7 سنوات على رحيل فاطمة المرنيسي ساحرة الغرب
فاطمة حوحو
في 30 نوفمبر من العام 2015ـ غادرت الباحثة المغربية فاطمة المرنيسي عالمنا، كاتبة سوسيولوجية ونسوية مميزة اهتمت بدراسة اوضاع النساء في الاسلام وخاضت نضالات من اجل المساواة والحقوق. أسست القوافل المدنية وجمع «نساء، عائلات، أطفال». وفي مايو 2003 حصلت على جائزة أمير أستورياس للأدب مناصفة مع سوزان سونتاج.
خرقت المرنيسي المحرمات وأعادت تفسير التاريخ الاسلامي في المنطقة،من وجهة نظر نسوية، لم تهادن الغرب، لكنها لم تكسب ود الاصوليين الإسلاميين الاسلاميين، غاصت عميقا في عالم “الحريم” وقفزت عن الحدود الجغرافية والدينية والسياسية، في محاولة لاستشراف الواقع الغربي والمغربي على وجه الخصوص، ولم تخف الحديث عن الواقع وتشريحه، من دون ان تتوقف تتوقف أمام المحرمات الاجتماعية والدينية.
في الوقت نفسه بحثت عن الديمقراطية المفقودة في بلادنا وأسباب الخوف من الغرب ومن حرية الرأي والخوف من المرأة الذي تجلى في حبس النساء وإقصائهن عن السلطة، أفكارها أثارت جدلا واسعا في الثمانينات ما يزال مستمرا حتى اليوم رغم غيابها فهي حاضرة في عالم الفكر والبحث العلمي، وعطاءاتها الفكرية طالما تجددت خصوصا في الغرب الذي تلقف كتاباتها المنشورة أصلا بالانجليزية والفرنسية التي ترجمت الى لغات عديدة ومنها العربية.
انتشرت كتبها 28 بلدا، ربما لأنها ذهبت إلى الزمان البعيد وأطلت على الماضي بروح المستقبل، وكشفت عن عوالم قديمة في الشرق الذي جعله الغرب مجرده “فانتازيا” غريبة، مع أن حياة النساء النساء الجواري في عالمنا لم تكن مختلفه كثيرا عن حياه المحظيات في اوروبا.
ولدت فاطمه المرنيسي في مدينه فاس المغربية التاريخية في العام 1940 كتابها “نساء على أجنحة الحلم” عرف شهرة واسعة، وفيه شيء من السيرة الذاتية وكثير من الخيال المدهش بطلته طفلة تروي عالم الحريم وقصصه بأسلوب مشوق. طفلة تحلم بخرق هذا العالم والطيران الى خارجه، تعرض حكايتها من خلال عائلة المرنيسي الكبيرة وحريم فاس.
تعترف المرنيسي بأنه كان هناك حوالي عشر زوجات ومحظيات في منزل جدها ولديها 24 خال وخالة من دون احتساب الأموات منهم، وتكشف عن الحريم اللامرئي والموجود رؤوس النساء وعن قوانين حكم الأسرة وقواعده ونظامه الممسوك به جيدا من قبل الأسياد الرجال والذي يجعل حياة النساء سجنا، لكنه سجن مفتوح على الأحلام عبر التمرد وإدانة الشخصيات التاريخيه مثلها “ارون الرشيد” والسخريه منها.
تفتحت فاطمه المرنيسي في طفولتها على الحلم الذي زرعته في داخلها والدتها المتمردة على الواقع والباحثة عن الحرية والإنفتاح، فقد غرست في وعي إبنتها طموح تغيير العالم الذي عاشته وتحرير النساء من أجل الحصول على الحب والرغبة والحنان والسعادة، وادركت أن الأمر يحتاج دفعي أثمان من أجل إناره الضوء في ظلمات عالم الحريم.
