ضد التيار: رسالة الزعيم علال الفاسي إلى “أولاد خليفة”

 ضد التيار: رسالة الزعيم علال الفاسي إلى “أولاد خليفة”

عبد الكريم الأمراني

                               

سأظل مع القضايا الخاسرة حتى الموت

                  (محمد الماغوط) 

  يشغلني منذ فترة سؤال جوهري، لا أشك للحظة واحدة أنه يشغل بال الجميع، وهو:

   ما الذي يجمع “بني آدمالمتحلقين حول “الزعيمالذي “تكرش حتى عاد بلا رقبة“، بالرغم من كل ما عاينوه ولمسوه من فضائح تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الحزب العتيد الذي أعطى للبلد ما لم يعطه أي حزب آخر، قد أصبح مجرد  ملحق” صغير بكوكبة الأحزاب المخزنية التي يديرها “الأخ الأكبر” بـ”بالريموت كنترول”؟

    من المؤكد، بالنسبة لي على الأقل، أن ما يجمع هؤلاء، هو “أخذ حصة ما من “الوزيعة”، بدليل تخليهم عن كل ما له علاقة بالديمقراطية (كل أعضاء فريقهم النيابي وصلوا إلى قبة البرلمان بالتعيين من طرفالأخ الأكبر ” !!). وكل ما له علاقة بحقوق الإنسان (سكوت بل تواطؤ مخزي مع كل انتهاكات وارتكابات “الأخ الأكبر” في مجال الحقوق والحريات بما فيها التعذيب الوحشي بـ”القرعةو العصا/وهي أمور مثبتة!!).

         لم يعد أحد داخل ما تبقى من “اتحاد” يتحدث عن “تحرير”، ولا عن “ديمقراطية“، ولا عن “اشتراكية”… ( الثلاتية الذهبية للمؤتمر الاستثنائي)!

  ولم يعد أحد منهم يتذكر؛ بالتأكيد، شعارات الستينات ومطلع السبعينات (الإصلاح الزراعي، بـ”تحديد الملكية وتوزيع الأراضي على الفلاحين تطبيقا لشعار  “الأرض لمن يحرثها ” / التأميم والملكية الجماعية” لوسائل الإنتاج/ .. إقرار ديمقراطية حقة تكون فيها السيادة للشعب… إلخ).

 لم يعد أحد من “شلة الأنسفي شارع النخيل، يذكر شيئا من ذلك، بل أصبح شعارهم اليوم، هو “تطبيق النموذج التنمويالذي يشتركون فيه مع الجميع، يمينا ويسارا ووسطا و…قرينة كحلة… المهم إنهم مع “الإجماع وهم دائما وراء جلالة الملك وآلله يرحم مولاي إدريس، والمهدي بن بركة وعمر بن جلون وبقية الشهداء

   لإنعاش ذاكرة البعض أذكر أنا العبد لله الناشئ في بيت “استقلالي” عريق، والمنتقل إلى حزب القوات الشعبية، في مرحلة ثلاثية “التحرير والديمقراطية والاشتراكية”، ( أذكر ) كيف كان لـ” الإخوة ” في حزب الاستقلال برنامج منافس يرفع شعار “التعادلية” في مواجهة شعار “الاشتراكية” ويرفع شعار العدالة الاجتماعية، بل إن الزعيم علال الفاسي كان يتحدث عن  الأرض لمن يحرثها/ليست الأرض لمن يغصبها” …

 كان كل هذا في فترة كانت لدينا فيها أحزاب سياسية حقيقية لديها قواعد وبرامج! ولكن إرادة “الأخ الأكبرأبت إلا أن تجرف الحياة السياسية، أولا بفبركة أحزاب الكوكوت مينوت، وثانيا بـ “تأميم” أحزاب الحركة الوطنية وإلحاقها بكوكبة الأحزاب المخزنية التي تطبل وتزمر لكل شيء يأمر به “الأخ الأكبركلي القدرة الذي يتحكم في كل صغيرة وكبيرة في هذا البلد!

لإنعاش ذاكرة البعض ممن يعملون على طمس معالم هذه المرحلة المشرقة من تاريخنا السياسي المعاصر، نعيد نشر نص شعري للزعيم الوطني علال الفاسي، نشره في “العلم الثقافي” في يناير 1971تعليقا على أحداث “أولاد خليفة” الدامية

