الفنان سعيد المغربي.. نشيد الجراح

الفنان سعيد المغربي.. نشيد الجراح

من مذكرات سعيد المغربي

عدت إلى المغرب منتشيا من كثرة ما رأيت، وكان علي أن احزم عودي لفترة قصد الاهتمام بجمع ما فاتني من محاضرات في الكلية التي كنت اعتبرها مثواي و ملاذي الآمن. وأنا في غمرة ما عشته في لبنان من صخب نضالي ومقاومة دائمة، وجدتني في تناقض داخلي مستمر يدعوني إلى تغيير كثير من الأشياء والأفكار التي كانت تسكنني وتوجه تحركاتي وأعمالي الغنائية، بين الشكل الذي اعتمدته في توصيل الأغاني وبين تحقيق توازن وتآلف، بين ما يجب فنيا وبين دور الفنان في المعارك الديمقراطية. وقد كان للبنان دور كبير في خلق هذا التناقض الداخلي والاعتراف مع نفسي أن المغرب رغم كل شيء كان الوضع فيه أقل مأساوية في جانبه الحقوقي مما رأيت وسمعت وقرأت بعيني في الأماكن التي زرتها سواء في سوريا أو في لبنان، وكان علي وقتها أن احدد لي حدودا أستطيع من خلالها رسم معالم أخرى في ظرف ذاتي متعب، بين مصير غير معلوم وانتظار المجهول.

هذا الوضع غير المريح جعلني، في ظل عزلة ووحدة وتفكير ولا مبالاة إعلامية لا تحتمل وقتذاك، أن أسرج عودي وأواصل دون اكتراث بالذي سيأتي. لأن المغرب في ذلك الوقت كان مسجونا ويئن من بقايا الأحداث الدامية لـ”عشرين يونيو” وما خلفته من نكسات واعتقالات طالت حتى بعض أحزاب المعارضة آنذاك. النضالات المتواصلة بالسجون تصلنا منها تحف إبداعية رائقة ومرهفة بحس عميق بالأشياء، أدب السجون آنذاك كان أكثر طراوة بأصدق المعاني النبيلة وبأشياء لا يستطيع نظمها غير الذي يحياها وجدانيا عندما يحرم من رؤيتها.

الشاعر صلاح الوديع
الشاعر صلاح الوديع

في هذا الزمان بالذات، خصصت على ما أتذكر “مجلة أقلام” التي كانت تصدر في تلك الوقت، عددا خاصا حول أدب السجون، فاسترعى انتباهي نص إبداعي جميل من ضمن مواده، خرج من غياهب السجن للشاعر صلاح الوديع، فلحنته وغنيته في حفلة وصفت بحفلة الوداع بجامعة ظهر المهراز بفاس، وكأنني أرسم معالم إحساس مسبق بالمنفى وما سيكون عليه وضعي النفسي إزاء الوطن. هذه الأغنية من ضمن الأغاني المحببة إلى قلبي:  

لن أمل من الترديد

شعر: صلاح الوديع،

لحن سنة 1982

لن أمل من الترديد

والزمن لن يُلجمني،

فهذا القلب وراء السور

له جذور في الأرض،

يمضي، يمضي يمضي

أعطوني مزهرية

أضع فيها بعض زهور بلادي،

أعطوني وترا

أغني به نشيدي الجريح

أمطريني يا بلادي

وارضعيني نداك

فكيف أموت وأنا الخلود،

أنت أنت، أنت جرحي

أنت آلامي، أنت الحلم

 أنت الجسر أنت الموج والعاصفات…

Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة