عن الحرب الروسية – الأوكرانية.. لمن ننحاز؟
د. جمال القرى
كيف يمكن الوقوف مع روسيا أو مع أوكرانيا في هذه الحرب – الأزمة التي هي أحد تداعيات انهيار الاتحاد السوفياتي الذي لم يُستكمل بعد بانتظار ظهور عالم جيو – سياسي جديد هو في طور التشكّل؟
تشكل هذه الحرب بالإضافة الصراعات العرقية السياسية في البلقان وجمهوريات ما بعد الاتحاد السوفياتي أخطر تحدٍ للأمن الأوروبي منذ انهيار الاتحاد السوفياتي ويوغوسلافيا. وتُعتبر هذه الحرب بالإضافة إلى التناقضات الروسية – الأوكرانية حول شبه جزيرة القرم والمناطق الجنوبية الشرقية من أوكرانيا، وتحوّل مشروع الدولة الأوكرانية إلى مشروع لتشكيل هوية وطنية أكثر صرامة، أكبر مواجهة واسعة النطاق بين روسيا والغرب منذ نهاية الحرب الباردة. فاصطدام مصالح روسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حول أوكرانيا، أدى إلى أزمة داخلية على المستويين الإقليمي والعالمي.
دفعت كل هذه الأحداث العديد من السياسيين والخبراء الروس إلى التفكير في العمليات التي تجري في دول الاتحاد السوفياتي السابق من خلال المنظور الأوكراني.
فما هو تأثير الديناميات السياسية في أوكرانيا على الصراعات في دول ما بعد الاتحاد السوفياتي: ترانسدنيستريا، جورجيا – أبخازيا، جورجيا – أوسيتيا، أرمينيا – أذربيجان، طاجيسكستان – قيرغيزستان… فهناك تأثير مباشر وغير مباشر للعامل الأوكراني على تلك المواجهات العرقية – السياسية على أراضي الاتحاد السوفياتي السابق، كما تأثير رمزي وأيديولوجي وعسكري وسياسي لكييف على الوضع في ترانسنيستريا والقوقاز. فهل ستتمكن المجتمعات الغربية من منع انزلاق العالم في الوقت المناسب إلى “حرب باردة” جديدة، أو إلى” حرب ساخنة”؟
العلاقات بين الاتحاد الروسي والولايات المتحدة والدول الغربية
إن نشر المساعدات الغربية والأميركية العسكرية في أوكرانيا، تقلّل من احتمال نجاح الحل التفاوضي على العسكري، كما أنها تنعي نتيجة المحادثات التي كانت قد جرت بين الرئيسين الروسي والأميركي فلاديمير بوتين وجو بايدن في العام الماضي، وأعطت حينها دفعة للحوار الروسي – الأميركي في عدد من المجالات، خصوصاً حول الاستقرار الاستراتيجي وأمن المعلومات، وتكثيف التفاعل بين أجهزة إنفاذ القانون في البلدين في مجال الأمن السيبراني، وصولاً إلى التفاوض بشأن إبرام معاهدات حول مواضيع عسكرية – استراتيجية محددة. وكان من شأن هذه الاتفاقات واسعة النطاق في المجال الأمني أن تضمن إحراز تقدم في عمل البعثات الدبلوماسية وتبادل الأسرى.
أما المفاوضات بين الاتحاد الروسي والغرب بشأن الضمانات الأمنية، فقد جعلت السياق الدولي حول أوكرانيا أكثر أهمية من ذي قبل نظراً لوضعها الداخلي المأزوم خصوصاً بعد انتخاب زيلينسكي الذي لم يف بأي من وعوده الانتخابية، ووضعه المعقد بسبب صراعه مع رينات أحمدوف، أحد أكثر الأوليغارشية الأوكرانية نفوذاً وتجزأة الساحة السياسية الداخلية.
استفزازات ضد روسيا
ويرى المحلّلون الاستراتيجيون الروس أنه كان للحوار بين الاتحاد الروسي والغرب حول الضمانات الأمنية من أن يزيل مخاطر الاستفزازات في مناطق أخرى من العالم حيث خطر التصعيد ليس عالياً. ولكن أتى تقويض مصداقية هذه الضمانات الأمنية الروسية بهدف إظهار ضعف روسيا من خلال تقويض السلطة غير المشروطة الآن لقوات حفظ السلام الروسية في ناغورني كاراباخ، أو من خلال إلحاق ضرر ملموس بالشركات العسكرية الروسية الخاصة في إفريقيا.
وفي رأيهم، أن الغرب سيوّجه “ضربة غير مباشرة لروسيا من خلال الضغط على حلفائها”. فعلى سبيل المثال، في الظروف التي يؤدي فيها فرض عقوبات أمريكية جديدة واسعة النطاق ضد روسيا إلى قطع العلاقات مع الغرب، قد يتم فرض عقوبات على بيلاروسيا أو كازاخستان من أجل زيادة مستوى دعم موسكو لحلفائها بشكل كبير.
ويضيف المحللون أن “محاولات عرقلة المفاوضات مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بشأن الضمانات الأمنية لروسيا قد تشمل فضائح جديدة كتهديدات إلكترونية مزعومة. بالإضافة إلى ذلك، فإن قادة الدول الغربية الرئيسية مستعدون للمفاوضات، لكن شركائهم الصغار في الناتو يعارضزن بشكل قاطع أي اتفاقيات مع روسيا. فبولندا أو ليتوانيا تحتاجان إلى حجة تسمح لهما بمطالبة الولايات المتحدة بعدم التحدث إلى الكرملين. إن شركاء الولايات المتحدة الصغار في الناتو هم من قد يشكّلون مصدر استفزات إضافية لروسيا”.
تُظهر هذه الحرب التي تُنذر بالأسوأ على كل دول العالم أن روسيا تشكّل عامل رئيسي للاستقرار في العالم، وأن أي اختراق للخطوط الحمر، وتوسّع الناتو باتجاه الشرق، سيخلق تهديدات عسكرية إضافية ومضادة سيكون من الصعب على العالم تحمّل مخاطر تداعياتها.