تصعيد النزاع بين قيرغيزستان وطاجيكستان: الوقائع والأسباب والنتائج

تصعيد النزاع بين قيرغيزستان وطاجيكستان: الوقائع والأسباب والنتائج

زياد منصور

  تستمر أعمال القصف المتبادل بين قرغيستان وطاجيكستان. ونقلت وسائل إعلام أنه علاوة على ذلك، قصفت القوات المسلحة الطاجيكية لأول مرة مواقع حرس الحدود القيرغيزي في قرى تشيك طاش وكراميك وكارول دوبو في منطقة تشون ألاي بمنطقة أوش. في السابق، تركزت الأحداث في منطقة باتكين فقط.

  بالإضافة إلى ذلك، تبادل الطرفان القصف بقذائف الهاون في منطقة قرية دوستوك ومنطقة تورت كوجو التي تربط جيب فوروخ الطاجيكي بالجزء الرئيسي من طاجيكستان، وكذلك في محيط باسكا أريك.

  وأعلن رئيس الحماية المدنية في منطقة باتكين، المفوض الرئاسي عبد الكريم أليمباييف، حالة الطوارئ في جميع أنحاء المنطقة.

  وأفادت دائرة الحدود في قيرغيزستان أن مواطني طاجيكستان بدأوا في إشعال النار في منازلهم بهدف الاستفزاز المتعمد. ونتيجة للقتال والاشتباكات، قتل 24 مواطنا قيرغيزيا وجرح 103 أشخاص. لا تزال الحكومة الطاجيكية لا تقدم بيانات عن عدد القتلى والجرحى.

  يتهم الجانبان بعضهما البعض بانتهاك اتفاقيات الهدنة وسحب وحدات إضافية من القوات المسلحة إلى الحدود، فضلاً عن الانتشار في البنية التحتية المدنية. وتأتي هذه الأحداث التي من بين أسبابها القيود المفروضة على إمكانية الوصول للمياه والأراضي التي يعتبرها السكان المحليون ملكاً لهم، وكثيراً ما أدت تلك الخلافات إلى اشتباكات عنيفة في الماضي، مع الإشارة إلى ان طول الحدود بين البلدين تبلغ حوالي 1000 كلم.

  واشتد هذا الصراع بسبب معاناة آسيا الوسطى من مشاكل حادة مع نقص الموارد المائية. وتضاعفت كمية المياه المستهلكة مرتين في الأعوام الخمسين الأخيرة في المناطق الحدودية التي تعتمد أساساً على الزراعات المروية. ومع تقادم البنى التحتية لشبكات الصرف وتوصيل المياه، وتضاعف عدد السكان مرات عدة، ازدادت أزمة نقص المياه، وفتحت الباي لصراع جيوبوليتيكي قائم في أساسه على عدم القدرة على تقاسم كميات المياه، وعدم إنجاز ترسيم الحدود إثر فرط عقد الاتحاد السوفييتي عام 1991.

الجغرافيا السياسية:

  المواجهة بين البلدين، على الرغم من انتظامها الدوري، تبدو هذه المرة مختلفة بشكل كبير في الحجم. إذ تشارك المعدات الثقيلة والأسلحة والطيران، بما في ذلك الطائرات بدون طيار.

رد فعل السكان في كلتا الدولتين مختلف تمامًا. يبدو أن مواطني كل من قيرغيزستان وطاجيكستان قد تعبوا من المناوشات المنتظمة على الحدود ويطالبون بخطوات أكثر جدية لحل المشاكل بشكل نهائي.

  في مقابل ذلك تُنشر مقاطع فيديو مختلفة على شبكات التواصل الاجتماعي تدعو إلى بدء حرب فعلية بين الدول. حتى الآن، صرحت لجنة الدولة القيرغيزية للأمن القومي أن السكان الطاجيك في منطقة الاشتباكات أشعلوا النار في منازلهم من أجل استفزاز واتهام القوات المسلحة القرغيزية.

  إن نمو النزعة القومية الراديكالية على أساس كراهية البعض للبعض الآخر يمكن أن يكون عاملا جادا في زيادة تصعيد الصراع. حتى لو قامت الأطراف بتسوية واستعادة الاستقرار الهش، فإن بعض المجموعات من كل من السكان القرغيز والطاجيك ستظل غير راضية عن “التنازلات” التالية.

