وداعا محمد الفيلالي رائد الصحافة الساخرة في المغرب
فنان تعرض للمضايقة في زمن الاحتقان السياسي
بوشعيب الضبار
ظل اسم محمد الفيلالي، الذي أبصر النور سنة 1949 بمدينة الصويرة، مرتبطا بفن الكاريكاتير، كواحد من الرواد الأوائل الذين وضعوا للصحافة الساخرة أسسها وركائزها الأولى.
في سن التاسعة عشرة من عمره، غادر الفيلالي، مسقط رأسه، متوجها إلى الرباط، بقلب مفعم بآمال وأحلام الشباب، وجعبة حافلة بالرسومات ليلتحق كرسام للكاريكاتير بصحيفة “لوبنيون”، التي زرع بين صفحاتها حس التفكه، في أواخر الستينيات من القرن الماضي.
خلال مرحلة ما يسمى بـ”سنوات الجمر والرصاص”، أعطى الفيلالي للرسم الصحافي الساخر ملمحه بنكهة شعبية مغربية أصيلة.
خلال تلك الفترة المطبوعة بالاحتقان السياسي، وبتشجيع من المرحوم خالد الجامعي، رئيس تحرير صحيفة “لوبنيون”، الناطقة بلسان حزب الاستقلال، تم الاتفاق مع الفيلالي على إصدار ملحق أسبوعي خفيف بعنوان “سندويتش”، سرعان ما حقق رواجا إعلاميا، قبل أن تصدر الأوامر من طرف إدريس البصري، الوزير القوي في عهد الملك الراحل الحسن الثاني بمنع نشر الكاريكاتير، وتوقيف الملحق، إثر شكوى من السفارة الأمريكية بالرباط، على خلفية رسم يسخر من الرئيس الأمريكي رونالد ريغان.
كان للفيلالي أسلوبه ومدرسته الخاصة في الصحافة الساخرة، ولعل هذا هو ما جعله عرضة للمتابعة والمضايقة في حريته ورزقه فترة من الوقت، وكاد يدفع حياته ثمنا لإصراره على السير في نهجه بخطاب فني مغاير.
من مغامرة صحافية في النشر إلى أخرى، أصدر الفيلالي أكثر من منبر للرسم الساخر، بشراكة مع صديقيه العربي الصبان وحميد البوهالي، مثل صحيفة “ساتيريكس” الصادرة بالفرنسية.
في أواخر السبعينات، وبالضبط سنة 1978، أطلق صحيفة «أخبار السوق». وهي جريدة مشاكسة، لا توقر أحدا من الزعماء والوزراء والسياسيين الذين فوجئوا برسامي الكاريكاتير وهم يعبثون بملامحهم، ويصورونهم في أوضاع وقسمات مختلفة، بنوع من السخرية والاستخفاف.
رغم كل أساليب التضييق، كبرت «أخبار السوق»، وحققت أرقاما قياسية في المبيعات، لا شك أن أرشيف شركة «سابريس»، يشهد بذلك الارتفاع في التوزيع!
لم يكن الفيلالي يومئذ وحده وسط هذه “المغامرة”. ثلة من الزملاء الصحفيين ورسامي الكاريكاتير خاضوا معه التجربة، وأسسوا لها بكثير من الحماس : العربي الصبان، ونعيم كمال، والبوهالي حميد، ومحمد بنيس، ومصطفى ارزوزي، وقد التحق بهم الفنان الراحل “حمودة”، قادما من مدينة سيدي قاسم.
طالت قامة «أخبار السوق» في ظرف سريع وأصبحت أما، أنجبت بنتين، هما أسبوعية «أخبار الكرة»، وأسبوعية «أخبار الفن»، وكان لمحبر هذه السطور شرف رئاسة تحرير الصحيفة الأخيرة.
كان مقررا لهذا المشروع الصحفي والإعلامي والفني في شموليته، بريشات رساميه وأقلام صحافييه، أن يصبح مؤسسة إعلامية، وينطلق بعيدا لولا بعض الظروف، التي يطول شرحها، وليس مجال التفصيل فيها هنا.
رغم كل المتاعب والمحن، ظل وفيا لمسيرته كرسام للكاريكاتير، مهتم بحرية التعبير بالأساس، يحن إلى معانقة ريشته حتى في أقسى لحظات الألم، بعد إصابته بمرض مزمن، إلى أن رحل اليوم بسكتة قلبية، رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه.