جردة حساب أولى في غزوة الدب القطبي

جردة حساب أولى في غزوة الدب القطبي

جورج الرّاسي

 دخلنا الشهر السابع من الغزو البوتيني لأوكزانيا وأصبح بالإمكان استخلاص عبر عديدة من هذا الحدث الكوني.   

لنتذكر أولا أننا على عتبة إنقضاء الربع الأول من القرن الواحد والعشرين، وأنه أنقضى أكثر من قرن على الحرب العالمية الأولى، ولن يمضي وقت طويل حتى  يكون فد مضى فرن آخر على الحرب الثانية التي ما زلنا نعاني من رواسبها.  

ولم يكن يخطر في بال أحد أنه سيستيقظ صبيحة 24 شباط- فبراير من عام 2022 على صرير الدبابات الروسية وهي تغزو بلدا مجاورا في قلب أوروبا التي كانت المسرح الرئيسي للحربين العالميتين السابقتين..

من كان يتصور في أوروبا أننا سنصحو على طائرات تدك المدن الآمنة، وتهجر السكان بالملايين، وتزيل الحدود التي رسمتها معاهدات دولية، واتفاقات ثنائية، في حين أصبحت اهتمامات العالم في مكان آخر؛ البيئة، والمناخ؛ والتغذية، ومستوى الحياة، والتضخم و… و

 بوتين عندما كان حارس الظل لغورباتشيف
بوتين عندما كان حارس الظل لغورباتشيف

أما وقد حدث ما حدث، وما زال يحدث في قلب أوروبا منذ سبعة أشهر، فيمكن اليوم أن نحدد النتائج التالية:

1- إذا  كان هدف الغزو الروسي إلغاء وجود الأمة الأوكزانية، فقد جاءت النتيجة معاكسة تماما، فقد أذكى الشعور القومي الأوكراني كما لم يكن في أي وقت مضى.

2-  لقد أحيا الغزو الروسي عظام الحلف الأطلسي وهي رميم. فقد كان ذلك الحلف مترهلا إلى درجة أن أحدا لم يكن يشعر بوجوده، فجاء الرفيق بوتين وأعطاه جرعة مقويات أعادت الشيخ إلى صباه

3-  لم يكتف الغزو الروسي بإعادة الحياة الى الحلف الأطلسي،  بل ساهم بتوسيعه وبتقويته إذ سارعت كل الدول المسالمة و المحايدة في أوروبا وحتى في خارجها، إلى طلب الانضمام إليه ابتداءا بفنلندا ودول البلطيق، وصولا إلى أوكرانيا ذاتها

4-  لقد أدى الغزو الروسي إلى إلقاء أوروبا في أحضان الولايات  المتحدة مرة أخرى، بعدما أمضت أكثر من نصف قرن وهي تحاول التخلص من تلك الأخوة الخانقة، ومنذ أيام الجنرال ديغول على وجه التحديد… وينطبق هذا الوضع على ألمانيا بوجه خاص، إذ إنها حتى عشية ذلك الهجوم الأرعن كانت تزيد من درجة اندماجها بالاقتصاد الروسي عن طريق خط إضافي لاجترار الغاز

5-  كيف يمكن للقيادة الروسية أن لا تدرك أن أهم حماية لها من النوايا الشريرة للولايات المتحدة، هي أوروبا  بالذات. فحتى اللحظة الأخيرة كنا نسمع من زعماء أوروبيين، أمثال الرئيس الفرنسي إمانويل ماكر ن مقولة؛ يجب عدم إهانة روسيا

لقد أعاد الرفيق بوتين  أوروبا لكي تبقى وحيدة  تواجه وجها لوجه إدارة أمريكية متقلبة بين رئيس أهوج ورئيس مضطرب

6- من الواضح أن القيادة الروسية الحالية تعيش في القرن الماضي، فلا تدرك حجم التطور الذي حدث في عقلية ونمط حياة الأجيال الجديدة. فخلال الثلاثين عاما الماضية سافر الروس إلى دول أوروبا و جابوا العالم وتعرفوا على نمط جديد من الحياة و تبنوه.

7-  هل تتصورون دولة عظمى تلعب لعبة “غميضة” حول أكبر مفاعل ذري في أوروبا  يمكن أن يجعل الحياة مستحيلة حوله لمجرد غلطة أو سوء تقدير أو نوبة جنون..؟ إنه الجنون بعينه

8-  ما ذنب فقراء العالم حتى يحرموا من سلة الغذاء الأوكرانية، أو أن يدفعوا ثمنها أضعافا مضاعفة لمجرد أن السيد بوتين لا تكفيه أراضيه بل يريد أن يوسعها على حساب جيرانه..

9-  أما عن الخسائر فحدث ولا حرج. لا أتكلم عن الخسائر المادية وأرقامها مذهلة. أشير فقط إلى الخسائر البشرية. وزير الدفاع الروسي اعترف بنحو تسعة آلاف قثتل في صفوف جيشه. الغربيون يقولون إن الرقم الحقيقي  أعلى بعشرة أضعاف.. الرقمان مخيفان… كيف تريدون  للشباب الروسي الذي تعود حب الحياة أن لا يهرع إلى أول طائرة تغادر البلاد..؟

10-  أما فيما يخصنا عن قريب، فإن عملية بوتين السوداء قد رفدت الدولة العبرية  بمئات الآلاف من المهاجرين الجدد من روسيا ذاتها ومن أوكرانيا..

وأخيرا، لا أريد أن أتحدث عن سحب نظام الدفاع الجوي S-300 من سورية لإرساله إلى الجبهة الأوكرانية، فهو أصلا لم يطلق زخة واحدة على الطيران الإسرائيلي المعربد فوق أجواء دمشق

سامحك الله على فعلتك يا  Tavarech…

 بوتين عندما كان حارس الظل لغورباتشيف

Visited 9 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

جورج الراسي

صحفي وكاتب لبناني