الفراغ القادم في لبنان سمات المرحلة الجديدة…
أحمد مطر
مع اقتراب موعد نهاية العهد يشتد الكباش حول تشكيل الحكومة. وباسيل يصوب على أكثر من هدف. فما لم يطلبه في بداية العهد يتمسك بتحصيله في نهايته. يريد ضمانات لدور تياره في الحكومة التي ستدير الفراغ الرئاسي. ويريد حصة كبيرة في التعيينات المحتملة. أما إذا نجحت مساعي انتخاب رئيس جمهورية فلباسيل شروط وأثمان يريد الحصول عليها. ذلك أنه لا يجد سبباً يحمله على تقديم حكومة لميقاتي على طبق من فضة.
يبدو واضحاً إن إشاعة التفاؤل بتشكيل الحكومة في مهلة أقصاها الأسبوع المقبل استباقاً لاستعداد بري لدعوة البرلمان للانعقاد في جلستين، الأولى تشريعية والثانية لانتخاب الرئيس، تصب في خانة إصرار عون وفريقه على رمي المسؤولية في تعطيل تشكيلها على الآخرين، إلا في حال أقلع عن حملات الابتزاز التي يمارسها والتي أعادت المشاورات الخاصة بتأليفها إلى المربع الأول استناداً إلى رد فعل عون على طلب بري منه التعاون مع ميقاتي لإخراج عملية التأليف من المراوحة .
فالرئيس ميقاتي لا يمانع بتغيير 6 وزراء، هم أمين سلام وعصام شرف الدين ويوسف خليل وجوني القرم، والأخيران بناء على طلبهما، على أن يترك لعون تغيير وزيرين من فريقه السياسي .
ويبقى السؤال: أين يقف حزب الله من تصلب عون استجابةً لباسيل الذي يتصرف وكأن انتخاب الرئيس لن ينجز في موعده الدستوري، وماذا سيقول الامين العام، السيد حسن نصر الله، الذي يصر على تشكيل الحكومة لمنع إغراق البلد في فوضى دستورية، خصوصاً أن قيادات الحزب أخذت تروج لولادتها، وهل يعطي فرصة لحليفه باسيل لتحسين شروطه شرط أن لا تكون مديدة، أم أنه ليس في وارد أن يضغط على حليفه الذي يوفر له الغطاء المسيحي.
والسؤال نفسه ينسحب على ميقاتي في ضوء ما يتردد بأن الحزب يتفهّم موقفه، وكيف يوفق بينه وبين باسيل إلا إذا أعاد النظر في تصلبه لأنه في حاجة إلى حليفه في المستقبل لمواجهة ما ينتظره من مفاجآت داخل تياره السياسي وكتلته النيابية مع مغادرة عون بعبدا إلى الرابية.
إذا لم تحصل معجزة كما سبق للرئيس بري أن قال قبل فترة، فإن الجمود في عملية التأليف سيبقى مسيطراً على هذا الملف إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً. هذا على رغم ما تردد عن جلسة صاخبة عقدت بين قياديين من حزب الله وبين النائب جبران باسيل انتهت إلى إقناع الأخير بالعودة الى خيار تعويم الحكومة الحالية مع تبديلات في 4 وزارات… لكن ميقاتي فوجئ بعد عودته من نيويورك، بأن شروط الفريق الرئاسي شهدت ذروة جديدة في التصعيد. بلغ الأمر بباسيل أن نُقل عنه تبريره لأسباب إصراره على تبديل بعض الوزراء المحسوبين على التيار أن المطلوب من الوزراء الذين يمثلون تياره أن يكونوا مناكفين لميقاتي ويقفون في وجهه.
بات السؤال عن مدى قدرة حزب الله على الضغط على حليفه باسيل وعمّا إذا كان يمارس نفوذه عليه أم لا. لسان حال قياديين في الحزب إزاء ذلك هو الرد بسؤال: ماذا يمكننا أن نفعل أكثر مما نقوم به عبر الإصرار على باسيل بوجوب وقف الشروط على التأليف لأن مصلحة البلد تتطلب إعطاء الأولوية لقيام حكومة.
وقد ظهر ذلك من جلسة انتخاب رئيس الجمهورية ما سبقها من اتصالات ولقاءات، شارك فيها بعض سفراء الدول المعنية بالوضع اللبناني، ومواقف مسؤولين عرب وفرنسيين وأميركيين وإيرانيين، وحتى من منظمة الأمم المتحدة خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكلها تشير الى محاولات حثيثة لترتيب البيت اللبناني الداخلي الفوضوي، خاصة بعدما ظهر المجلس النيابي الجديد على انه بيت بمنازل كثيرة تتقارب فيه مقاعد السكان وتتباعد سياسياً ، ما يحول دون تسهيل معالجة الكثير من المشاكل، فيدخل الخارج الى البيت وقد يعيد تنظيمه بما يتلاءم ومصالح هذا الخارج بغفلة عن أهل البيت .
سمعنا خلال الفترات الماضية كلاما من مسؤولين في بعض الدول يحمل علامات الاشمئزاز والغضب من أداء المسؤولين اللبنانيين على كل المستويات، وتضمن هذا الكلام عبارات قاسية وتلويحاً بالعقوبات على معرقلي الحلول وإذا لم ينضبط مشاغبو هذا البيت، وفي المعلومات ان هذه الدول تتداول في ما بينها من أجل المساهمة في ابتداع الحلول أو على الأقل الأفكار التي تدفع الى إجتراح الحلول. ومن هذا الحراك اللقاءات السعودية – الفرنسية – الأميركية، التي أظهرت بعض التباينات حول طريقة التعاطي مع بعض الملفات، عدا الكلام عن مسعى مصري ما زال في الظل، ومحاولة بعض الدول الأخرى كقطر الدخول أكثر الى الواقع اللبناني عبر بوابة الدعم الاقتصادي والاستثماري وتوفير فرص عمل للبنانيين .
لكن يبدو ان كل هذه المحاولات لم تصل الى نتيجتها لسببين: سبب داخلي مرده انقسام الطبقة السياسية، لا سيما في المجلس النيابي المحرك لكل شيء، بين محاور شتى من الصعب أن تتفاهم نظراً للسقف العالي لمواقفها السياسية وأدائها السياسي وتباعد الأهداف والوسائل، وكذلك اختلاف نظرة دول الخارج الى كيفية المعالجة، ووضع فيتوات على تعاطيها مع بعض الأطراف الداخلية المؤثرة ورفض التواصل معها، ولو ان بعض المعلومات تفيد عن تواصل ضعيف بالواسطة مع المغضوب عليهم خارجياً .
في النتيجة، يبدو ان الأجندات غير المتطابقة لكل الأطراف الداخلية والخارجية تحول دون إيجاد أي حل قريب للأزمات المتوالدة كالفطر السام، فلا توافق خارجي على الملفات الساخنة في المنطقة والعالم.
وعليه بات الواجب ترقب تفاهمات خارجية اقليمية ودولية تنعكس تفاهمات الحد الأدنى في الداخل لتمرير الاستحقاقات، ويبدو ان أمر هذه التفاهمات سيطول. فلا الحرب الروسية – الأوكرانية في طريقها الى النهاية ولا أفق حتى الآن يبشر بحل للخلاف حول الملف النووي الإيراني، ولا حل نهائياً للأزمة السورية التي ما زالت تنعكس أضراراً بالغة على لبنان من كل النواحي، ولينتظر اللبنانيون الذين سلموا أمرهم للخارج ويطالبون بمساعدة لبنان، أليس من الأفضل لهم التفاهم بعيداً عن تأثيرات وضغوط الخارج.