المرأة مدخل إلى الحرية والتحرر من خلال أعمال مصطفى حجازي (3/3)
لحسن أوزين
ثالثا: نقد الاستلاب العقائدي
“إن المجتمع الذي يرمي إلى تغيير ذاته لا يستطيع النجاح في هذه العملية دون أن ينفذ أولا إلى عملية معرفة الذات. فالمعرفة الذاتية هي الشرط الأساسي للتغيير الذاتي في الفرد كما في المجتمع، ولا تكون هذه المعرفة مجرد معرفة نظرية بل معرفة نقدية قادرة على اختراق الفكر السائد والنفاذ إلى قلب القاعدة الحضارية التي ينطلق منها سلوكنا الاجتماعي وينبع منها فكرنا وقيمنا وأهدافنا، والوعي الصحيح هو الوعي النقدي القادر على كشف الواقع وتعريته وإظهار قاعدته الحضارية. ولا يمكن تغيير الواقع إلا بكشف النقاب عن حقيقته، وما عملية الكشف هذه إلا عملية النقد الهادفة إلى تغييره”. (29) قد لا نتعسف في قولنا حين نؤكد بداية على أن نقد الاستلاب العقائدي هو نقد لبنيات القهر والهدر البطريركية، بمعنى أن وقوع المرأة ضحية الاستلاب العقائدي هو نتيجة سيرورة صعبة ومؤلمة تعيشها منذ ولادتها فهي شخص غير مرغوب فيه أشبه بإثم وذنب ولعنة في اللاوعي الثقافي الاجتماعي الأبوي، ونتيجة هذه الخلفية اللاإنسانية تتعرض المرأة لعملية ترويض وتشريط اجتماعي لوعيها وذهنيتها وجسدها ورغباتها … يتم تبخيسها وإهانتها وغرس في أعماقها كل القيم الثقافية الاجتماعية القهرية البطريركية بحصانة إلهية لشريعة دينية بشرية، من نقص، دونية، عار، القصور العقلي، طغيان الانفعال، ضحالة التفكير و تفاهة الاهتمام…” إلى أن تتبنى المرأة عقيدة استعبادها معتبرة ذلك جزءا من طبيعتها الأنثوية”. (30) وعندما نتأمل مسار هذه المأساة الحياتية التي تعيشها المرأة نفهم بان” الأمر لا يستند إلى أي أساس بيولوجي أو ذهني بقدر ما هو نتاج عملية تشريط اجتماعي تخضع لها المرأة منذ نعومة أظافرها”. (31) يتم رفضها وتضييق مجالها الحيوي في حدود البيت القار أو البيت المتنقل كحجاب ونقاب، مما يورث لديها نظرة تجزيئية، فهي لا تستطيع أن تكون وتصير لأنها ملك للعائلة أو العصبية الأبوية وبالتالي فلا إرادة أو اختيار لها في تقرير مصيرها”. هدر كيان المرأة التي تعتبر ملكية العصبية يختزل كيانها إلى أداة للإنجاب والمصاهرة، ويصل هدرها حدا تجعل منه الحالة الطبيعية لكيانها مما يجعلها تعيد إنتاجه”. (32) من خلال تربيتها لأطفالها وهنا مكمن الداء الخطير في إعادة إنتاج التخلف، وإعاقة التغيير والتطوير لان علاقات القهر والهدر البطريركية التي دمرت كيان المرأة في جميع أبعادها الذهنية والنفسية والوجودية وحشرها في الزاوية الضيقة كشيء وأداة في خدمة التسلط الأبوي الاستبدادي الأصولي، تؤدي تلك العلاقات التسلطية إلى فقدان الكيان المجتمعي والوطني، أي إلى ما يسميه حجازي بالمرض الكياني الكلي. فكل المظاهر التطورية والحداثية تنهار وتسقط أقنعتها عند أية أزمات يعيشها الفرد أو المجتمع. ” أسباب هذه الظاهرة متعددة من أهمها تعرض الطفل منذ الصغر لتأثير الأم الجاهلة معظم الأحيان والتي نظرا لوضعيتها المقهورة تتأثر إلى درجة خطيرة بالتفكير الخرافي والغيبي وتتسلط عليها معتقدات لا علمية (الجن والشياطين والشعوذة والقدرية) ومواطن الخطورة في ذلك هو أنها تنقل هذه الأفكار إلى طفلها مما يجعل نظرته إلى العالم منذ البداية خرافية ولا علمية”. (33) هكذا نفهم حجم الكارثة التي تحل بالمجتمعات التي تتعرض فيها المرأة للإقصاء والهدر والاستلاب العقائدي، فذلك يؤثر