خيرسون المدينة الروسية المفصلية في التاريخ الروسي الحديث
د. زياد منصور
تشكل مدينة خيرسون اليوم مادّة إعلاميّة دسمة لكثر من المحللين والمؤرخين، الذين باتوا يتناولون أي حراك جبهوي، أو انكفاء، أو تغيير في مسار العمليات معتبرين إياه انتصار لهذا الطرف أو ذاك، هذا دون معرفة ما يحمله التاريخ من وقائع ودروس وعبر.
واليوم بعد إعلان القيادة العسكرية إخلاء الضفة اليمنى لنهر الدنيبر الذي تقع خيرسون على ضفافة إلى الضفة اليسرى، بدأت الكثير من المغالطات تأخذ مداها، بالاستناد إلى شح في المعلومات حول طبيعة وأهداف العمليّة العسكريّة الروسيّة في هذه المناطق في حرب دخلت شهرها العاشر تقريباً.
بداية فإن خيرسون اليوم هي المركز الإداري للإدارة العسكرية والمدنية في جنوب أوكرانيا. تقع على بعد 600 كيلومتر تقريبًا من كييف على الضفة اليمنى (المرتفعة) لنهر الدنيبر بالقرب من مصب هذا النهر الذي يلتقي بنهر ليمان في دنبيريتروفسك ليصبّان في البحر الأسود. تقع منطقة خيرسون عند حدود جمهورية القرم، وتبعد خيرسون عن سيمفيروبول بحوالي 300 كم.
تاريخ المدينة، ولماذا سميّت بهذا الاسم؟
وفقًا للموسوعة الروسية الكبرى، في عام 1737، أثناء الحرب الروسية التركية (1735-1739)، تمَّ إقامة تحصينات للجيش الروسي الذي كان يقوده القيصر ألكسندر على الضفة اليمنى لنهر دنيبر. وبسبب ذلك اتخذ قرار بإنشاء مدينة خيرسون في موقع هذه التحصينات من قبل كاترين الثانية في 18 حزيران – يونيو 1778، وبعد خمسة أشهر، أي في 19 تشرين الأول- أكتوبر، وضع البناة الأساس للمدينة والأميرالية والقلعة.
سميت خيرسون على اسم توريك تشيرسونيسوس (من اليونانية Χερσόνησος )، وتعني الرأس، أو شبه جزيرة) – مدينة قديمة في شبه جزيرة القرم (داخل حدود سيفاستوبول الحديثة) ، تأسست في 422-421 قبل الميلاد. من قبل اليونانيون الذين هاجروا من هيراكليا بونتيكا.
تم بناء المدينة وفقًا لمشروع وضعه المهندس الرئيسي لمدرسة الأميرالية ميخائيل فيتوشنيكوف. بحلول عام 1788، تم الانتهاء من تشييد قلعة خيرسون. وأقيم حولها خندق مع أسوار ترابية، تم تثبيت 220 مدفعاً على المعاقل، في منتصف القلعة أقيم مجمع من المباني الإدارية والصناعية. من المعالم المعمارية البارزة في هذه القلعة هي المباني وساحة القصر في وسط القلعة.
تحت قيادة الأدميرال أليكسي سينيافين، تم إنشاء أول مركز قيادة وثكنات للبحارة. وفقًا للمخطط الذي اقترحه (لبناء مجسمات وهياكل السفن في حوض بناء السفن، وإنزالها في نهر ليمان عند المصب ومن ثم تجهيزها بالمدافع والصواري والحفارات) تم بناء السفن في خيرسون الأميرالية حتى القضاء عليها في عام 1827. في 16 أيلول- سبتمبر 1783 ومن مخزون حوض السفن الأميرالية أبحرت أول سفينة كبيرة مجهزة بـ 66 مدفع – وهي أول سفينة من خط أسطول البحر الأسود التابع للإمبراطورية الروسية تحت اسم – “المجد لكاثرين”.
في عام 1790، تم افتتاح أول مسبك لمدافع البحر الأسود في خيرسون. في نهاية القرن الثامن عشر، لعبت خيرسون دورًا مهمًا في تطوير العلاقات الاقتصادية الداخلية والخارجية في روسيا. من خلال ميناء خيرسون قامت التجارة مع فرنسا وإيطاليا وإسبانيا ودول أوروبية أخرى. يلاحظ المؤرخون أنه خلال زيارة كاترين الثانية إلى شبه جزيرة القرم (رحلة توريان عام 1787)، فوجئ الأجانب في حاشيتها بمدى تطور المدينة (حصن مكتمل تقريبًا، ومخازن الأميرالية الخيرسونية، والمتاجر الخاصة، ترسانة غنية من الأسلحة وأحواض بناء السفن والكنائس والمنازل والسفن التجارية في الميناء).
في 1785-1794، كانت إدارة أسطول البحر الأسود تقع في خيرسون (في عام 1794 تم نقلها إلى نيكولاييف جنبًا إلى جنب مع بناء السفن العسكرية).
في عام 1834، تم افتتاح مدرسة للملاحة التجارية في المدينة، بعد ذلك بقليل، مدرسة الزيمستفو الزراعية (الزيمستفو تعني المجلس). في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، تم بناء مسرح ومكتبة، كما تم افتتاح العديد من المتاحف والمعارض. سرعان ما أطلقت حركة المرور على خط سكة الحديد، الذي يربط بين نيكولاييف وخيرسون.
