لبنان وعون على أبوب تكرار تجربة 89…
أحمد مطر
في الوقت الذي ينوء فيه معظم اللبنانيين تحت تداعيات الأزمة الاقتصادية والمعيشية، ويغرقون في غياهب الظلمة، في ظل الحركة المتفلتة لارتفاع سعر صرف الدولار، وما يتبعها من ارتفاع لكل أسعار الضروريات الحياتية، تستمر المناقشات السياسية العقيمة بين أقطاب السلطة السياسة، حيث يجتهد كل منهم أن يطرح رؤيته ويقترح مخارجه لاجتياز جميع الحواجز والعقبات، التي يمكن أن تعطل الاستحقاق الرئاسي المقبل، لكن لم يقدم أي منهم في طروحاته أية مبادرة لمنع حصول فراغ في سدة الرئاسة، بل وعلى العكس، فإن الجميع بات ينطلق من مسلمة بأن الفراغ الدستوري حاصل لا محالة. مع بداية المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، يستمر فشل رئيس الجمهورية والرئيس المكلف في إيجاد تشكيلة حكومية قادرة على قيادة المسيرة، سواء لجهة معالجة شؤون مؤسسات الدولة التي انهارت بمعظمها، ومنطق الأمور يفرض تشكيل الحكومة منذ الانتخابات النيابية في أيار-ماي الماضي، فقد جرت تلك الانتخابات في موعدها وجاءت بمجلس نواب متنوّع التكتّلات، اختارت أغلبية فيه تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل حكومة جديدة .
كان ينبغي أن ينهي ميقاتي مهمته منذ حزيران الماضي، بحكومةٍ كالتي يرأسها حالياً أو بحكومة مشابهة. لم يكن أحد يتوقع تغييرات عظمى في التشكيلة التي ستختتم عهد الرئيس ميشال عون لتستقيل فور انتخاب الخلف، والقول إن إنجازات كبرى ستطبع نهاية العهد بحكومته الأخيرة لم يكن سوى بيع كلام ومحاولة لبيع الخضروات في المساء بسعر الصباح .
تعطل التشكيل، ومن دون الدخول في تحديد المسؤوليات وتوزيعها، ظهر أن الهدف هو الاستعداد للفراغ بحكومة رؤساء للجمهورية، في تكرار لتجربة حكومة الرئيس تمام سلام بعد نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان وبدء فرض الفراغ المجيد، في مقابل هذا المناخ تتقدم الظاهرة الثانية وهي الظاهرة الضرورية والمطلوبة، وفحواها الاستعداد الجدي لانتخاب رئيس للجمهورية في الوقت المحدد، ولا شيء يمنع تحقيق ذلك إذا جرى الاحتكام إلى مجلس النواب وواجبه في انتخاب الرئيس والتزامه تأمين النصاب لدورات الانتخاب.
على هذا الطريق بدأت تتبلور المواقف. هناك مرشحون أبدوا استعدادهم لخوض النزال، وآخرون لم، وربما لن، يعرّضوا أنفسهم، إلا أن الأهم هو المقاييس والمواصفات التي بدأت تبلورها الكتل النيابية والرأي العام الوطني.
كانت كتلة النواب التغييريين سبّاقة في طرح مبادرة للإتيان برئيس يلتزم الدستور واستعادة الدولة. صحيح أن شعاراً كهذا يتجنّب التصويب على الميليشيا والسلاح والدولة ضمن الدولة، لكنه يختصر الأزمة الوطنية التي يعيشها البلد. ويلتقي هذا الطرح عملياً مع رفض الدكتور سمير جعجع تكرار التجربة السابقة التي يعتبرها مسؤولة عن فرض منطق الممانعة على الدولة، وبالتالي عن انهيار الدولة، والأهم في ما قاله جعجع والتزم به النواب الـ13 هو التأكيد على إقامة أوسع الاتصالات مع مختلف الكتل، من أجل الاتفاق على اسم تتجسّد فيه مفاهيم السيادة والإصلاح واستعادة الدولة، ومن دون التمسك المسبق بأية مطالب خاصة لن تكون المسألة سهلة ولا الوصول إلى الغايات الكبرى مضموناً. لكن المحاولة ضرورية ولا بديل منها، فانتخاب الرئيس له الأولوية، وليس الإمعان في الهروب سعياً وراء حكومة للفراغ .
ختاماً، يؤشر المخاض السياسي العام في البلد منذ بداية عهد عون إلى وجود نوايا لدى عدد من الأفرقاء من السياسيين وبعض النخب المسيحية، ممن يفكرون ويعملون سراً وعلناً من أجل الانقلاب على صيغة لبنان الكبير، وعلى صيغة التوافق الوطني التي أرساها وصانها «الآباء المؤسسون» لدولة الاستقلال، وأيضاً على صيغة نظام الطائف. في هذا السياق يمكن أن نذكر الأحزاب التي لا تؤمن بلبنان منذ تأسيسه، وهي تعمل علناً لاستبداله بأوطان قومية كبرى. ويأتي في نفس السياق المشروع الذي يعمل له مذهبياً وإقليمياً «حزب الله»، والذي يربط لبنان بخيارات الجمهورية الإسلامية، وولاية الفقيه، في كل خياراتها ومشاريعها الاقليمية والدولية .
Visited 4 times, 1 visit(s) today