على الكل الاجتماعي لان قهر المرأة يشكل عائقا في وجه التغيير والتحول المجتمعي. إن عدم الاعتراف بقيمة وإنسانية المرأة من خلال نقد البنية البطر كية الاستلابية يجعل من الصعب الحديث عن مجتمعات حرة ديمقراطية ومستقلة، لان القبول المشروط الذي تتعرض له المرأة يرغمها على تزوير تجربتها الحياتية الشيء الذي يهيئها لقبول الاستلاب العقائدي كأمر طبيعي لا مفر منه. “لا ينجح الرضوخ الذي يفرضه الاستبداد إلا حين يتحول إلى رضوخ ذاتي وقناعة ذاتية بانعدام القدرة على المجابهة والتمرد فيما يسمى العجز المتعلم، حيث ينظر الإنسان المهدور إلى ذاته باعتباره عاجزا وليس من سبيل أمامه سوى الاستسلام لهذا المصير واجتراره وإعادة إنتاجه وتكراره”. (34) عندما تصل وضعية المرأة إلى هذا المستوى من الموت الوجودي، فأية تربية أو تنشئة مجتمعية يمكن أن تتحمل مسؤوليتها؟ وأية أخلاق حسنة ورفيعة يمكن أن نتحدث عنها وهي تقدم للزوج ابنه (بضاعته المخصية)؟ وإزاء هذه الوضعية المؤلمة من القهر والهدر، “تفرض المرأة على أطفالها هيمنتها العاطفية كوسيلة تعويضية عما لحق بها من غبن باسم الأمومة المتفانية. تغرس في نفوسهم التبعية من خلال الحب، تشل عندهم كل رغبات الاستقلال. وتحيطهم بعالم من الخرافات والغيبيات والمخاوف. ينشا الطفل بالتالي انفعاليا خرافيا عاجزا عن التصدي للواقع من خلال الحس النقدي والتفكير العلمي”. (35) فهل يستقيم معرفيا وتربويا وأخلاقيا أن نتحدث عن الطفولة، عن أجيال المستقبل وعن صناع الغد الذين هم أطفال اليوم؟ وهل يستقيم أيضا أن نتحدث عن برامج التنمية والخطط المستقبلية والتغيير السياسي وإصلاح التعليم واعتماد المقاربات الحديثة كبيداغوجية الإدماج و الكفايات…؟ فأين الإنسانة المرأة الحاضنة لكل ذلك ولمشاريع الحرية والتحرر والتغيير والتنمية الإنسانية والتأسيس للاقتدار المعرفي والعلمي وللمربع البنيوي للصحة النفسية في إطار علاقتها بالطفل والمجتمع ككل وهي غارقة في الاستلاب العقائدي؟ “ويقصد بالاستلاب العقائدي تبني المرأة لقيم سلوكية ونظرة إلى الوجود تتمشى مع القهر الذي فرض عليها وتبرره جاعلة منه جزءا من طبيعة المرأة. وبذلك فهي تقاوم تحررها وترسخ البنى التسلطية المتخلفة التي فرضت عليها. وأكثر من هذا تعممها على الآخرين من خلال نقلها إلى أولادها”. (36) إن بنية علاقات القهر والهدر والبنية البطريركية بنيات هشة ومتعفنة ولا أخلاقية وفارغة من أي مضمون معرفي علمي اجتماعي، وتناقض صيرورة التاريخ البشري في رحابة افقه العقلاني التطوري العلمي وفي أبعاده الإنسانية، لكنها تمتلك صلابتها وقوتها فقط حين تتحول إلى بنى نفسية ذهنية معرفية متصلبة وقطعية، أي تأخذ طابع ووظيفة البنيات التحتية كعلاقات إنتاج ومعاودة الإنتاج، وكأنها بديهيات طبيعية وهي محصنة بالتنزيل الإلهي للفعل والتفكير البشريين. إن استمرارها أيضا نابع من هيمنتها كاستلاب عقائدي. ومثلث الموت الاستبدادي العصبي الأصولي يدرك أن حلقته الأضعف التي تهدد وجوده وسيطرته هي وضعية المرأة، بمعنى أن ما يخشاه بحدة وشدة وبتشنج انفعالي متصلب هو أن تطرح وضعية المرأة المقهورة كنقد للاستلاب العقائدي، لان ذلك النقد هو نقد لبنية علاقات القهر والهدر البطريركية. لذلك يعمل مثلث الموت كل ما في جهده من تضليل وتدليس ونفاق إيماني ممتطيا القداسة الدينية للتغطية على فعله البشري لا اقل ولا أكثر. يعمل جاهدا على قمع وإقصاء المرأة لان تحررها يعني تحرر المجتمع ككل. “والمرأة هي أكثر أعضاء الجماعة العصبية تعرضا للقبول المشروط واختزال كيانها في وظائف ودلالات تخدم العصبية. هي أكثر الكائنات التي يمنع عليها أن تكون لذاتها أو أن ترغب و تتطلع إلى ما وراء ما يناط بها من وظائف وادوار… الأم في العصبية تربي ابنها الذكر على التسلط وتربي ابنتها على الرضوخ والتبعية. تتمثل المرأة القيم العصبية وتعيد إنتاجها على حساب استلابها الذاتي إذ لا ترى صورة أو كيانا لذاتها خارج هذه الوظائف والأدوار”. (37) فتعتبر وضعيتها طبيعية بفعل قوة التشريط المجتمعي منذ ولادتها في مجتمع قهري بطركي، هاجسه الكبير ورغبته الأساسية هو ضمان تأبيد علاقات التسلط إلى درجة قولبة ليس فقط وعي المرأة الغارق في التفكير الخرافي الغيبي، المسند بسحر الاعتقاد بجبروت الأفكار المولد لثقافة البركة والكرامات والأدعية الموزعة بين الرجاء والحلم الهلوسي وبين اللعنة والسخط، إن تلك القولبة تتجاوز الوعي إلى اللاوعي الذي يصير متواطئا مع البنية البطريركية، والأخطر في ذلك أنها تسهم في بناء لاوعي أطفالها. “هناك احتمال أن تعيد المرأة شانها في ذلك شان الإنسان المقهور إنتاج استلابها من خلال تمثل قيم السلطة المستبدة وما تفرضه عليها من ادوار ومكانة ودلالة تخدم هذه السلطة في الأساس”. (38) إذن هناك نوع من تبادل الاعتماد والدعم والتعزيز بين وضعية القهر وتشكيل لاوعي المرأة بصورة تسكنه البنية البطريركية بقيمها التبخسية في حق المرأة من نقص ودونية وقصور… فتشربتها كتشريط اجتماعي واستلاب عقائدي، لذلك يمكن للاوعي المرأة أن يتغير بشكل جذري كلما تحقق تحررها من بنية علاقات القهر والهدر والبنية البطريركية التي تفرض نفسها كالتنزيل الديني. “نعتقد أن لاوعي المرأة كلاوعي الإنسان المقهور مبني على غرار وضعية القهر المفروضة على كل منهما. فإن انبناء اللاوعي هو الوجه الأخر لانبناء المجتمع والنظام الذي يسوده”. (39) ولكي يتحقق التغيير الجذري في وعي ولا وعي المرأة فان المعركة ليست بالسهلة، خاصة وان الأمر يتعلق بعملية استلاب محكمة الدقة والتخطيط والإخراج والتنفيذ، وهي تحتاج إلى الكثير من الجهد كالذي أنجزه مصطفى حجازي لمعرفة الذات، أي تشكيل معرفة موضوعية ذاتية مستقلة تسمح بالنقد الذاتي. “إن تحقيق هذه الخطوة ليس أمرا سهلا وإنما هو في غاية الصعوبة إذ أن التحرر الذهني يتطلب عملية غسل دماغ جذرية وطويلة المدى”. (40) وان هذه المعركة التي تخوضها الذات تجاه استلابها هي في الحقيقة ليست معركة المرأة وحدها لان كل ما يمكن أن يتحقق من تقدم في “تفكيك النظام الأبوي إيديولوجيا وتفتيته سياسيا من الداخل”. (41) يشكل خطوة ايجابية في مسارات سيرورة الثورة ضد كل الاختزالات والاستلابات التي يتعرض لها الإنسان – رجلا كان أم امرأة – في قيمته ،كرامته، حقوقه، حصانته وإنسانيته، مما يدفع بالتغيير الاجتماعي إلى مستقبل جديد يناقض بنية علاقات القهر والهدر والبنية البطريركية. “المهم أن الاستلاب العقائدي للمرأة وما يتلقاه من تعزيز دائم من الخارج ومن الذات في آن معا يحكم عليها بالبقاء رهينة وضعية القهر لا هي تعيها ولا هي تقبل تغييرها إنها تتمسك بها باعتبارها طبيعة الأنثى وقدرها وينعكس ذلك لا محالة على التغيير الاجتماعي بأكمله فيكبحه لا محالة. لا تطوير دون تغيير وضعية المرأة، ولا تغيير لوضعيتها دون تمزيق حجب الاستلاب العقائدي التي تمنع عنها رؤية ذاتها ورؤية العالم على حقيقته”. (42) فهذا الإرث الثقيل من المسخ الإنساني، ليس للمرأة فقط، بل للطفل والرجل و للمجتمع والوطن، يحتاج إلى نهوض فردي وجماعي ومجتمعي يبدأ بنقد الاستلاب العقائدي الذي هو نقد للقهر والهذر وللبنية البطريركية التي تعيق بناء مركز الضبط الداخلي، بعيدا عن أية وصاية أو مرجعية خارجية تتحكم في الطفل والمرأة والرجل، فيؤسس كل واحد منهم قيمته انطلاقا من كيانه الذاتي ومن مرجعيته الداخلية وليس من القيمة التي تلصق زورا بالأدوار والوظائف، وبذلك تستعيد المرأة شرفها من قيمتها الوجودية الإنسانية، وفيما تبدعه وتنجزه بمختلف إمكاناتها ومؤهلاتها وطاقاتها الجسدية والذهنية والمعرفية، بعيدا عن أسطورة الشرف الذي ينبغي أن يصان بالدم. “فالإنسان المقهور بدل أن يثور ضد مصدر عاره الحقيقي يثور ضد من يمثل عاره الوهمي وهو المرأة المستضعفة. هذا بينما تحتفظ الفئة المستغلة لنفسها بلقب الشرف والنبل من خلال ما تتمتع به من امتيازات”. (43) بنقد الاستلاب العقائدي يتحرر الرجل من مهام قهرية أبوية أثقلت كاهله وشوهت أعماقه ووعيه وضيقت مساحات تفكيره العقلي، مما جعله عصبيا انفعاليا قطعيا في أفكاره وأحكامه. كم هو جميل أن يتوافر عند الرجل الذكاء الانفعالي الاجتماعي، أي الإحساس والتعاطف والتضامن مع الآخرين في معاناتهم ومآسيهم الإنسانية، وبذلك التفاعل الاجتماعي بين الرجل والمرأة تتهدد بنية علاقات القهر والهدر والبنية البطريركية، مما يعني تصدعها وانفجارها المحتوم، فيسترد الإنسان المقهور صحته النفسية، “والصحة النفسية تتجلى إذا بالأصالة في المشاعر والموقف من الذات والتلاؤم معها. وهو ما يؤدي إلى الشعور بأن الإنسان هو بخير وبالتالي أن الدنيا وناسها هم أيضا بخير. ويفتح الطريق إزاء النماء والانفتاح واللقاء الإنساني. وعلى ذلك تصبح العملية العلاجية هي تحرير الإنسان من استلاباته الداخلية والخارجية انطلاقا من علاقة يتوفر فيها التقدير الايجابي غير المشروط”. (44) كما يستأنف الإنسان حياته الطبيعية بشكل مستقل، مستثمرا ومنميا طاقاته الوجدانية والعقلية والنقدية والإبداعية للتخلص من قوقعته، فينبني وعيه ولاوعيه على أسس جديدة تحرر الجسد من القمع والقمقمة. “المرأة الرغبة هي نقطة الضعف والتهديد في العصبية ليس فقط من قبل المرأة وحدها بل من قبل الذكور أيضا …لان الرغبة المتحررة ذاتيا هي مباشرة وفي الآن عينه تحرر من السلطة الخارجية المفروضة. واسترداد لمركز الضبط الداخلي وعبور إلى الاستقلال. ذلك ما يهدد كيان العصبية ذاته من خلال تهديد بنيتها بالتصدع والانفجار. ولا تخشى العصبية شيئا بقدر خشيتها من تحرك الرغبة خارج نطاق سلطتها إلا أن من لا يمتلك رغبته لا يمتلك استقلاله وبالتالي لا يعبر إلى الرشد الفعلي، أي انه لا يكبر ولا يشب عن الطوق…أي كسر قيوده النفسية التي تمارسها عليه السلطة بشكل خفي”. (45)
* اعتذار
من حق الشعوب التي اضطهدت أو استعمرت أن تطلب ولو على الأقل التعويض والاعتذار والاعتراف بما حصل من جرائم ضد الإنسانية، ومن تجاوزات وانتهاكات لحقوق الشعوب ولحقوق الإنسان، والشيء نفسه بالنسبة للأفراد والجماعات التي اغتصبت وانتهكت قيمتها وكرامتها وحريتها… والأمر نفسه بالنسبة للشعوب التي هجرت وشردت أو بيعت في الأسواق كعبيد وجواري فعشن وعاشوا القهر والهذر والذل والعذاب النفسي والجسدي، واستبيحت كرامتهن إلى درجة القتل البشع والتنكيل بالجثث. بسبب