***

رسالة من أولاد خليفة

            علال الفاسي

كان لي خل وفي

ومن أولاد خليفة

وكان شهما وطنيا

وسخيا اريحيا

وحفيا بالمعاني

وشديدا في النضال

حارب الطغيان في عهد الحماية

ودعا الشعب إلى أنبل غاية

وبدا في فعله، أعظم آية

كلما جئت إليه

اندب الحال عليه

قال لي،لا تبتئس، يا شيخ

إنا للفداء

نحن للشعب

للاستقلال ، في يوم النداء

وإلى الأرض سنحيا

وعليها سنموت

قسما بالوطن المحبوس

والأرض السجينة

لن نخون الشعب يوما

أو نخيس العهد ، حتى

نرجع الأرض إلينا

ارضنا للفلاح ترجع

أرضنا هاذي، وأرض الوطن

                      ***

ذات يوم أخذوه

قيدوه سجنوه

هكذا أمر المراقب

حاميا أمن الأجانب

                        ***

ومضت بعد المواكب

في جهاد و فداء

ثم في صبح مضيء

أشرق السجن بنوره

سمع الصوت ينادي

ابشروا هاذي بلادي

ذهبت عنها الحماية

واستقلت،

يا فرحتاه

هكذا صاح صديقي

ارضنا للفلاح ترجع

يا فرحتاه

شعبنا أصبح حرا

يا فرحتاه

وطني يحكمه الشعب !

ألا يا فرحتاه

                      ***

ومضى عام

وأعوام توالت

                     ***

ومن أولاد خليفة

واحد جاء إلي

ناشىء يسعى ويبكي

بدموع كالجمان

أنا يا عمي منهم

آي

من اولاد خليفة

والدي خلك

قد عض على الأرض

ومات

قال لي، وهو يعض الأرض

قال لي، وهو يشم الترب

حشرجته الموت، يا عمي

ولكن  ،

صاح، آه، ثم عض الأرض

صاح، آه، ثم شم الترب

وغفا ثم آفاق

صاح، آه، ويعض الأرض

قال، آه، ويشم الترب

قال لي: يا ابني امضي

ويشم الترب، امضي

سر إلى عمك ؟

شيخ كان يأتي

عندنا يحنو علينا

ويشم الترب

كلما جاء إلينا

قام فينا يخطب

وينادي للجهاد

لنعيد الأرض للفلاح

ويشم الترب

ويعض الأرض

امض يا ابني

سر إلى عمك!

كان يأتي وينادي

قل له، انا استجبنا

و دفعنا الأجنبي المستبد

وأخذنا منه الاستقلال

قال : آه، الاستقلال

ويعض الأرض

ويشم الترب

قل له يا عمي

هذه الأرض لمن؟

ولمن الاستقلال؟

إالى الشعب؟ اللفلاح؟

أم لفرد ام لأسرة؟

أم إلى كل غبي مستبد؟

ويشم الأرض، قال: آه

أنا لا أرضى

ويعض الترب

لكن آه  .

مات

                           ***

ذات يوم والدي سار

وأفراد القبيلة

حلف الكل بايمان جليلة

بضريح الشيخ سيدي العربي

والدي ، قال، اسمعوا

سنرد الأرض للفلاح

ولاولاد خليفة

لا نبالي موتة فيها شريفة

افسحوا العهد وساروا

وإذا الغاصب جاء

وعبيد الأرض جاءوا

يحرثون الأرض عصيا

للحمائي له

آه،

هب أبناء القبيلة

وأبي يحمي الطليعة

إنما الأرض لنا

انصرف يا ظالم عنا

واذهبوا أنتم عنا

لا تكونوا مثل كلب الصيد

يصطاد الفريسة

حسبه منها عظيم

اذهبوا عنا بخير

                     ***

وأتى الحاكم يحمي

غاصب الأرض بجند

وسلاح وقنابر

تضرب العزل من غير خناجر

والدي صاح

وكل الناس صاحوا

ارضنا لن تأخذوها

اقتلونا و دعوها

إنما الأرض لمن يحرثها

ليست الأرض لمن يغصبها

ليست الأرض لمن ينزفها

وإذا الأجناد تضرب

ذاك أمر الحاكمين

                        ***

سقط الأبطال يا عمي

و صاح الشهداء

أرضنا لن تاخذوها

سوف نسقيها دمانا

ولها أجسامنا

خير سماد

تنبت الأرض لمن يحرثها

تنبت القوت كما تزهر

فيها الحرية

وشعاع النور من أرجائها

سيعم الأرض أرض المغرب

                      ***

وأبي مات، يعض الأرض

ويشم الترب، يا عمي آه،

وبكى الناشئ ، آه،

بعدما أدى الرسالة

قال لي ؛ يا عم

اني أنا أديت الرسالة

ووصايا الشهداء

ومضى يبحث في السجن عن

أولاد خليفة

ومضى يبحث في الغاب

عن أولاد خليفة

وانا أبحث في الشعب عن

أولاد خليفة 

         الرباط   18 يناير 1971

                  علال الفاسي

( العلم الأسبوعي/ العدد الثامن والتسعون/ 22 يناير 1971)

Visited 4 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد الكريم الأمراني

صحفي وكاتب