  ستوفر الأزمة المتفاقمة في هذه المنطقة أرضًا خصبة للعناصر المتطرفة للتسلل إليها، نظرًا لقرب البلدان من أفغانستان.  إذ لطالما بحث مسلحو ولاية خراسان عن طرق لتطوير أنشطة أكثر نشاطًا في بلدان فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي. ويعد استمرار الصراع مع وجود الجماعات القومية فرصة مثالية لنقل الدعاة المتطرفين وجذب أشخاص جدد إلى صفوفهم

  تعمل الخدمة الإعلامية لداعش على بث الدعوات في الأوساط الشابة الطاجيكية منذ فترة طويلة بهدف استقطاب هؤلاء الشبان حيث لم تجد ولم تواجه مشاكل في ذلك وفي أعمال لذلك، فإن تصريحات دائرة الحدود في قيرغيزستان حول مشاركة “مجهولين” في استفزازات على الحدود قد تكون مبررة.

  تعتبر المناطق الجبلية في أفغانستان وطاجيكستان مناطق غير خاضعة للرقابة تقريبًا تُستخدم للعبور غير القانوني للأشخاص ونقل البضائع المحظورة. إن إلهاء جيشي قيرغيزستان وطاجيكستان عن الأحداث بالقرب من الحدود حرم المناطق التي تخضع لسيطرة ضعيفة من أي حماية من الاختراق غير القانوني.

من المستفيد من تفاقم الصراع؟

  يبدو أن هناك مصالح دول غربية في إضعاف روسيا وإشعال نزاعات طويلة الأمد من أجل فتح جبهة ثانية على الحدود الجنوبية. في بلدان الاتحاد السوفياتي السابق، منذ انهيار الاتحاد، حيث تعمل العديد من المنظمات غير الحكومية والمنظمات غير الربحية كما تسمى هناك ومنذ فترة طويلة، بالترويج للأجندات اللازمة للغرب ضد روسيا  في قيرغيزستان، على سبيل المثال، يزيد عدد المنظمات أو المنظمات التي تمولها مؤسسات كبرى عن الحد الضروري اللازم، والهدف رعاية شرائح معادية لروسيا من السكان. وفي طاجيكستان، تم ترسيخ مؤسسة الآغا خان، التي تروج لمصالح دول أوروبية غربية محددة.

  من الضروري الإشارة إلى أن إطالة أمد المواجهة المسلحة بين الدولتين محفوف بعواقب بعيدة المدى على المنطقة بأسرها. يبذل عدد كبير من وكالات الأنباء والمنظمات الموالية للغرب بالفعل جهودًا كبيرة من أجل تسعير القتال ومواصلته.

  على سبيل المثال تظهر إعلانات من قبيل دعم مواطني قيرغيزستان ضد طاجيكستان، وتحمل عبارات: “يواصل حرس الحدود في قيرغيزستان صد العدوان العسكري لطاجيكستان”.

   إن الغرض من مثل هذه الأعمال هو نشر الفوضى في منطقة آسيا الوسطى. بمعنى آخر إذا اشتعلت النيران بين طاجيكستان وقيرغيزستان، فستتبعها بؤر التوتر الأخرى في المنطقة. وسيستخدم هذا بالتأكيد من قبل أعضاء التنظيمات الإرهابية، بما في ذلك داعش والحركة الإسلامية لأوزبكستان وحزب النهضة الإسلامي في طاجيكستان، الذي ينفذ أجندات ليست في مصلحة روسيا ولا منظمة الأمن الجماعي، أي يقدم الدعم للغرب.

وسيقع حل هذه النزاعات على عاتق منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وإلى حد ما، الصين بسبب الاهتمام الكبير للصين في تحقيق الاستقرار في المنطقة. وسيحصد الغرب ثمار كل هذا “العيد”.

   دون شك فإن الاشتباكات الحدودية بين قرغيزستان وطاجيكستان، وتلك التي اندلعت بين أرمينيا وأذربيجان في ناغورني كاراباخ، لا ترتبط ارتباطاً مباشراً بالحرب في أوكرانيا، إلا أنها قد تكون مؤشراً على تراجع هيمنة موسكو، وقدرتها على التأثير على دول المنطقة.

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. زياد منصور

أستاذ جامعي وباحث في التاريخ الروسي