إيران وتزاوج الشعر بالدم والدموع

إيران وتزاوج الشعر بالدم والدموع

 باريس- المعطي قبال

بين تركيا وإيران ثمة جسور إثنية، لغوية، تاريخية واقتصادية صلبة. ولم يبد أيا منهما يوما رغبته في الهيمنة والسيادة الإقليمية. لذلك تبقى الجسور مفتوحة بين البلدين، غير العربيين، للتبادل الحر وعبور الأشخاص من دون المراقبة المفروضة مثلا على الوافدين من بعض دول الشرق الأوسط. لكن المثقف وبالأحرى الكاتب الروائي الملتزم يجد نفسه في ضائقة ضمير لما يتعلق الأمر بزيارة بلد يدوس حقوق الإنسان. هذا ما شعر به الكاتب التركي نديم غورسيل الذي تابعته سلطات بلده بسبب رواياته المناهضة للنظام وللإسلام السياسي. وكان خائفا من أن تلاحقه هذه السمعة بإيران. إلا أن ذلك لم يحدث.

على أي تبقى مهمة الكاتب هي السفر إلى منتهى الجحيم للإتيان بالصور، بالأصوات والشهادات. لذلك قام بهذه الرحلة إلى إيران والتي أصدرها في كتاب بعنوان «رحلة إلى إيران. في انتظار المهدي المنتظر»، صدر عن منشورات أكت سود في 176 صفحة.

لم يفصح طبعا عن الهدف من زيارته لما سأله شخص كان جالسا إلى جانبه بمطار الإمام الخميني بطهران. اكتفى بالرد: «جئت للسياحة لاكتشاف البلد». «ألم تجد بلدا آخرا لذلك»، أجابه الشخص الذي يبدو أنه من رجال الأعمال وأنه متذمر من العيش بإيران. في مثل هذه الدول وفي مثل هذه الحالات يجد الكاتب أو المثقف نفسه مجبرا على المراوغة بل الكذب، لأن المخبرين لا ينامون. على أي بدأ الكاتب رحلته بطهران ليختمها بنفس المدينة بعد أن زار الخراسان، بيرسبوليس، شيراز، يزد ثم العودة إلى طهران. لكن زيارة إيران كانت حلم طفولة راود الكاتب لما كان رفقة أصدقائه يتعاطون إلى لعبة صبيانية معروفة بلعبة «باشا التجار»، «بيزيغران باشا». فيما بعد تدافعت تأثيرات أخري في ذاكرة الكاتب أهمها رباعيات عمر الخيام و رواية «البومة العمياء» لصادق هدايت، ثم جاءت الثورة الإيرانية مع اهتمام الكاتب بالإسلام الشيعي . كل هذه العوامل دفعت الكاتب إلى القيام بهذه الرحلة وإنجاز هذا التحقيق الذي يقربنا بشكله المتشظي من إيران الأمس واليوم. وبما أن التحقيق كان لصالح مجلة «ماغما» المختصة في التحقيقات المصورة، رافق الكاتب في هذه الرحلة المصور تيجان بورولتاي والكاتبة شاهزاده إيغوال والشاعر سعيد فكري. يشير الكاتب أن هذه الرحلة مكنته من عقد الصلة مع شعراء كبار لم ينل الزمن من هامتهم الشعرية أمثال: عمر الخيام، فريد الدين العطار مرورا بحافظ والفردوسي صاحب شاه نامه ولا يزال هؤلاء مصدر إلهام بالنسبة للشعراء الشباب.

 قبل أن تحط الطائرة بمطار طهران، تسارعت النساء إلى استبدال لباسهن لارتداء الحجاب أو الخمار ومسح أثار الماكياج من على وجوههن. أول شيء يثير الانتباه هي البورتريهات الضخمة آية الله الخميني وعلي خامنئي التي تزين حيطان وواجهات الفنادق والمحلات التجارية. إن كان إيران بلد ثيوقراطي، فإن ثقافته ونظام الحياة والقوى الحية التي بداخله ليست بتقليدية. لا ينتمي إيران للشرق الأوسط على غرار بقية الدول الأخرى. ذلك أن الثقافة الإيرانية التي تمد جذورها إلى قلب الماضي تكسب شرعيتها من ماضي إمبراطوري وتفتخر بآداب تستحق أن يتعرف عليها العالم أجمع.

بعدها زار الكاتب منطقة جول وتعني بالفارسية الوردة. هنا قلب سلالة القجر ، الدولة التي كانت من وراء تحديث إيران في القرن التاسع عشر. فيما بعد، سواء تحت نظام الشاه أو الملالي أصبح المثقف هدفا لقتلة الليل. هكذا تمت تصفية المثقف داريوش فاروهار وزوجته، مجيد شريف، محمد مختاري، محمد جعفر بوياندي «الذين سقطوا مثلما تسقط أوراق الخريف دون أن تحدث أي صوت».

هكذا استمرت الرحلة في اتجاه مشهد (المدينة الإيرانية الثانية والمحج الإيراني الأول)، يقصدها الحجاج الشيعة للترحم على قبر الإمام رضا الذي يعتبر شهيدا. وكان من وراء قتل الإمام رضا  الخليفة المأمون، ابن هارون الرشيد. ويقال إن المامون دس له السم. وبما أن القبر مغلق اختار الكاتب زيارة قبر عمر الخيام وفريد الدين العطار بنيسابور اللذان ينبعث منهما نفس الروح والتسامي. ببلدة طوس زار الكاتب قبر الفردوسي، الذي يعتبره الإيرانيون منقذ اللغة الفارسية. تطلبت منه كتابة ديوانه شاه نامه 30 عاما ويتألف الديوان من 60 ألف بيت.

 شيراز، بيرسيبوليس، خراسان محطات وقف بها الكاتب وفي كل مرة نفض الغبار عن التاريخ  لإحياء ذكرى الشعراء والفنانين (صانعي المنمنمات والسجاد) دون نسيان أن هذا التاريخ مشبع بالعشق، بالدم والدموع.

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".