في عام 847، تم فتح أول خط اتصال للسفن مع مدينة أوديسا، وتم افتتاح مصنع قماش، والمدابغ، ومطاحن وأشياء كثيرة. في عام 1908، تم إطلاق أول محطة لتوليد الكهرباء في المدينة.
على مر السنين، كانت خيرسون جزءًا من مقاطعة نوفوروسيسك (1778-1783، 1796-1802)، وإيكاترينوسلاف (1785-1795) وفوزنسينسكي (1795-1796)، مقاطعة نيكولاييف (1802-1803) ومقاطعة خيرسون (1803-1920).
خلال الحرب الأهلية (1917-1922)، احتل مدينة خيرسون قوات أنجلو-فرنسية، يونانية، في عام 1919 تم الاستيلاء عليها من قبل مفارز أتامان نيكولاي غريغورييف، في نفس العام أيضاً تمت السيطرة على خيرسون من قبل الجيش الأحمر للعمال والفلاحين).
خلال الحرب الوطنية العظمى، احتلت القوات الألمانية المدينة (1941-1944). منذ عام 1944، كانت خيرسون المركز الإقليمي للجمهورية الاشتراكية السوفيتية الأوكرانية (منذ عام 1991، أوكرانيا). في 1944-2020 -مدينة ذات أهمية إقليمية، منذ 2020 باتت تعتبر مركزاً إقليمياً.
في نهاية نيسان- أبريل 2022، تم تشكيل إدارة عسكرية مدنية في منطقة خيرسون، برئاسة السياسي الأوكراني فولوديمير سالدو، الذي قاد خيرسون حتى عام 2012.
في 27 نيسان- أبريل 2022، تم تعيين عمدة جديد لخيرسون، وهو ألكسندر كوبيتس البالغ من العمر 63 عامًا، وهو نائب سابق لمجلس المدينة. خلال الحقبة السوفيتية، خدم كوبيتس في الكا جي بي KGB، ثم انتقل إلى خدمة جهاز الأمن في أوكرانيا، توقف عن العمل في الخدمة الخاصة في عام 2010، بعد تقاعده.
تم إقالة العمدة السابق إيغور كوليخاييف، المعين من قبل سلطات كييف (لقد شغل منصبه منذ تشرين الأول- أكتوبر 2020). وأشارت الإدارة العسكرية والمدنية للمدينة إلى أنه “لم يكن يريد التعاون”.
في أوائل شهر أيار- ماي، أعلنت قيادة الهيئة الإدارية المدنية والعسكرية لمنطقة خيرسون عن رغبة المنطقة في أن تصبح جزءًا من الاتحاد الروسي.
كما أفادت السلطات أنه على الرغم من طرد كوليخاييف من مكتب العمدة، فإنه لا يزال في المدينة، وينصب نفسه كرئيس لبلدية خيرسون و”يواصل إصدار التعليمات”.
في 24 حزيران – يونيو 2022، تم تنفيذ هجوم في خيرسون، أسفر عن مقتل موظف في الجهاز المركزي للمحاسبة، رئيس قسم الأسرة والشباب والرياضة، دميتري سافلوتشينكو. تم تفجير السيارة التي كان يوجد فيها سافلوتشينكو. ووصف فولوديمير سالدو جريمة القتل بأنها عمل إرهابي ارتكبته دائرة الأمن العام بأمر من السلطات الأوكرانية.
كم عدد السكان الذين يعيشون في خيرسون؟
وفقًا لمعلومات من مصادر مفتوحة، اعتبارًا من 1 كانون الثاني- يناير 2017، كان يعيش 331.5 ألف شخص يعيشون على أراضي خيرسون ، اعتبارًا من
1 كانون الثاني تقلص لعدد إلى 2021 – 283.6 ألف شخصاً.
ما هي القطاعات الرئيسية للاقتصاد التي تم تطويرها في خيرسون؟
الفروع الرئيسية لتنمية المدينة هي صناعة السيارات والصناعات المعدنية والوقود، الصناعات الخفيفة وصناعة الزجاج والمواد الغذائية والصناعات الكيماوية. كان هناك أيضًا في خيرسون أكثر من 50 مؤسسة زراعية متخصصة: تربية الحيوانات وإنتاج المحاصيل وتربية الأسماك.
ميناء خيرسون التجاري البحري هو أحد أكبر الموانئ في أوكرانيا. تقع في دلتا نهر دنيبر على بعد حوالي 85 كم من البحر الأسود.
في 24 أيار- ماي 2022، ذكرت الإدارة السلطات المدنية والعسكرية في خيرسون أنه تم حظر عمل ميناء خيرسون التجاري، حيث قام القوميون الأوكرانيون بتلغيم المخرج الوحيد إلى البحر الأسود. وفقًا للسلطات، من “غير الواقعي عمليًا” فتحه الآن، كما تم تعليق الشحن التجاري على طول نهر دنيبر.
في 1 أيار -ماي، بدأت منطقة خيرسون في التحول إلى الروبل الروسي.من أجل إعادة الحياة الاقتصادية للمنطقة ، دعت الإدارة العسكرية – المدنية لإقليم خيرسون قيادة البنوك الروسية لفتح فروع لها في المنطقة.