القومية العربية الكروية
باريس- المعطي قبال
بعد أن سخر العرب، على إثر خيبات وانكسارات عديدة، من شعار: « من المحيط إلى الخليج»، ها هم يحيونه في الدوحة على خلفية مونديال كرة! القدم! ما أن فازت السعودية على الأرجنتين حتى سمعنا بعض المعلقين الرياضيين الذين يطغى زعيقهم على التعاليق الرياضية الرصينة، ينعشون الروح في هذا الشعار بالإشارة إلى أن «قافلة الوحدة من الخليج إلى المحيط تسير تحت قيادة السعودية». وبقي الشعار حيا يرزق في التعاليق الرياضية، حتى مع خروج قطر، السعودية، تونس. والكل اليوم (باستثناء الشقيقة الجزائر)، يعول على المغرب لـ «رفع راية العروبة والإسلام من المحيط إلى الخليج». وعليه فإن ما فشل فيه السياسيون بالأمس، يحقق فيه الرياضيون اليوم منجزات لا يستهان بها.
الجديد في الأمر أن هؤلاء الرياضيين لم يعيشوا نكبة 1967 ولا مجازر أيلول الأسود، ولا التنكيل بالفلسطينيين ونهب أراضيهم وحقوقهم. أعربوا برفع راية فلسطين عن انتمائهم الفلسطيني ولم يزايدوا كما هو شان الحكام العرب على القضية الفلسطينية. ولنا في المواقف الشجاعة لأشرف حكيمي افضل مثال، إذ تعرض للسب والصفير والشيطنة من طرف أنصار فريق ماكابي حيفا، بسبب مواقفه المساندة للفلسطينيين. وأعربت العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية المتواجدة بالدوحة لتغطية المونديال عن أجواء التهميش والنبذ التي يعيشونها وتعيشها إسرائيل. وقد كتب زار شاشنيك، مراسل صحيفة يديعوت أحرونوت خلال تغريدة له «من المستحيل عدم اطلاعكم على ما نمر به هنا بعد عشرة أيام في الدوحة – حول العداء، نحن غير مرحب بنا». وأعرب بعض الناشطين الفلسطينيين عن بهجتهم من قلب الموازين في الدوحة لصالح فلسطين.
في هذا الاتجاه غردت الناشطة الفلسطينية سحر غدار في حسابها: «في الوقت الذي يلهث فيه الحكام العرب للتطبيع مع العدو، تسطّر شعوبنا العظيمة أضخم مشاهد من العزّة والكبرياء عبر مظاهر رفض التطبيع وقبول العدو بينهم في المونديال، شعوبنا عظيمة جداً». مثل هذه التغريدات نابعة من حكرة الغرب للشرق والمغرب العربي. وهو شعور مشترك من الخليج إلى المحيط. وهذا ما يفسر استدعاء البعض لأحداث التاريخ البعيد والقريب خلال مواجهات ومعارك انتصر فيها المسلمون على خصومهم من النصارى، مثل فتح الأندلس، معركة وادي المخازن التي اختفى فيها الملك سيباستيان ولا يزال البرتغاليون ينتظرون عودته.
أمام محك المونديال وبعيدا عن الأدبيات اللينة لتبادل التحايا، فإن ما يسمى بقيم السلم والسلام والإخاء تبدو اليوم استيهاما خصيبا. الاعتبار الوحيد الذي تؤمن به الفرق هي «سحق» الآخر، «إقصاؤه»، تحطيم معنوياته وإلحاق الهزيمة به. وما بكاء بعض اللاعبين سوى علامة خارجية على الهزيمة. ميدان كرة القدم استعارة لميدان الحرب. يمثل المغرب إفريقيا والعرب وسيدخل يوم السبت إلى ميدان المعركة باستراتيجية عسكرية محبوكة من أجل الفوز لتعميم فرحة الملايين من الخليج إلى المحيط. غير أن قوانين كرة القدم لا تسير بما تشتهي الرغبات.