رائحة مال الأثرياء الجدد

رائحة مال الأثرياء الجدد

باريس – المعطي قبال

معجم الأثرياء ثري بالكلمات والمعاني خصوصا في استعمالاته الدارجة. وكل اللغات تنطق بهذا الثراء. إذا حصرنا الحديث على اللغة العربية، نجد أنها وافرة بعدة مفردات: ثري، غني، مترف، خصيب، متريش. أما بالعامية المغربية فينعت الثري بـ «خانز فلوس»، مريش، شبعان فلوس، ريشار، مول الحبة الخ…

تتعدد المعاني ويبقى المال واحدا وبلا رائحة. على أي هناك الأثرياء القدامي الذين كونوا ثروتهم بالوراثة أبا عن جد، فأثمروا الرأسمال الموروث ليصبح ثروة ثابتة. ثم هناك الأثرياء الجدد الذين كدسوا الثروات بفضل تبييض الأموال، نهب أراضي الغير، المضاربة في أسواق البورصة. وتختلف هذه الفئة من الأثرياء من بلد إلى آخر. فأثرياء مافيات الحشيش والمخدرات والعقار ليسوا أثرياء منتجي العطور والسيارات… وبطفرة التكنولوجيات الحديثة وتشكل القرية الإلكترونية سيليكون فالي، ظهر أثرياء جدد شبان تتراوح أعمارهم بين 25 و35 سنة، يتربعون على ثروات هائلة، وذلك بابتكارهم لأدوات جديدة للتواصل الالكتروني والاجتماعي.

في كتاب «الأثرياء الجدد. عالم إثنولوجي بالسيليكون فالي»، منشورات أوديل جاكوب، يلقي مارك أبيلاس، مدير مختبر أنثروبولوجيا المؤسسات والمنظمات الاجتماعية بالمركز الوطني للبحث العلمي، أضواء كاشفة على فضاء السليكون فالي، مشيرا إلى أنها تنتج 64 مليونير كل 24 ساعة. ويستشهد بما قاله جون دير، أحد كبار الرأسماليين الأمريكان، بانه «يوجد بهذه الأمكنة أكبر ابتكار للثروة في تاريخ الكرة الأرضية». ولذكر اسم سيليكون فالي، يتبادر إلى الذهن عالم يرمز فيه الابتكار إلى النجاح والازدهار. انتهى الزمن الذي كان فيه المخترعون يعانون الأمرين لضمان استمرارهم في الشغل ولا يجنون سوى السخافة والتكتم. يأتي السواح من كل البقاع لزيارة هذا المكان الفريد الذي يرمز إلى التألق والحداثة. اليوم أصبحت هذه المنطقة جهة أساسية في الاقتصاد العالمي لا فحسب بسبب ما تنتجه بل في إطار النظام التجاري الشمولي.   

يلاحظ أن نسبة الأجانب العاملين بالسيليكون فالي جد مرتفعة. بلغت هذه النسبة 32%. هذا راجع إلى جاذبية هذا الفضاء وإلى الطلب المتزايد على اليد العاملة ذات الكفاءة العالية. وحسب إحصائيات «إثنية» بلغت نسبة البيض 49 في المائة من سكان المنطقة، و24 في المائة من الإسبان – الأمريكيين، و23 في المائة من الآسيويين، و4 في المائة فقط من الأفرو – أمريكيين. وثمة معطى أساسي يتمثل في نسبة الحاصلين على دبلومات: إذ احتل الآسيويون الدرجة الأولى بنسبة 48 في المائة من المهندسين من ذوي الكفاءة العالية، مقابل 37 في المائة من البيض، و 6 في المائة بالنسبة للإسبانو – أمريكيين. ويعتبر جيري يانغ مبتكر ياهو Yahoo من الشخصيات الآسيوية التي تألقت في السيليكون فالي.   

يذكر المؤلف أنه لم يكن في حسبانه يوما زيارة كاليفورنيا وتحديدا بلاد ستارت – أب. وخلال إقامته تأكدت له العلاقة بين ممارسة الهبة التي لاحظها ودرسها لدى قبائل الأوشولو بإثيوبيا، والهبة التي يمارسها الرأسمال الامريكي من خلال  العمل الخيري (الفيلانتروبيا). فالجامعات مثلا تعتمد في قسم كبير من ميزانيتها على هبات المحسنين. الغريب يشير الباحث أن علماء الأنثروبولوجيا الأمريكيين لم يهتموا بما فيه الكفاية بدراسة فلسفة الهبة التي كان مارسيل موس أول من بحث في دلالتها الأنثروبولوجية. ممارسة الإحسان كتعويض لتدخل الدولة ومصالحها لضمان نجاح الأفراد، هذا السلوك ليس من طبائع الكثير من الدول بما فيها فرنسا.

هذا الوضع هو الذي دفع بالباحث إلى ولوج العالم المغلق للفيلانتروبيا. فتحت مؤسسة فورد وروكفيلير أبوابها للباحث. لم يفكر يوما بأن المسار سيقوده إلى كاليفورنيا. وخلال مناظرة عقدت بمدينة سيروس باليونان، أفصح الباحث عن نيته أمام بعض المعارف من الأمريكيين في الاشتغال على إشكالية العمل الخيري، الفيلانتروبيا. وبعد مرور عدة أشهر، تلقى  رسالة من أحد المشاركين الأمريكيين مرفقة بمقالات عن الموضوع وبخاصة موضوع يبحث في نمو الإحسان في أوساط الاقتصاد الجديد. علم على ضوء هذه المقالات بأن مليونيرات شباب أطلقوا حديثا مؤسسات خيرية، بل يسعى بعضهم إلى تجديد الفيلانتروبيا القديمة، مثلما قاموا بذلك في المجال الاقتصادي. وعلى ما يبدو كان النقاش على أشده ما بين القدامى والمحدثين في موضوع الهبات والإحسان. وللوقوف على برنامج الجماعة الأخيرة، ذهب مارك أبيلاس إلى كاليفورنيا وتحديدا إلى سيليكون فالي. المكان الذي أقام به رفقة زوجته، كان يوجد في قلب سيليكون فالي. «ما لم أدركه بعد هو أنني سأعيش 24 ساعة على 24 وسط الأثرياء»، يشير المؤلف إلى مسألة الهبة التي تشكل محور هذا البحث، انضافت مسائل أخرى وملاحظات تتعلق بعالم الاقتصاد الجديد، الحياة  اليومية للستارت-أب في بلاد رأسمال-المجازفة. ذلك أن ثقافة الهبة هنا لا تنفصل عما هي عليه لدى قبيلة الأوشولو بصفتها تصورا عاما للإنتاج واستعمال الثروات. هذه الهبة هي من يوجه الأفكار، الآمال واليوتوبيات للمقاولين الجدد بالسيليكون فالي. الإله – المال في كل مكان، يثير الحمية وفي نفس الوقت يستجلب الأوهام.

Visited 8 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".