المتاحف: روح الشعوب وإبداعات فناني العالم تروي تاريخ الإنسانية (1)

المتاحف: روح الشعوب وإبداعات فناني العالم تروي تاريخ الإنسانية (1)

 فاطمة حوحو

داخل ابنية ضخمة ووسط ساحات عريضة وفي امكنة مميزة، تنتشر المتاحف في مختلف دول العالم، لتروي تاريخ شعب وابداعات فنانيه، تجمع في داخلها مقتنيات فنية او اختراعات مميزة، مجموعات تبدأ بلوحات الفن التشكيلي والمنحوتات ولا تنتهي بعروض غريبة للصناعات الاولية وتطورها وكل ما انتجته اليد البشرية عبر التاريخ. انها ذاكرة الشعوب ومرآة ثقافتها، تجمع الماضي بالحاضر، تعيد للذهن توقده وتفتح امام العقول ابوابا للمعرفة، تروي سير وحكايات، تحفظ الموروث وتجعل الناظر الى كنوزها يسبح في عالم الماضي، ويستكشف مكنونات الحضارة الانسانية على مراحل متعددة.

يعتبر “الاكروبول” في اثينا من اقدم المتاحف البشرية كذلك استعمل معبدا “الكونكورد” و”ابوللو” في عهد الرومان كمتحفين للجمهور. ويعود اصل كلمة المتحف الى الشعب الاغريقي اذ كانت هناك معابد وهضاب في اليونان يطلق عليها اسم “musea”  وكانت مخصصة والكتاب والفلاسفة اليونانيين لاستلهام الشعر والادب، وكان المقصود منه الجو الذي يسود المكان وليس ما فيه من محتويات وغالبا ما كان “musea” القديم في اليونان مزيجا من معبد ومعهد دراسي تحول مع الزمن الى مدرسة للفلسفة اليونانية. ومنها جاءت كلمة  “musee”  الفرنسية و”museum”  الانكليزية اما بالعربية، فاطلقت كلمة “المتحف” الذي يعني بوضوح معناها اللفظي، اي المكان الذي يحوي التحف.

في القرن الثالث قبل الميلاد تأسس متحف الاسكندرية من قبل بطليموس الاول وحوى على مكتبة ضخمة وكان العلماء يقيمون فيه كما حوى عددا من تماثيل رجال الفكر اليونانيين ولوحات لاحياء ذكراهم ومجموعات من ادوات الفلك والجراحة وذلك لم يكن متحفا بالمعنى الدقيق وانما كان اقرب شىء اليه.

تقع معظم المتاحف في المدن الكبرى في جميع انحاء العالم وهناك متاحف محلية في المدن الصغيرة والبلدات الريفية وتقوم بالاضافة الى دورها في عرض المقتنيات للجمهور بالعديد من البرامج والانشطة، بما فيها العروض المسرحية والسينمائية والموسيقية والرقص والندوات، ومع ظهور “الانترنت” وضعت نسخ الكترونية من المعارض بينت بالصور ما بداخله.

والمعروف ان المتاحف مؤسسات وطنية تابعة للحكومات الوطنية او خاصة لا تبغي الربح، وتتميز المتاحف الصغيرة بتغطية مواضيع محددة مثل: الفنون الجميلة والتطبيقية والحرف وعلم الاثار وعلم الانسان والاعراق البشرية والتاريخ والعلوم والتكنولوجيا والعلوم وقد اتجهت المتاحف في الفترات الاخيرة نحو مزيد من التخصصية فانشأت متاحف الطيران والزراعة والتكنولوجيا والجيولوجيا والعملات والطوابع  وغيرها. وتضم المتاحف الكبيرة ما نطلق عليه الفنون البصرية وفي المقام الاول اللوحات الفنية والرسوم والنحت والسيراميك والمعادن.

ظهرت المتاحف منذ زمن بعيد حيث جمع بعضها الذهب والفضة والاحجار الكريمة او اعمال فنية من تحف وتصوير ومصنوعات دقيقة او غرائب تثير الدهشة، في فلورنسا شمال ايطاليا اطلق اسم “museum” على مجموعة كتب وتحف يحويها قصر احد النبلاء وفي القرن السادس عشر ظهرت تسمية جديدة هي غاليري واطلقت على المباني ذات الصالات الضيقة التي كانت تعرض فيها الصور والتماثيل. واظهر المسلمون اهتماما بالمتحف في العصر العباسي اذ انشات اماكن عرفت بدور الذخائر والتحف حوت اثارا وتحفا.

في اوروبا ظهر المتحف في القرن السابع عشر، فظهر متحف “اشمول” في انكلترا ثم توالى افتتاح المتاحف مثل المتحف البريطاني 1759 واللوفر في باريس 1793 وبرادو في مدريد 1819 ومتحف برلين 1830. وما بين الحربين العالميتين نشطت سياسة انشاء المتاحف لاذكاء الروح الوطنية وادخلت اليها انظمة الرسوم والخرائط والوسائل التوضيحية لتساعد الزائر. وبدأ التسابق على شراء مقتنيات وقطع فنية  وبات من الشائع ان يتم اختيار المنازل التاريخية ذات البناء المعماري المميز ومكان سكن ارستقراطيين او رجال سلطة لانشاء المتاحف.

 وعرف العالم المتاحف المفتوحة التي كان اولها متحف “سكانس” في استوكهولم عاصمة السويد الذي تاسس في العام 1891 واهتمت هذه المتاحف بالمجتمعات الريفية الصناعية الناشئة من خلال التعريف بفنونها الشعبية وموسيقاها وبيوتها وانجازات صناعها وعامليها وهي متاحف مقصودة من السياح. كما عرف متاحف المجتمع وكان متحف “ارليتين” في فرنسا الذي انشأه فريدريك ميسترال شاعر “بروفانس” في العام 1899 باعتبار أن المتحف افضل طريقة لتعليم الافراد تاريخهم وحب وطنهم. وفي العام 1991 بدا متحف “بزركشيمان” في النمسا تجربة جديدة عبر اقامة معرض متجول حمل على العربة الخاصة في متحف “كارنيشا”. وادت التغييرات المجتمعية الى انشاء متحف المستعمرات في فرنسا وهدفه نشر افكار وايديولوجيات وتحولت مواقع اعنف الحروب البشرية واشرسها الى متاحف للذكرى والوفاق عبر متاحف السلام. وكان اولها الذي انشأه جان دي بلوك عام 1902 في لوتسون في سويسرا.

تبقى المتاحف على تنوعها واهدافها الثقافية والسياسية والانسانية قبلة السياح الراغبين بالابحار في تاريخ شعب والتعرف على حضارات تاريخية وتشكل المتاحف الاكثر شهرة في العالم تشكل نقطة جذب اساسية للمهتمين بمشاهدة كل ما يثير الجدل في الساحة الثقافية والسياسية.

(غدا حلقة ثانية عن اهم المتاحف في العالم)

Visited 37 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

فاطمة حوحو

صحافية وكاتبة لبنانية