أمريكا: روائيون بأحلام كابوسية

أمريكا: روائيون بأحلام كابوسية

باريس- المعطي قبال

تحتضن باريس، بمنطقة فانسان، من 22 إلى 25 سبتمبر النسخة العشرين من “مهرجان آداب وثقافات أمريكا الشمالية”. أربعة أيام ينغمس فيها القراء وعشاق هذه الآداب في أعماق مجتمع أمريكا الشمالية بالأمس واليوم. وسوف تتركز المطارحات على  السكان الأوائل، التهديد المناخي، كبوة الحلم الأمريكي، الإجهاض، العنف البوليسي والإجرام بمختلف أطيافه، وتسرب الانترنت ومشتقاتها من شبكات التواصل الاجتماعي إلى الحياة الحميمية للناس. مواضيع برع في معالجتها روائيون أصبحوا اليوم الشاهد والموثق لها، روائيون ترجمت أعمالهم إلى كل اللغات ويحققون أرباحا خيالية في سوق مبيعات الكتب. إلى جانب الأسماء المكرسة من أمثال ريشار فورد، راسيل بانكس، يستدعي المهرجان أسماء شابة وغير معروفة بفرنسا لكنها تسجل بثقة حضورها في المشهد الأدبي الأمريكي.

تستقبل هذه الدورة إذا 80 كاتبا وكاتبة وافدين من أمريكا الشمالية، كندا الأنغلوفونية، كندا-الفرنكوفونية، المكسيك، هايتي، جامايكا، كوبا. إنها أمريكا الشمالية بصيغة الجمع، أمريكا بتعددية شعوبها مع جامع يوحد بينها ألا وهي اللغة الانجليزية. وستكون الأغلبية للولايات المتحدة بحضور 43 كاتبا وكاتبة والباقي موزع على بقية الدول. كما يشار إلى حضور كتاب وكاتبات أمريكية من أصول إفريقية، فيتنامية، مكسيكية، صينية، كوبية. وتشمل التظاهرة ندوات أدبية وفكرية، مقاهي أدبية، محترفات للكتابة، توقيعات للكتب ومهرجان خاص بأدب الشباب.

ومن بين التيمات التي يناقشها المهرجان: الشعوب الأولى، (بدل الشعوب البدائية)، البيئة، المجتمع، العائلة، التاريخ، الكتابة والثقافة المضادة، الجندر، الرواية الأولى، التخييل، الشعر، الطفولة، الجسد، الطبيعة. أهم اللحظات التي ستميز هذا المهرجان هي المقابلة التي ستجمع بمركز جورج بومبيدو، بين ريشار فورد وراسيل بانكس وهما من عمالقة الرواية الأمريكية الحديثة.

راسيل بانكس وريشار فورد
راسيل بانكس وريشار فورد

ريشار فورد من مواليد 1944 بمدينة دجاكسون بالمسيسيبي. حاصل على جائزة البوليتزر وجائزة فولكنر أوارد عام 1966 على روايته «استقلال»، كما فاز بالجائزة الأجنبية للفيمينا بفرنسا عام 2013  على رواية «كندا». نال أيضا جائزة أميرة أستوريا على مجموع أعماله التي تجمع بين القصة، القصيرة والرواية. أصدر أولى رواياته في عنوان «موتة سرية»، لكن روايتي «نهاية أسبوع بميشيغان»، و«روك سبرينغ»، دفعته على رأس القائمة وواجهة النقد، جعلت بعض نقاد الأدب يقربونه على مستوى الأسلوب من رايمون كارفر، أحد أهم الروائيين الذين توفوا باكرا.  من قرأ رواية «والدتي» لريشار فورد يلمس فن الكتابة ،حيث يضع لمسات بلسمية خفيفة على الجراح والآلام. بعد موت الأب. لا دموع بل حزن دفين. يسترجع الكاتب بحركات منفصلة لا توتر فيها الطفولة البسيطة بالأركانساس، مراهقته الصاخبة، زواج الأم ثم سنوات العزلة وإصابتها بالسرطان. البساطة، التقشف في الحكي، هي وقائع المعاش المعقد وأحيانا التراجيدي. ذاك ما يميز التجربة الروائية لريشار فورد.

حتى وإن كانت هناك أوجه قرابة مع فورد، بطفولة موسومة بالحرمان وغياب الأب، فإن مسار راسيل بانكس  أكثر عنفا وتشرد. ولد بانكس عام 1940 بمدينة نيوتن بالماساشوسيت. كان والده سباكا. غادر راسيل البيت العائلي وهو في سن الحادية عشرة. راسيل هو من عينة الأشخاص الذين يصنعون أنفسهم بأنفسهم. تخلص من عالم دار الأيتام التي قضى بها سنوات لخوض الدراسة. بعد دراسته بجامعة كارولين الشمالية رحل إلى جاميكا.

هو روائي، شاعر وكاتب قصة قصيرة. يعمل اليوم أستاذا للأدب الحديث بجامعة برينستون. كما أنه عضو بالأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب. التيمات التي تسكن كتابته هي البحث عن الأب ومعالجة قضايا الكادحين من الطبقات الشعبية. هذه الكتابات جعلت النقاد يصنفونه في خانة الكتاب الملتزمين سياسيا. اتخذ موقفا مناهضا للتدخل العسكري بالعراق. من 1998 إلى غاية 2004، ترأس، خلفا لوول سوينكا، البرلمان العالمي للكتاب الذي أنشأه سلمان رشدي. وهو اليوم الرئيس المؤسس لمدن اللاجئين بأمريكا الشمالية، الفضاء الذي  يستقبل كتابا مهددين بالقتل والاغتراب. كما أن راسيل عضو بلجنة الرعاية لمحكمة راسل حول فلسطين. ولما تعرض سلمان رشدي لمحاولة اغتيال وجد إلى جانبه راسيل بانكس لما أفاق من غيبوبته. كما أنه صديق للكاتب جيم هاريسون. تحولت بعض رواياته إلى أفلام ناجحة وعلى يد مشاهر المخرجين. مثل بول شرودر وفرنسيس فورد كوبولا ويستعد مارتان سكورسيز لإخراج فيلم على سيناريو  لراسيل بانكس.

ملصق المهرجان
ملصق المهرجان

تشهد روايات فورد وبانكس على واقع وتحولات بلد اسمه الولايات المتحدة، على انتقاله الشعبوي وانغماسه في الثقافة المحافظة بل الرجعية تحت ولاية ترامب، ثم هروب الروح من جسده مع بايدن. يتقاسم كتاب آخرون مع فورد وبانكس هذه الهموم مثل بول أوستير، توني موريسون، فيليب روث الخ…وقد توفي الأخيرين. إلا أن الجيل الذي سيحضر فعاليات مهرجان أمريكا لا يزال في بداياته الأولى ببضعة روايات أو قصائد واعدة لكنها غير كافية. ولربما ارتقى هؤلاء فيما بعد إلى مستوى التألق والشهرة من أمثال: رومان علم، إما كلين، ليلى موتلي، جويس ماينار وغيرهم، لتقديم شهادات جديدة عن التفتت الذي يتهدد الولايات المتحدة الأمريكية. 

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".