إلى أين تسير الإنتفاضة في إيران؟
فاطمة حوحو
تطرح تساؤلات عديدة حول ما اذا كانت الانتفاضة في إيران هذه المرة ستحدث تغييرا ما، وسط تصاعد الاحتجاجات والقمع المفرط الذي تستخدمه السلطات الامنية والتي وصلت الى حد بدء حملة اعدامات.
ولا شك أن الأوضاع داخل إيران معقدة للغاية، فماذا يحدث داخل المجتمع الإيراني والى أين تسير الأمور؟
تشرح مصادر في المعارضة الإيرانية لــ “السؤال الآن” واقع الانتفاضة بالإشارة الى أن الموجة الجديدة من الاحتجاجات المناهضة للسلطة في إيران بدأت في 16 ايلول، اجتاحت ما لا يقل عن 220 مدينة في 31 محافظة في البلاد، وكذلك عشرات جامعات اليوم وبلغت التظاهرات المناهضة للسلطة في طهران في النهار نفسه، حوالي 30 حيا ومنطقة. ولقي أكثر من 550 متظاهرًا مصرعهم جرَّاء إطلاق قوات نظام الملالي القمعية النار عليهم. وأصيب المئات من الأشخاص، وتم اعتقال أكثر من 30 الف شخص”.
وتشير الى أبرز محطات الانتفاضة وهي تجمّع أهالي المعتقلين، متغلبين على أجواء القمع، أمام سجن إيفين سيئ السمعة، للمطالبة بالإفراج عن أبنائهم. وتصدى المواطنيين، لا سيما الشباب للقمع الوحشي للاحتجاجات الشعبية. حيث تعرضوا للاعتقالات وتم إطلاق سراح أشخاص مساجين اندسوا داخل التظاهرات بالاضافة الى رجال أمن متنكرين في ملابس مدنية من ميليشيات الباسيج لمهاجمة الشباب الأحرار. وأسفرت هذه الاشتباكات عن مقتل عدد من عناصر الباسيج. والمعروف ان شرارة الاحتجاجات إندلعت ردا على مقتل مهسا أميني، في معتقل الشرطة المسمى بـ “شرطة الأخلاق”. لكن مطالب المواطنين ذهبت إلى أبعد من ذلك، منذ اليوم الأول، وطالبوا بالإطاحة بنظام الملالي برمته. وردَّد المواطنون هتافات مناهضة للنظام”.
وتلفت المصادر الى “استمرار الاحتجاجات على الرغم من القمع الوحشي والاعتقالات الواسعة النطاق، لتشمل مدن ومحافظات لم تشارك أساسًا في انتفاضتي 2018 و 201، مرددة هتافات موحدة، وركَّزت في هتافاتها على رأس النظام، أي خامنئي. كما إنتشرت الاحتجاجات في آن واحد في المدن الكبرى، وتم تنظيم احتجاجات مماثلة في أكثر من 30 منطقة في شمال وجنوب ووسط وشرق وغرب مدينة طهران. وهي مناطق ذات تركيب طبقي ووضع اقتصادي واجتماعي مختلف في طهران التي يبلغ عدد سكانها 10 ملایین نسمة. وشارك في التظاهرات مجموعة كبيرة من المجتمع الإيراني، بدءًا من الطبقات الدنيا اقتصاديًا، والتي كان يُعتقد خطأً أنها تشكِّل القاعدة الاجتماعية لنظام الملالي، وصولًا إلى الطبقة الوسطى المثقفة. وهو ما يبين إصرار الشعب، وخاصة الشباب، ونهجهم الهجومي في التصدي للقمع الوحشي، الأمر الذي أدى إلى تصعيد المواجهات بدلًا من الاستسلام والتزام الهدوء، وأضرم الشباب في معظم المدن النار في ملصقات ولافتات وتماثيل خامنئي وقاسم سليماني وغيرهما من قادة نظام الملالي. والأهم من ذلك كله هو عنصر تنظيم الاحتجاجات الذي ادى الى تصاعدها”.