عاشت المرنيسي في مدينه فاس التي كانت حصنا تراثيا ومتاهة من الدروب العتيقة بين الإحتلالين الإسباني والفرنسي وكان لكل منهما بصمات لغوية وثقافية وسياسيهة. مدينة كان فيها المجتمع المغربي يقاوم، لكن السيادة فيه للذكور، أما النساء فعليهن الطاعة وعدم خرق مقدسات سلطاته.
درست حتى المرحلة الثانوية في فاس وغادرتها في سن التاسعة عشرة غلى الرباط العاصمة الحديثة للدراسة في جامعة محمد الخامس التي أصبحت فيها لاحقا استاذة، تقول إنها خافت من هذه المدينة وكانت بحاجة لحماية كمال صديقها إبن الحي الذي كانت تسكنه في فاس، والذي صار أستاذا في الجامعة نفسها وزميلا قادرا على قراءه أفكارها، أما هي فقامت في مقارعته ومناقشته على الرغم اختلاف تخصصاتهما فهو أستاذ في الأدب العربي وهي في علم الاجتماع، معا إكتشفا سلطة الأمهات كراويات للحكايات ومقاومة التقليد الشفوي في الأحياء الفقيرة للحكايا الهوليودية التي قدمها التلفزيون لأطفال الأمهات البرجوازيات في المدينة. هذا النقاش دفع المرنيسي اثناء سفرها لتقديم كتابها “نساء على أجنحة الحلم” للكشف عن عالم الغرب، فوضعت كتابين قارنت فيهما بين عالم الحريم في الشرق والغرب، الاول هو “هل أنتم محصنون ضد الحريم” والثاني هو العابرة المكسورة الجناح ــ شهرذاد ترحل الى الغرب”.
ثلاث موضوعات تناولتها المرنيسي في كتاباتها وأبحاثها أولا: مقالات عن حقوق المرأه في الإسلام، إذ حاولت إبراز الوجه الإنساني للإسلام وإعطاء المرأة حقوقا” سلبتها إياها فيما بعد الدكتاتورية الذكورية، عبر إستخدام العنف ضد النساء. وثانيا مقالات إجتماعية تصف ظهور النساء كقوة إقتصادية في العالم الحديث، وثالثا مقالات عن ديناميه المجتمع المدني الحديث ودور النساء في حماية الديمقراطية ورعايتها.
نالت المرنيسي شهاده الدكتوراه السوربون الفرنسية، وحاضرت في جامعات أمريكية “هارفرد” و”كاليفورنيا”، وفي جامعات اوروبية عدة.
في العام 1975 صدر كتابها الأول بعنوان “ما وراء الحجاب” وتناولت فيه التفاعل بين الذكور والنساء في المجتمع الاسلامي الحديث، وضعته أساسا باللغة الانجليزية وترجم غلى خمس لغات اخرى. وفي العام 1982 صدر لها كتاب السلوك الجنسي في مجتمع رأسمال تبعي” في لبنان عن دار الحداثة وترجم مع مجموعة من المقالات في المجله المغربيه “لاماليف”، وفي عام 1983 صدر لها كتاب معارك يومية باللغه الفرنسية وهو عبارة عن سلسلة لقاءات مع نساء مغربيات ترجم الى أربع لغات.
في العام نفسه أصدرت كتاب “الحب في حضارتنا الإسلامية” بالعربية في لبنان عن الدار العالمية، وفي العام 1984 بحثا بعنوان “الحب في بلادنا الاسلامية” بالفرنسية، طبع في عدد خاص للمجلة الشهرية “جون افريق بلاس”، واعيد نشره في إصدارات مغربية في كازابلانكا عام 1986.
