي يستند إليها في قتل شاتم الرسول، فتاوى إبن تيمية كانت سياسية ضد موجهة ضد التتار لمن درس هذه البيضة الفجوة حيدر حيث كان التتار يشتمون النبي فكانت الفتوى نوع من أنواع المقاومة بذريعة الدين.
الفكر يواجه بالفكرة والحجة بالحجة، وما قاله سلمان رشدي مسيء وباطل، لكنه استقاه من تراثكمن والقرآن لا يدعو للاغتيال إنما يطالب المخالف بالبرهان، “قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين”، ومن يرفع صوته في الحوار ويصرخ ويتهدد هذا فارغ وقليل الحجة.
شبعنا انفعالات عاطفية أساءت للإسلام، ومن يستخدم الرصاص ضد الكلمة، لا يفرق عن مستبد يعتقل معارضة سلمية، سدنة الدين الموازية منافقون لأنهم متسامحون مع المفسدين والمستبدين وغرام مع المفكرين، الإسلام دين عظيم لا تسيء إليه رواية ولا قصيدة شعر لكن بالتأكيد يسيء إليه سلوك إرهابي يقوم به مسلم باسم الإسلام وأنا مقتنع بأن الإسلام قضية رابحة ابتليت بمحامين فاشلين وأن محمدا وموسى وعيسى عليه الصلاة والسلام أطهر خلق الله.