كما تلفت الى دور وحدات المقاومة التي بدأت أنشطتها بكتابة الشعارات، وتركيب ملصقات في الأماكن العامة، وتواجد أعضاؤها ومعظمهم من الطلاب والموظفين والعمال …إلخ. في المجتمع، وتنظيمهم لأنشطة سرًا. واستخدام الإمكانيات الشعبية لديهم، وفي السنوات القليلة الماضية تم اعتقال المئات منهم وآلاف الأشخاص في الاحتجاجات، وتعرض بعضهم لأقسى أشكال التعذيب، وحُكم عليهم بالسَجن لمدد طويلة، وحتى بالإعدام أيضًا. ولكن على الرغم من هذا القمع الشديد والاعتقالات الواسعة النطاق”.
وتؤكد إنه “على الرغم من محاولة نظام الملالي بث الفتنة لإحداث الخلافات بين المواطنين بنشر شعارات مضللة، وحصر الاحتجاجات بمطالب نقابية، بواسطة الباسيجيين الذين أرسلهم وسط الجماهير بحجة التطبيع، ولكن تم إحباط هذه الخدعة، والتأكيد على شعارات إسقاط نظام الملالي وأي نوع من الديكتاتورية”.
وتركز القول على وجود “مواجهة لقوات نظام الملالي القمعية، لا سيما رجال الأمن المتنكرين في ملابس مدنية، الذين لعبوا دورًا حاسمًا في قمع احتجاجات عامي 2018 و 2019”.
ورات ان “إضرام النيران في تمثال قاسم سليماني، بمثابة معيار فعَّال في المجتمع، بعد ساعات قليلة فقط من إزاحة الستار عنه، وكذلك استهداف مراكز القمع المكروهة للغاية في المجتمع، وإضرام النيران في لافتات هذه المراكز من قبل الشباب معبر عن مدى الاصرار على مواجهة نظام الملالي والقوات القمعية. حتى أن خامنئي أعرب في خطبة صلاة الجمعة عن أسفه إزاء تركيب عدة مئات من الملصقات المهينة لـ سليماني”.
وتخلص المصادر بالقول أن “ما يحدث في إيران اليوم، يذهب إلى ما هو أبعد من الاحتجاجات المتفرقة أو حتى الاحتجاجات على الصعيد الوطني. إذ يُظهر الاتجاه نحو اندلاع ثورة ديمقراطية. فالشعب الإيراني يقوم بثورة ديمقراطية جديدة، بعد أن أطاح بالديكتاتورية الملكية ويخوض اليوم معركة شرسة ضد الديكتاتورية الدينية الحاكمة. إن الثورة تعني رفض أي نوع من الديكتاتورية وحكم الفرد سواء كان حكمًا ملكيًا موروثًا أو حكمًا تحت وسام الدين وممثل الله، ورفض مناهضة المرأة، والاعتراف رسميًا بالمساواة الكاملة بين النوعين الاجتماعيين في جميع المجالات، وخاصة في مجال القيادة السياسية. ثورةٌ من أجل إقامة جمهورية ديمقراطية قائمة على فصل الدين عن السياسة”.
وتعتبر أن “استمرار التظاهرات في جميع أنحاء البلاد، واستعداد جيل الشباب لمواجهة القوات القمعية يعتبر رد فعل إيجابي من المجتمع ورفض النظريات التي تنادي بالتعاون مع بعض دوائر القوى القمعية، أي قوات حرس نظام الملالي. إن الثورة في إيران تلوح في الأفق. وعلى حد تعبير المثل الإيراني، فإن الثورة والإطاحة بنظام الملالي قد تأتي عاجلًا أم آجلًا، ولكن ينقصها الوقود. وسوف تتحقق بالتأكيد”.