كل هذا المسكوت عنه في التاريخ البشري ترتفع اليوم الأصوات مطالبة بالإنصاف والعدالة والتعويض وجبر الضرر ووضع التشريعات والقوانين التي تحمي الجميع من القهر والهذر والاستعباد، وان تنص صراحة وممارسة على ارض الواقع الحي على المساواة والمواطنة والديمقراطية والاحترام الكامل للمواثيق والمعاهدات والاتفاقات الدولية التي تحمي مبادئ وحقوق الإنسان وتعمل على تغيير العقليات الثقافية والاجتماعية بالتعليم والتربية على القوانين والمؤسسات والتشريعات الحديثة التي تجعل من الشعب مصدرا للتشريع والسلطة. في هذا السياق ويوما ما في تطور العقليات والتفكير والقيم الإنسانية لابد أن تفكر المجتمعات في تقديم اعتذار صريح يعبر عن المسؤولية الأخلاقية والنضج المعرفي الإنساني الذي يمكن أن يصل إليه الرجال كتحرر من البنية البطريركية التي عمت بصيرتهم وعطلت فكرهم وإدراكهم وشوهت وعيهم ولاوعيهم إلى درجة البشاعة السادية في استعباد النساء، والتصرف بهن كقطيع وأشياء هي مادون خط البشر.”ندخل هنا في حالة الانكسار الكياني حيث يصل الهوان بالكيان إلى مستوى الشيء الذي يمكن ممارسة أي شيء عليه. وهنا تنهار حدود الأخلاق والحرمات ويصبح كل شيء مباحا في حالة من تحرك أوالية الاستسلام والخضوع على خلفية من الشعور بانعدام القيمة”. (46)
فهل سيملك الرجال الجرأة المعرفية والأخلاقية لتقديم الاعتذار بناء على التغيير الشامل لوضعية المرأة قانونيا وسياسيا ودينيا…؟
فهل يستطيع الرجال التخلي نهائيا عن وهم الامتيازات الذكورية وإعلان إفلاس الثقافة والسلطة البطريركية التي أساءت لكل الاجتماعي وإلى المرأة والطفل بشكل خاص ومضاعف؟
هل نستطيع تغيير ذواتنا والتحرر من سجوننا الداخلية التي تنقبض وتصاب بالفزع والرعب كلما تعلق الأمر بوضعية المرأة في حقوقها كاملة ككائن إنساني حرة مستقلة في التصرف بأفكارها وجسدها ورغباتها وفي تقرير مصيرها؟
هل نستطيع أن تكون بداية الاعتذار التخلي عن أسطورة النسب الأبوي وترك ذلك للمشترك الإنساني كتعبير عن الحوار والتواصل العقلاني؟
انطلاقا من هذا كله بالإضافة إلى الكثير الذي يمكن أن يقال بشأن الاعتذار أحلم يوما أن نكون في مستوى المرحلة التاريخية واللحظة الحضارية، فنعلن اعتذارنا بشجاعة من يعي انه بذلك التصرف الجريء لا يخسر إلا ما هو ميت ومتعفن وبال في أعماق الذات كعبء ثقيل عطل ومسخ وشوه إنسانيتنا وحرمنا من الحب و الحياة واللقاء الإنساني. لهذا أقول أعتذر.. أعتذر.. أعتذر كانسان مسخته سلالة تخلت عن إنسانيتها ورضيت وضعها الحيواني كسلالة قردة شرسة، متخلفة، معقدة، وعدوانية…
الهوامش
- هشام شرابي مقدمات لدراسة المجتمع العربي ص 91و92
- مصطفى حجازي التخلف الاجتماعي ص 211
- المرجع نفسه ص 212
- مصطفى حجازي الإنسان المهدور ص 34
- مصطفى حجازي التخلف الاجتماعي ص 78
- مصطفى حجازي الإنسان المهدور ص 37
- مصطفى حجازي التخلف الاجتماعي ص 83
- المرجع نفسه ص 32
- مصطفى حجازي الإنسان المهدور ص 60
- مصطفى حجازي علم النفس والعولمة ص 43
- مصطفى حجازي التخلف الاجتماعي ص 218
- هشام شرابي مقدمات لدراسة المجتمع العربي ص 18
- هشام شرابي النقد الحضاري لواقع المجتمع العربي المعاصر دار نلسن السويد بيروت 2000ص147
- مصطفى حجازي التخلف الاجتماعي ص 219
- المرجع نفسه ص 48
- مصطفى حجازي الصحة النفسية ص 47
- مصطفى حجازي الإنسان المهدور ص 61
- مصطفى حجازي الإنسان المهدور ص30