إدوارد سعيد- دانيال بارنبويم وسيمفونية السلام
باريس-المعطي قبال
نابغة البيانو
تحتفل هذا اليوم أكثر من عاصمة عالمية بالثمانين عاما على ولادة الموسيقار دانيال بارنبويم، المزداد بمدينة بوينس إيريس بالأرجنتين عام 1942 في أحضان عائلة يهودية. لتعلم الموسيقى لم يكن بحاجة إلى أستاذ، بل تكلف والده وأمه شخصيا بتربيته الموسيقية، نظرا لأنهما كانا من عازفي البيانو المشهورين بالأرجنتين. وقد أحيا دانيال بارنبويم أول حفله الموسيقي وهو دون السابعة من عمره.وسيبقى والده إينريكي بارنبويم أستاذه الرئيسي إلى أن تكلف به إدوين فيشر ثم ايغور ماركوفيتش. كما لعبت والدته دورا مهما إلى جانب والده في تعليمه آلة البيانو.
استقرت العائلة عام 1952 بفلسطين المحتلة حيث أحيا عدة حفلات موسيقية. من 1955 إلى 1957 أحيا حفلا موسيقيا بباريس على البيانو بمعزوفة رقم 9 لموتزارت تحت قيادة أندريه كلوينتس. كما دعاه أرتير روبنشتاين إلى حفل خاص للوقوف على مؤهلاته الموسيقية. ومنذ تلك الفترة أحيا بارنبويم حفلات موسيقية في أكثر من عاصمة: لندن، شيكاغو، باريس، نيويورك، سيدني بأستراليا، برلين، فيينا الخ… هذه الأسفار كانت مناسبة لآداء ريبرتوارات موسيقية متنوعة هي في كل مرة احتفاء بموزارت، بيتهوفن، باخ، شوبير، بروكوفياف، بيلا بارتوك، ريشارد فاغنر الخ… وقد سجل بارنبويم لما أصبح رئيس أوركسترا عام 1965 المجموعة الكاملة لموزارت والتي تبقى من أجمل الأداءات على المستوى الجمالي. كما سجل المجموعة الكاملة لبيتهوفن وهي من أقوى المراجع الموسيقية التي يعتمد عليها الموسيقيون المبتدئون أو المكرسون. ضد المناهضين لموسيقى فاغنر الذي اعتبرته غالبية الاسرائليين ممجدا للنازية، قاوم بارنبويم بل انتصر على دعاة هذه الفكرة لما أحيا حفلا موسيقيا بتل ابيب خصصه لسمفونيات فاغنر.
في سجل المفاضلات يبقى الموسيقار دانيال بارنبويم أفضل من هربرت فون كارايان، سير جورج سولتي، رونيه جاكوب، لوران مازيل، ليونار بيرنشتاين وغيرهم. يؤلف بارنبويم باحترافية وتقنية غالية بين اللغة الموسيقية الراقية والآداء الرفيع. كما يعزف وبنفس السلاسة على آلة البيانو والكمان. اوركسترا ديوان الغرب- الشرق انفتاح على الآخر لكن الحدث الهام في مشواره الإنساني هو إنشاء رفقة أستاذ الأدب المقارن والمؤرخ الفلسطيني-الأمريكي إدوارد سعيد لأوركسترا ديوان الغرب-الشرق، وهذا العنوان مستوحى من الديوان الشعري ليوهان فولفانغ فون غوته والذي استقاه بدوره من الديوان الفارسي لشمس الدين محمد حافظ الشيرازي.
أنشيء الديوان إذا عام 1999 بفايمار الألمانية إحياء للذكرى 250 عاما على ولادة غوته. أهم خاصية لهذا الحدث هو تكوين مجموعة تتألف من 80 عازفا ينحدرون من إسرائيل، من الدول العربية المجاورة ومن فلسطين. والغاية من هذه المؤسسة هي الدعوة إلى إقامة السلام بالشرق الأوسط.
رفقة إدوارد سعيد نظم بارنبويم أول محترف موسيقى للأوركسترا الناشئة بفايمار بألمانيا. تلتها حفلة موسيقية بشيكاغو إحياء لذكرى ادوارد سعيد بعد وفاته في 25 من سبتمبر 2003. بعد فايمار استقر الديوان بشيكاغو قبل أن يحط الرحال منذ 2002 بإشبيلية بإسبانيا بالأندلس. ويقيم أوركسترا الديوان تحت قيادة بارنبويم كل عام حفلا موسيقيا يقوده إلى جولة عالمية. وقد تبرع بارنبويم عام 2004 بهبة مالية بمبلغ 50.000 دولار لتعليم الموسيقى برام الله. وفي نفس السنة الموالية أحيا الديوان حفلا موسيقيا بنفس المدينة وكان حدثا فنيا عالميا. أدت فيه الأوركسترا سيمفونية لموزارت وبيتهوفن ( السيمفونية رقم 5 ). في الرابع من أكتوبر 2022 أعلن بارنبويم عبر تدوينة على التويتر أنه مصاب بـ «مرض عصبي خطير» وأنه قرر الاعتزال خلال الأشهر القادمة.
حمل وحلم إدوارد سعيد ودانيال بارنبويم بأن تقرب الموسيقى الفلسطينيين والإسرائليين بينهم، بأن تساعدهم على فهم بعضهم البعض. كان ادوارد سعيد المثقف الحالم بتذويب الحدود ومحاربة الجهل كمستهل لإقامة حوار مع الآخر، فيما كان بارنبويم الموسيقار الذي يجمع بين المتناقضات. تأثرت الأوركسترا بالكاد بغياب إدوارد سعيد وقد تتأثر بانعزال باربنبيوم، لكنها لن تختفي من المشهد لأن حلم الثنائي يقيم في قلب إرادة الشباب الموسيقي الذي سيبقى وفيا للرسالة والأمانة. اليوم يحتفل عالم الموسيقي بالذكرى 80 لولادة دانيال بارنبويم وبما أن الموسيقى هي الحياة لربما قد ينتفض بارنبويم من صمته وعزلته لإدارة إحدى الأوركسترات وعزف السيمفونية رقم 3 لبيتهوفن المعروفة بالسيمفونية البطولية التي تم أختيارها من طرف 151 رئيس أوركسترا «أحسن سيمفونية لكل الأزمنة».