في العام 1985 اصدرت دراسة بعنوان “نساء الغرب” بالفرنسية وترجم الى العربية من قبل فاطمة زرويل وصدر في الرباط، ثم في العام 1988 صدر لها كتاب “الحجاب والصفوة بالفرنسية وترجم إلى العربية وفي العام 1990 صدرت لها كتاب “ملكات النساء المنسيات” بالفرنسية وترجم الى تسع لغات، اما كتابها الاسلام والديموقراطية فصدر في العام 1992 بالفرنسية وترجم الى ست لغات وبعنوان “الثوره النسوية والذاكرة الإسلامية”. ولها أيضا مجموعة مقالات بالفرنسية والانجليزية ترجمت الى ثلاث لغات في العام 1993 عاما كتابها الشهير “نساء على أجنحة الحلم” فصدر في العام 1994 بالانجليزية وترجم الى 21 لغه اخرى.
وفي العام 1997 صدر لها كتاب “هل انتم محصنون ضد الحريم”، وفي العام 2001 كتاب “شهرذاد ترحل إلى الغرب”، ولاحقا حتى العام 2010 كانت المرنيسي تصدر كتبا مهمة وتحصد شهرة عالمية ومن بينها سلطانات منسيات – 2006، نساء الغرب: دراسة ميدانية، شهرزاد ليست مغربية، الخوف من الحداثة ــ 2010.
كانت المرنيسي ناشطة نسوية ومدنية عملت مع عدد من الجمعيات والهيئات العالمية ونالت عدة جوائز ثقافية لنشاطها ونضالها.
ويبدو ان نسوية فاطمة المرنيسي جعلتها تعيش وحيدة من دون زواج، كانت دراساتها وابحاثها الجدية تاخذ الكثير من وقتها، حتى إنها اعتبرت إحدى أهم المفكرين العرب الذين أعادوا رسم صورة حديثة للإسلام ومن بينهم حسين مروه ومحمد عابد الجابري ومحمد عمارة وهشام شرابي وغيرهم من الذين اهتم الغرب بكتاباتهم وأفكارهم حول الإسلام ليكتشفوا فيها بعدا جديدا وفهما مختلفا لما يحاولون تصويره.
نشاط فاطمه المرنيسي النسوي برز في الثمانينيات، عندما قامت مع الكاتبة المصرية الراحلة نوال السعداوي وعدد من الكاتبات النسويات العربيات بخوض تجربة الحزب النسائي، فاجتمعن في منظمة وأصدرن مجلة خاصة لكن دب الخلاف بين السعداوي والمرنيسي فإنقطعت علاقتهما على الرغم من إلتقاء الأهداف، السعداوي وجدت في الدين أساسا لقهر المرأة وقمعها، في حين دافعت المرنيسي عن الإسلام معتبرة أنه أعطى المرأة حقوقا ولم يلتزم بها الحاكمون بأمرهم.
ويقال ان كتابات السعداوي وفهمها للنسوية هو فهم غربي وإنها لم تمانع التمويل من منظمات غربية، الأمر الذي رفضته المرنيسي. ويقال أيضا ان السعداوي لم تقدم نفسها في الغرب على إنها مسلمة بينما المرنيسي تقدم نفسها كذلك.
تعرضت المرنيسي للنقد فهي متهمه بأنها عقدت مصالحه مع الإرث الإسلامي مع أن المصالحة صعبة ولا يمكن تخيلها في الجزائر مثلا حيث اتخذ الصراع بين الإسلاميين والمجموعة النسوية الجزائرية بعدا يصخب بالعنف والدموية كما يصعب تصور مثل هذه المصالحة في لبنان، واعتبرت المرنيسي أن الانتكاسة النسوية كانت وليدة موجة المحافظة المعادية للمرأة في العالم العربي والاسلامي،
وما نود الإشارة اليه هو ان المرنيسي كانت متمسكة بالتراث والعادات التي ورثتها من أمها الأمازيغية، كانت تحب اللباس الشعبي ووضع الاساور الحديدة الخاصة وصبغ يديها وشعرها بالحناء ومارست هذه العادات في فنادق الغرب ووضعب البخور في غرفتها وكان تضع الكحل الأسود ولا تخاف من الأوراك العريضة.
<
p style=”text-align: justify;”>