تهافتات الأستاذ بروني
باريس- المعطي قبال
1- التطفل على ابن طفيل
بمنأى عن الاعتبارات الأخلاقية، تعتبر الوقاحة فنا قائما بذاته. وبغض النظر عن المشارب والتكوين يعتبر هذا الفن قاسما مشتركا بين كل فئات أهل الثقافة والفن. في مجال الفلسفة، ثمة فلاسفة جد وقحين كما أن هناك أشخاص وقحين بلا فلسفة. من بين هذه العينة نجد مدعيا يسمي نفسه «فيلسوف» ألا وهو الفرنسي جان – باتيست بروني الذي يقدم نفسه كـ «فيلسوف متخصص في الفلسفة العربية»، فيما لا يعدو سوى مستشرقا مزيفا وباهتا، أخرج من صندوقه أدوات قديمة ومستعملة لمقاربة وفك المتن الرشدي من دون أن يعلم أن هناك أشغال انكبت عربيا على هذا المتن منذ عدة عقود كما تتجسد في أعمال كل من محمد عابد الجابري، عبد السلام بنعبد العالي، كمال عبد اللطيف أو مروان راشد المتخصص في علوم الكونيات لدى ابن رشد أو مروان عواد المتخصص في فن البلاغة لدى ابن رشد، وغيرهم من الفلاسفة العرب الذين لم يأت على ذكرهم بروني، لأن مقاربته متمركزة على ذاتها اي تنهل فقط من المرجعية الغربية والإغريقية اللاتينية. وفي هذا الاتجاه يأتي إعادة نشره للترجمة التي أنجزها المستشرق إتيان-مارك كاترومير (1782-1857) لنص ابن طفيل حي ابن يقضان. وكان إتيان-مارك كاترومير أستاذا لكرسي اللغات العبرية، الكلدانية والسريانية. كما تجدر الإشارة إلى ترجمته لكتاب تاريخ سلاطين الممالك لأحمد المقريزي ونشره لمقدمة ابن خلدون. على أي يبقى كاترومير ظلا لأستاذه إرنست رينان الذي اعتبر أن الفلسفة العربية تبقى «دخيلة وعقيمة» ولم تأت بشيء. وبالمقارنة مع ترجمات أخرى مثل ترجمة أميلي- ماري غواشون أو ترجمة ليون غوتييه تبقى ترجمة كاترومير تقريبية ولم تنقل الروح التخييلية والشعرية للنص. حظي كتاب ابن طفيل بعدة تراجم كانت أولها ترجمة موسى الناربوني عام 1349. غير أن الترجمة التي عرفت وأداعت شهرة الكتاب هي تلك التي قام بها بوكوك إلى اللغة اللاتينية عام 1671. أما الإنجليزي سيمون أوكلي فقدم ترجمة مباشرة عن النص العربي إلى اللغة الإنجليزية. كما أنجزت ترجمات إلى اللغة الهولندية، الروسية، الفارسية، الإسبانية. وتعتبر ترجمة غوتييه ثاني ترجمة إلى الفرنسية، وهي أجمل بكثير من ترجمة كاترومير.
2- ابن رشد، فيلسوف زاده العقل
يحاول بروني جر الفلسفة إلى منطقة الخيال وذلك بالتشديد على أهميته في المشغول الفلسفي لابن رشد، أي إحلال الخيال الفعال محل العقل. وتبدو العملية بنوع ما مجهودا قيصريا قد يثير استهزاء المتخصصين في المتن الرشدي الذين لا ينظرون إلى فيلسوف قرطبة سوى كفيلسوف عقلاني. «أنا أستهيم، ابن رشد والمجال الطاقوي» هو عنوان الكتاب الذي سبق لبروني أن نشره عام 2017. هذه العبارة، أنا أستهيم..» أرادها برنامجا فلسفيا لشرح وتأويل الفلسفة الرشدية، كما ترد أيضا عنوانا لعدة كتب في مجال التحليل النفساني. والفانتازم تصور، تخييل، وبالأخص في مجال التوهمات الجنسية. إنه أحد المفاهيم الأساسية للتحليل النفسي. وقد اعتبر فرويد الفانتازمات أو الاستيهامات تلك الغرائز العميقة الكامنة لدى الأنسان. يفسر لنا بروني أن فرادة ابن رشد لا تكمن في عقلانيته أو رغبته في تأسيس عقلانية عربية-إسلامية، بل في قوته التخييلية. تكمن خطورة هذه الفرضية في رغبتها تجريد التراث الفلسفي العربي الإسلامي من خاصياته العقلانية ومن مجهود الوساطة التي أنجزها لمد الجسور بين الفلسفة الإغريقية والفلسفة الأوروبية للعصر الوسيط. نحن هنا بصدد تحوير اعتباطي لابن رشد من شأنه خلق تشويش فكري مسيء للفكر الفلسفي. والعينات من قبيل جان باتيست بروني مبثوثة في الجامعات وفي المؤسسات الثقافية مع سعي إلى إبهار الجمهور بتأويلات وخطابات مغلقة. كما أنها أحد إفرازات شبكات التواصل الاجتماعي. وبالمناسبة ولسماع تخريجات هذا «الفيلسوف» الزائغة والعجيبة، دعته 3 معاهد فرنسية (الدارالبيضاء، مراكش، فاس)، للمشاركة في ملتقيات الفلسفة، (ليالي الفلسفة سابقا). وبما أن بروني يحاول تقريب ابن طفيل وابن رشد من الخيال والتخييل والمخيل، فنقترح عليه قراءة ما كتبه خورخي لويس بوريس عن ابن رشد، «بحث ابن رشد» مع قراءة النص الرائع لعبد الفتاح كيليطو لهذا النص، وقراءة بورخيس لابن طفيل، وألف ليلية وليلة وغيرها من النصوص التي ألهمت المخيال الغربي. كل ذلك رغبة في إزالة غشاوة الجهل والوقاحة عن العقول.